
حسن البصري
في زنقة محمد سميحة بالدار البيضاء، تجثم بناية تسمى تجاوزا «المركب الرياضي العربي بن مبارك»، كانت تحمل في السابق اسم «سطاد فيليب» الذي شهد أولى بدايات كرة القدم المغربية على مستوى مدينة الدار البيضاء.
قصة هذا الملعب ترجع لبداية عهد الحماية، حيث بني على قطعة أرضية في ملكية معمر فرنسي يدعى فيليب لاك، الذي كان مساندا لفريق اليسام المغربي فوهبه أرضا لبناء ملعب لكرة القدم وقطعة أخرى لبناء ناد عبارة عن خمارة كان يقضي فيها اللاعبون والمسيرون وأنصار الفريق الأجانب ساعات طويلة، وهم يعاقرون الخمر بحديث حول الكرة.
في سنة 2012 ظهر حفيد فيليب، ورفع دعوى قضائية بمحاكم الدار البيضاء، انتهت أطوارها بنزع ملكية الخمارة التي كان يستغلها نادي الاتحاد الرياضي للكرة الحديدية، مع منح هذا الأخير شقة حولها إلى مقر للجمعية.
صرفت جماعة سيدي بليوط ملايير الدراهم من أجل تحويل ملعب فيليب المترب إلى «معلمة رياضية»، وتبين أن الجماعة أهدرت مالا كثيرا في بناية لم تقدم أي إضافة للكرة في المنطقة، فلم يتمكن الملعب بهندسته الغريبة من استقبال الجماهير بسبب خلل هندسي فادح، ناتج عن انحدار مدرجاته، ما جعل الجمهور البيضاوي يلقبه بملعب «الموت»، ويتحول إلى مرفق يحاط بكثير من التعليقات الساخرة، بعد أن استوطن مدرجاته الحمام وأصبح الجلوس في مدرجاته يتطلب «أحزمة السلامة» وتدابير الأمان.
لم تسلم أرضية الملعب المعلمة من الإهمال فتحولت إلى ما يشبه حقل نعناع البور، أما مستودعات الملابس فتحولت إلى مرأب للجماعة «الحضرية».
حتى تعود الحياة إلى هذا الملعب وضعته الجماعة رهن إشارة الوداد الرياضي، أنشأت مدرسة لتدريب حراس المرمى ومع مرور الوقت أغلقت المدرسة أبوابها وتم تسريح اللاعبين والمؤطرين ودخل تلاميذ المدرسة عطلة طويلة المدى انتهت بوضع الشمع الأحمر على البوابة.
تحولت المرافق المهملة إلى بيوت لإيواء مجموعة من الأسر التي لا علاقة لها بإدارة الملعب، بينما المرافق التجارية الموازية تشتغل بشكل عادي وتدر على أصحابها أموالا كثيرة خاصة، فأضحت جوانب هذا الملعب حزاما للمطاعم الشعبية تنبعث منها رائحة الأسماك المقلية ويتعايش فيها الحلاق مع بائع شوارما، بينما تحصنت المقاهي في محيط الملعب أغلب زبائنها من رواد ملحقة إدارية تتحصن في الملعب ذاته.
على الرغم من تقارير المجلس الأعلى للحسابات والزيارات المتكررة لمفتشي وزارة المالية لهذا الملعب، واستنطاق المهندسين والآمرين بالصرف، إلا أن دار لقمان ظلت على حالها، وكأن مرتكبي هذه الفظاعة العمرانية محصنون ضد سؤال إهدار المال العام.
في شهر أبريل 2014 زار جيست فونتين، اللاعب الفرنسي السابق من أصل مغربي وصاحب الرقم القياسي للتهديف في بطولة واحدة لكأس العالم (13 هدفا عام 1958)، هذا الملعب وكان برفقة فريق تلفزيون فرنسي قدم إلى الدار البيضاء لإنجاز فيلم وثائقي حول حياته.
ذرف فونتين دموعا غزيرة وهو يقف في ملعب العربي بن مبارك، الذي كان يحمل سابقا اسم «سطاد فيليب» متأملا التحولات التي عرفها المكان، مسافرا في رحلة استحضر من خلالها اللحظات القوية التي عاشها في هذا الملعب والأهداف التي سجلها.
استاء النجم الفرنسي لوضعية الملعب ولإطلاق اسم العربي بن مبارك على منشأة يلفها الإهمال، وقال: «عيب أن نعذب العربي في قبره إن هذا الهرم الكروي حمل شارة عمادة المنتخب الفرنسي، ولو كان التلفزيون حاضرا في زمنه لتحدث عنه الناس بالإعجاب نفسه الذي يحيطون به ميسي ورونالدو».
قبل أسبوع زار محمد مهيدية، والي جهة الدار البيضاء، ملعب «فيليب» استقبلته رائحة «لفريت» والسردين، وتبين له أن الملعب بريء من هذا الاسم، وأن الحزام التجاري ينتحل صفة ملعب.





