الافتتاحية

ديبلوماسية الصم البكم

اختار حكام الجزائر الانحياز للغة الصمت وإشهار موقف التجاهل واللامبالاة، تجاه المبادرة الديبلوماسية الشجاعة التي أطلقها الملك محمد السادس، لفتح حوار مباشر وصريح وبدون شروط من أجل طي صفحة الخلافات بين الجارين، والتي عمرت لأكثر من أربعة عقود فوتت على المنطقة فرص التنمية والتعاون والتقارب بين الشعبين الشقيقين. ومع تحقيق المبادرة الملكية التي تهدف الى إصلاح ذات البين بين دولتين جارتين، للصدى الديبلوماسي الدولي والإقليمي بسبب أهدافها النبيلة وواقعيتها الديبلوماسية، اختار قادة قصر المرادية الرد بشكل ملتو في محاولة لتعويم المبادرة المغربية وإفقادها زخمها الديبلوماسي والإعلامي.
وبدل أن يرد رئيس الدولة الجزائرية على مبادرة رئيس الدولة المغربية، وفق ما يقتضيه مبدأ التناسب والأعراف الديبلوماسية اللذين يستوجبان أن تكون المبادرة والرد عليها بالوزن الدستوري والديبلوماسي نفسه، إلا أن سلطات الدولة الجارة ردت بدعوة باهتة على لسان وزارة خارجيتها لإحياء اجتماعات وزراء خارجية الاتحاد المغاربي الذي يعيش حالة من الشلل بسبب الخلافات بين الرباط والجزائر.
إن إصرار حكام الجزائر على تجاهل اليد الممدودة لملك المغرب وانحيازها لاستمرار واقع التوتر، وسيادة حالة اللاحرب واللاسلم التي تخيم على المنطقة منذ أكثر من أربعين سنة، يؤكد أن قصر المرادية لا يرغب في إيجاد حل للنزاع، وفي أحسن الأحوال لن يقبل بأي تسوية من شأنها تخفيف التوتر وإخراج المنطقة من متاهات وهمية أضرارها أكثر من مكاسبها. ولا يضير الجزائر، في سبيل إفشال مبادرة شجاعة وجدية بشهادة المنتظم الدولي، أن تختبئ خلف مبادرة فاشلة مسبقا لا تزيد الوضع سوى الكثير من التفكك والتشرذم، ما دام أنها لا تعالج أصل المشكل.
ومن خلال قراءة موقف التجاهل الذي تبنته الجزائر في مجمله، فإن الرفض لمبادرة الحوار والتفاوض يمكن تأطيره وفق اعتقاد خاطئ لقادة المرادية، مفاده أن الوقت يعمل لصالحهم وأن مبادرة ملك المغرب لفتح حوار مؤشر على ضعف الموقف الديبلوماسي المغربي. والحقيقة أن حكام الجزائر يخيفهم التقارب ويرهبهم الحوار ويفضلون بقاء التوتر الذي تنتعش فيه أطروحة الانفصال واستمرار الانقسام الذي يفرق بين شعبين يجمعهم التاريخ والدين والمصير المشترك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى