
في كل بلدان العالم، تقتضي المسؤولية الحكومية، تحمل القطاعات الوزارية المعنية مسؤوليتها الكاملة في النجاح والإخفاق في تدبير ملفات الشأن العام والتنمية والتشغيل، كما الدفاع عن المنجزات التي تحققت خلال الولاية الحكومية بواسطة الأرقام العصية على التكذيب، لكن عندنا ما إن تقترب التسخينات للحملة الانتخابية حتى تشرع قيادات حزبية في معارضة نفسها في مشهد كاريكاتوري والحديث عن الإخفاقات والغلاء والبطالة، وكأنها لم تذق حلاوة المنصب وسلطة التسيير والنفوذ وتدبير الصفقات العمومية ومسؤولية الأمر بالصرف.
يجب أن يعي السياسيون أن ما يلمسه المواطن على أرض الواقع من مؤشرات التنمية والانعكاسات الإيجابية على جودة الحياة هو الذي يمكن وصفه بالإنجازات الحقيقية، وما دون ذلك من تفاصيل المزايدات وتقاذف المسؤوليات يدخل في خانة الشعارات الفارغة والاستغراق في طرح الإكراهات والمعيقات، التي لا تغير من الواقع ولا تنفع في حفظ السلم الاجتماعي.
لقد تابع الرأي العام كيف تحول بعض الوزراء في حملات انتخابية سابقة للأوان، إلى ممارسة المعارضة والمطالبة بخفض الأسعار والتباكي على الغلاء والمضاربات رفقة المواطن البسيط، وهو الشيء الذي يمكن تفهمه لو كان الوزراء المعنيون ينتمون إلى المعارضة الحكومية، وليس تحملهم مسؤولية القرارات الاستراتيجية التي تحتم عليهم اتخاذ إجراءات جريئة ضد كافة أشكال المضاربات والاحتكار وخصاص السوق وتوازن العرض والطلب، والبحث عن كل سبل تخفيض الأسعار التي يحس بها المستهلك في قفته اليومية.
إنها حمى الانتخابات التشريعية لسنة 2026 التي انتشرت بالجماعات الترابية والجهات، عرت على واقع هشاشة التحالفات المحلية، والتسابق على ركوب بعض الإنجازات والتنصل من الإخفاقات التي يُفترض أن تُنسب لكافة المنتخبين المعنيين بتسيير الشأن العام وصرف المال العام، بحيث لا يمكن القبول بتسويق بعض الإنجازات ونسبها لأحزاب معينة، وممارسة المعارضة في الوقت نفسه والتنصل من مؤشرات الفشل في تنزيل وعود انتخابية معسولة.
على القطاعات الحكومية تقديم برامج حقيقية لكيفية مواجهة الغلاء في أسعار اللحوم والمواد الأساسية التي تشكل قفة المغاربة، عوض الاستغراق في شرح المعاناة ومطالبة المضاربين من فوق المنصات الانتخابية بالكف عن استغلال الأزمة ومراعاة الطبقات الفقيرة والهشة، لأن المضاربين لا أخلاق ولا عاطفة لهم من الأصل سوى ربح المال وطلب المزيد، والحكومة عليها مواجهتهم بواسطة القوانين والتفعيل الصارم لزجر الغش، ومعاقبة من يثبت تورطه في التلاعب في الدعم الذي يقدم من المال العام.
وفي ظل التحديات الكبرى، التي تواجهها المملكة الشريفة، وسيرها بخطوات ثابتة نحو دخول نادي الدول العظمى على المدى المتوسط، يجب تقدير المرحلة التي تتسم بالدقة والحساسية من قبل جميع الفاعلين السياسيين والمسؤولين والطبقات المثقفة وأصحاب المال والأعمال، والجهات العاملة في مجالات تطوعية، وذلك من خلال تقديم الصالح العام على الأجندات الضيقة والعمل بنفس المواطنة الحقة ونكران الذات، والتضحيات الجماعية التي بدونها لا يمكن البناء، أما الهدم فإن معاوله كثيرة وزمنه قصير ولا يتطلب أكثر من تعميق جراح الممارسة السياسية وارتباطها بمنطق الفساد و«الهمزة».