شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

سفاح امزاب

 

 

حسن البصري

 

لكل مدينة سفاح يبعث الرعب فيها ويعبث بهدوئها، فالسفاحون لهم قدرة خارقة على التحول من كائنات نكرة إلى مشاهير تسير بذكرهم الركبان.

لكل مدينة فيلق من المعتوهين يسمح لهم بانتهاك القوانين واختراق الضوابط وزرع الرعب، كلما سادت السكينة.

فجأة أصبح لمدينة ابن أحمد سفاحها، فتحولت عاصمة امزاب إلى قبلة للمحققين وصناع محتويات الإثارة والفضوليين.

أمام بشاعة الجريمة التي خلفت صدمة كبيرة لدى الرأي العام المحلي والوطني، تحول أبناء المدينة إلى رواة يحكون لحملة الميكروفونات وقائع جريمة كشهود عيان.

بين صديق للجاني وجار للضحية وفاعل جمعوي وفاعل خير وناسك متعبد يتردد على المسجد الذي كان الجاني يشرف على مراحيضه، تضيع الحقيقة.

قيل، والعهدة على ضيوف ميكروفونات الإثارة، إن الجاني أقام معسكرا تدريبيا في مجازر المدينة، قبل الشروع في جرائمه، وقيل إنه مصنف ضمن فتوات امزاب، ونسجت حول شخصيته أساطير قد تغري كتاب سيناريوهات أفلام الرعب.

لكن جريمة ابن أحمد تستحق أن تتوقف عندها وزارة الصحة، وأن تتوقف مرافق الصحة الذهنية عن معالجة مرضاها بقرص مهدئ أو وخزة إبرة.

جريمة ابن أحمد تسائل السلطات التي تتعامل مع جحافل الحمقى بمنطق الترحيل، فلطالما استيقظ سكان المدن الصغرى على خبر حافلة تتوقف والناس نيام لتتخلص بما في جوفها من رجال ونساء اختلت عقارب أدمغتهم.

مقاربة التهجير تكشف عجز منظومة الرعاية والحماية والتطبيب لهذه الفئة، التي أصبحت تشكل خطرا حقيقيا على السكان وعلى جهود التنمية.

ولا يخلو السجل التاريخي للمجانين من الخطورة وأحيانا من الطرافة التي تشبه النبوءة. ففي مطلع الستينيات قام مجنون طليق بطعن الجزار عبد السلام بن صالح الحبشي، داخل متجره بقيسارية برشيد.

وفي الدار البيضاء، كان المتسكع بوغابة يقضي إجازته السنوية في المركز الاجتماعي العنق، وحين يغادره يعود إلى حماقاته اليومية وعنفه اليومي، وباسم الحمق يعفى من المساءلة وتسجل الشكاية ضد معتوه.

في قضية سفاح ابن أحمد، التابعة ترابيا لعمالة إقليم سطات، سقطت لازمة «سطات يسطي برشيد يداوي»، لأن برشيد كان يعالج السفاح بأقراص لا تداوي انفلاته الرهيب.

ابن أحمد التي ارتبطت اليوم بسفاح، وارتبطت بالأمس بمرداس، أعطت للمملكة كبار رجالات الدولة من وزراء وكتاب وشعراء ورجال قانون ونقابيين وفنانين وصحافيين ولاعبين دوليين ورجال أعمال ووعاظ..

فريق المدينة اتحاد بن أحمد ضارب في عمق التاريخ، فقد تأسس سنة 1944 وواجه الرجاء في مباراة السد، ثم رمت به الأقدار إلى قسم المظاليم، قبل أن يستعيد عافيته.

كان أبناء المدينة يتحدثون عن فريقهم وحظوظه، قبل أن يأتي السفاح ليغير بوصلة النقاش في المقاهي ومجموعات «واتساب».

لو قدر لفنان المدينة ولد قدور أن يعيش واقعة السفاح الملتحي، لحرض وحيه الفني والتمس من كل الأولياء الصالحين الذين تغنى ببركاتهم، تطهير المدينة من الكائنات التي تعبث بسكونها، لو كان على قيد الحياة لوزع ما تبقى من معتوهي المحطة الطرقية على «السادات».

تمنى صاحب رائعة «العلوة» أن يستجيب القدر لابتهالاته الوترية، لكنه مات وفي قلبه ألم مدينة أنهكت جسدها إبر التنمية البشرية.

انتبه ولد قدور مبكرا إلى علاقة المرضى النفسانيين بالأولياء الصالحين، فكان يسافر بالمستمع من خلال قصيدة «العلوة» ويسبح به في عالم آخر وهو يذكر الصالحين و«السادات»، ويعيد إلى الأذهان خصوصياتهم وكراماتهم بأسلوب يجعلك في حضن ضريح.

حين قررت السلطات الحكومية تمشيط «بويا عمر» من جاليته التي يسكنها المرض الذهني بكل أنواعه، تفاعل مع «تشتيت» منابع الحمق واستنكر مقاربة التهجير العنيف، وهو يردد لازمته: «القنب والملح ردو الباطل صح».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى