شوف تشوف

الرئيسية

بوشعيب البيضاوي.. انتزع ابتسامات الجماهير ثم بيعت داره في المزاد

كوميديون وهبوا حياتهم لإسعاد المغاربة فماتوا تعساء

حسن البصري
ولد بوشعيب البيضاوي عام 1929، واسمه الحقيقي بوشعيب زبير، في المدينة القديمة للدار البيضاء وتحديدا في درب الدالية، عاش الفتى منذ طفولته حالة يتم قاسية، إذ قضى طفولته وشبابه في بيت الأسرة رفقة شقيقته زهراء التي كانت بمثابة والدته وكان يكن لها عطفا خاصا.
تزامن ميلاد بوشعيب مع الأزمة الاقتصادية العالمية التي امتدت أعراضها لتضرب بلدا كان في قبضة الاستعمار الفرنسي، لكنه درس في مدرسة «الضيعة البيضاء» التي كان يدرس فيها أبناء الطبقة المتوسطة، وهي مدرسة عرفت بوجود معلمين فرنسيين أكفاء.
في عز شبابه غادر الفصل الدراسي واشتغل في مكتب محامي فرنسي بعد أن لمس فيه إجادة تامة للغة الفرنسية، لكنه سيغادر هذه الوظيفة ويكتفي بالإشراف على مصبنة في المدينة القديمة، وفيها تعرف على كثير من الفنانين أمثال لحبيب القدميري والبشير العلج وأحمد البيضاوي ومحمد البورزكي، ولمفضل الحريزي وغيرهم، حيث كانوا يترددون عليه في المصبنة.
أعجب بوشعيب البيضاوي بفن العيطة، وظل يردد أغاني رواد هذا الفن بشكل مباشر أو عبر التسجيلات، التي كانت سائدة في تلك الفترة، التي كانت تضم أغاني الشيخة «الرونو» وهي يهودية مغربية عرفت بفن العيطة، والشيخة البهلولية، ثم الحاجة الرويضة، وغيرهن من شيخات العيطة الرائدات، وحين يعود إلى البيت يعيد ترديد مقاطع من هذه الأغاني بحماس منقطع النظير.
اقترح عليه لحبيب القدميري يوما الانضمام لفرقة الكواكب للمسرح التي كان يرأسها البشير لعلج، فقبل المقترح خاصة حين طلب منه أداء أدوار نسائية، لكن حسب المسرحي عبد القادر البدوي، فإن المكتشف الحقيقي للبيضاوي هو المسرحي البشير العلج، هو من أعطى للبيضاوي تلك الشخصية النسوية، ابتداء من سنة 1950، من خلال تمثيليات قصيرة، برز فيها مغنيا شعبيا وممثلا. ومما زاد في شهرته الفنية مساهمته في البرنامج الإذاعي الأسبوعي «اضحك معي». وهو ما يؤكده السينمائي عبد الله المصباحي، بقوله «كان يعزز كل عروض فرقة البشير لعلج الفنان القدير بوشعيب البيضاوي، الذي كان يخلع شخصيته الحقيقية ويرتدي ثوب المرأة الشعبية ويبرع في تقليدها، فتحس أنك أمام امرأة مغربية أصيلة».
برع بوشعيب البيضاوي في فن المرساوي رفقة «الماريشال قيبو»، وهو من أدخل العيطة للفن المسرحي. فاقت شهرته الدار البيضاء، وأصبح حاضرا في حفلات كبار المسؤولين كما تمكن من الغناء أمام الملك الحسن الثاني الذي حضر اللقاء التأسيسي لفرقته المسرحية «الكواكب» في سنة 1956 مباشرة بعد جلاء الاحتلال الفرنسي، حيث سيؤسس البشير لعلج الفرقة بدعم من الملك محمد الخامس والتي كانت تضم إلى جانب البشير والبيضاوي كلا من القدميري ومارتيس وعمر عزيز والصويري والمفضل لحريزي. لكن المجموعة توقفت بعد وفاة البشير عام 1962، قبل أن يتسلم البيضاوي مقاليدها ويعمل على إحيائها بحفل كبير بمناسبة تأسيس مسرح محمد الخامس، بحضور الملك الحسن الثاني.
عاش البيضاوي في آخر أيامه حياة البذخ، لكنه ظل معطاء لا يتردد في الإحسان لكل من طرق بابه، خاصة قدماء العيطة الذين خذلهم الزمن، وفي آخر أيامه عاش حياة بوهيمية رهيبة جعلته يقضي شهوره الأخيرة في السهر مع أشخاص استفادوا من جاهه وعطاياه.
لم يكن فنان العيطة بوشعيب البيضاوي يعتقد أن ألما بسيطا على مستوى الظهر سيتطور إلى ورم سرطاني خبيث، جعله يقاطع الغناء ويصبح زبونا للأطباء التقليديين قبل أن ينتهي به المطاف في مستشفى ابن رشد جثة هامدة يوم الأربعاء 25 ماي 1965، وعمره لا يتجاوز 37 سنة. لم يصدق أهل الفن خبر الوفاة لأن بوشعيب ظل يخفي ألمه ويعتبرها نزلة برد عابرة، بل إنه أدى دورا في مسرحية هزلية جسد فيها دور المرأة المريضة وهو يعاني حينها من مرض حقيقي.
واستنادا إلى الروايات ذاتها فإن نقل بوشعيب إلى المستشفى كان متأخرا، إذ ظل الفنان الشعبي يرفض عرض نفسه على الطبيب، وكان يكتفي بوصفات الطب الشعبي، بل إنه اعتقد بأن الآلام التي تضرب ظهره وتمنعه من التحرك ناتجة عن «روماتزم» عابر يمكن تجاوزه بحصص في «الكي». غضب الطاقم الطبي حين علم باستفحال الداء الخبيث في العمود الفقري لفنان العيطة، وتبين أن وفاته مسألة وقت ليس إلا.
وحسب عمر عزيز السملالي الذي كتب العديد من النصوص المسرحية للفرقة، فإن البيضاوي عانى في آخر أيامه من هجومات بعض الأشخاص الذين شتموه بسبب إصراره على أداء الأدوار النسائية. لكن مباشرة بعد وفاته تم الإجهاز على رصيده الفني والعقاري، حيث أوضح محفوظ ابن شقيقته زهراء، بأن فيلا بوشعيب البيضاوي، غير مكتملة البناء، قد عرضت للبيع وكانت تمثل تحفة كان الأجدر أن يتم الحفاظ عليها، إذ شهدت العديد من الأحداث الفنية والسياسية. «أتذكر بحسرة أن اللحظة (1965) التي بيعت فيها الفيلا كنت صغيرا ولم أكن أتوفر على الإمكانيات لشرائها، فبيعت الفيلا، لأنها كانت في موقع جميل. في الحقيقة، ذلك البيت يمثل ذاكرة للأغنية الشعبية الأصيلة».
مات بوشعيب عازبا وعاشت عائلته تنتظر التفاتة لرد الاعتبار إليه دون جدوى. بل إنها اكتشفت أن كل رصيده المالي قد تبخر بفعل فاعل. وفي الوقت الذي كان فيه بوشعيب البيضاوي يحتضر، كان عبد الله البيضاوي، خليفته، يعقد قرانه، وحين بلغه خبر الرحيل بكاه بحرقة سره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى