سؤال المستقبل

تظاهر عشرات الآلاف في العاصمة مدريد للمطالبة بوضع حد لاقتطاعات تطول قطاع الرعاية الصحية، وإنهاء تدابير اقتطاع وخصخصة تطول خدمات قطاع الصحة العامة المأزوم في المنطقة، وأعلنت النقابات في فرنسا الدخول في إضراب عام احتجاجا على خطة الحكومة لإصلاح نظام التقاعد من خلال رفع سنه القانوني من 62 سنة المعمول به حاليا إلى 64 سنة في 2030.

وبلا شك فإن قضايا التقاعد والحماية الاجتماعية هي أسئلة المستقبل بالنسبة لكل الدول سواء في أوربا أو غيرها من دول العالم، سواء أكانت دول قوية أم متوسطة وضعيفة.

والسؤال الذي يشغل بال جميع المغاربة حينما يتابعون ما يجري في العالم، هو كيف ستعمل الحكومة على تأمين متطلبات الحياة الكريمة بعد أن يصل الإنسان إلى مرحلة لا يقوى فيها على العمل إن لم نقل العجز؟ وكيف ستتم حماية الحقوق الاجتماعية للمواطن الذي لا يستطيع كسب قوت يومه ويعاني من الفقر والهشاشة؟

بدون شك أن هناك عملا جبارا يجري في العلن والخفاء لإعداد أنظمة التقاعد الجديدة، والتوافق على إجراءات تنزيل مشاريع الحماية الاجتماعية، لكن المغاربة في حاجة إلى الشروع في النقاش العمومي واضح وصريح، وربما إعلان الحكومة عن بعض التفاصيل التي يمكن أن تعطي الناس بعض الاطمئنان للمغاربة على تأمينهم الصحي ومعاشاتهم وكيفية الاستفادة من برامج الدعم العمومي.

وما ينبغي على السلطات العمومية وهي تصمم برامج منظومة الحماية الاجتماعية، والإجراءات الخاصة بإصلاح أنظمة التقاعد، أن تعي تماما حجم التحديات والمخاطر التي تحيط بتنظيم هذه الجوانب الحساسة،  فالسياق الذي نعيشه المطبوع بعدد من التغيرات والتقلبات التي تجعل تكاليف الحياة صعبة جدا، يفرض على الحكومة أن تختار إصلاحا هيكليا من شأنه أن يحقق مستوى كبيرا من تأمين مستقبل الناس في مرحلة ما بعد الخدمة وقبلها بالنسبة للذين لا يتوفرون على الخدمة.

إن أهمية اعتماد نظام عادل للحماية الاجتماعية والقيام بإصلاح منصف لنظام التقاعد، تكمن في أنهما المدخلان الأساسيًان لتعزيز الاستقرار الأمني والاجتماعي وحتى السياسي، وفي الوقت عينه، سيكون لذلك انعكاس إيجابي على النمو الاقتصادي والتنمية المستدامة، وتنمية الشعور الوطني بالانتماء إلى دولة يتساوى فيها الجميع في الحقوق والواجبات.