شوف تشوف

شوف تشوف

عبد الإله القادوس

هذه الأيام ينافس بنكيران علال القادوس في الافتخار بمنجزاته، فإذا كان الأول لا يمل من استعادة ملحمة إنقاذه للرباط من الغرق، فإن الثاني لا يكف عن ترديد ملحمة إنقاذه للمغرب من فوضى الربيع العربي، وإنقاذ البلاد من الإفلاس بحذفه لصندوق الدعم الذي قال الخلفي إنه صنبور لا يعرفون من كان يمتص منه، حتى وهم قد وضعوا على رأسه مناضلة في حزبهم فإنهم يستمرون في استبلاد المغاربة بادعاء عدم معرفتهم من كان يسرق أموال الدعم العمومي. «إلى نتوما اللي فالحكم ما عرفتوش شكون كان كايمص فالبزبوز، بغيتونا نعرفو حنا» ؟
ولعل أول سؤال يجب أن يجيب عنه عبد الإله القادوس رئيس الحكومة ووزراؤه المشاركون في الحملة الانتخابية هو التالي :
هل ما يقومون به من دعاية لمرشحيهم يقومون به داخل أوقات العمل أم أنهم أخذوا عطلة ؟
إذا كان السادة الوزراء المشاركون في الحملة لفائدة مرشحي أحزابهم قد أخذوا عطلة رسمية لكي يخصصوها للدعاية الحزبية فهنا يمكن أن نتحدث فقط عن إشكال أخلاقي تطرحه هذه المشاركة، أما إذا كان السادة الوزراء يقومون بالدعاية الانتخابية لمرشحي أحزابهم داخل أوقات العمل الحكومية فهذه فضيحة قانونية تستوجب تقديمهم لاستقالتهم فورا.
فالمغاربة لا يدفعون رواتب الوزراء من ضرائبهم لكي يترك هؤلاء تسيير الشأن العام ويستغلوا وقت العمل في الدعاية الانتخابية لمرشحي أحزابهم.
وحتى إذا كانوا قد أخذوا عطلة رسمية للتفرغ للدعاية الانتخابية فإن ما يقومون به يدخل في إطار استغلال المنصب الحكومي وإمكانيات القطاع الذي يسيرونه في شأن حزبي، ويدخل أيضا في إطار المنافسة غير الشريفة، فليس كل المرشحين لديهم وزراء في أحزابهم ينزلون معهم إلى الساحات ويدقون أبواب المواطنين.
ولذلك فالمكان الطبيعي للوزير في هذه الحملة الانتخابية هو ديوان وزارته إذا لم يكن في عطلة.
ونحن ضد ما وقع لرئيس الحكومة في تازة عندما هتفت به الجماهير مطالبة إياه بالرحيل، أو في تطوان عندما تعرض موكبه لهجوم من محتشدين في مهرجان خطابي، لكن رئيس الحكومة هو من وضع نفسه في هذا الموقف، ولم يضع نفسه فقط بل وضع منصب رئيس الحكومة في حرج عندما صرنا نسمع من يطالب برحيله، وصرنا نسمع رئيس الحكومة يقول إنه يشعر بأنه مهدد في حياته.
هل هذا خطاب رئيس حكومة يريد أن يجلب السياح والمستثمرين إلى البلد ؟
كيف سيأتون وهم يسمعون رئيس الحكومة يتحدث عن تهديده في حياته واستعداده للموت في سبيل الله ؟
إن ما قاله الخلفي من أن الأعمال الإرهابية التي شهدتها بعض دول المنطقة مؤخرا كانت لها تأثيرات محدودة على السياحة بالمغرب صحيح بالفعل، فأخطر ما يهدد السياحة هو التصريحات المنفعلة لرئيس الحكومة التي يعطي فيها الانطباع بأن حياته مهددة وأن هناك من يتربص به لكي يصفيه جسديا.
كما أن وزير الاتصال مصطفى الخلفي عليه أن يعلم أن المقال الذي أوحى به إلى صحافي مجلة «الفورين بوليسي»، والذي خير فيه النظام إما بتسليم سلطات الملك إلى بنكيران وإما انتظار وصول جيش البغدادي إلى الرباط، كان له تأثير كارثي على السياحة أكثر من أية عملية إرهابية.
فمعالي الوزير أوحى للصحافي الأمريكي في ذلك المقال بتهديدات مبطنة للنظام صورت المغرب كبلد على شفا الفوضى والانفجار.
وبالعودة إلى حملة الوزراء ورئيسهم في الحكومة، فلا يسعنا سوى أن نستنكر الهجومات اللفظية على بعضهم، وخصوصا رئيسهم، لأنه من مظاهر التخلف التهجم على الخصوم السياسيين وعدم تركهم يخوضون حملتهم أو منعهم من ولوج أحياء يسود فيها خصومهم.
ولو أن بعضهم في الحقيقة «دارو الضحك فروسهم»، مثل مزوار وزير الخارجية الذي خرج يأكل الهندية في الشارع عند «مول الكرويلة»، أو شرفات أفيلال وزيرة «الما والزغاريت»، التي خرجت تشرب الشاي في الشارع، أو الوردي وزير «قلة الصحة» الذي ترك مستشفياته غارقة في الأزبال وركب البشكليطة مع مرشحي حزبه، أو بنعبد الله وزير الإسكان الذي خرج «يتمنظر» في أم متشردة بدون سقف تفترش رصيف الشارع.
لكن الوجه الآخر للتخلف هو أن نسمع رئيس الحكومة في ساحة مسرح الهواء الطلق، حيث استعملت وسائل البلدية لنصب المنصة، يقول إنه أول رئيس حكومة يضحك المغاربة، «دابا واش الناس صوتو عليك باش ضحكهم» ؟
الناس صوتوا عليك لكي تدخل من كان يضحك عليهم السجن وترد إلى خزينة الدولة ما سرقوه، أما إذا أرادوا أن يضحكوا فأمامهم أفلام عادل إمام وبرامج الكاميرا الخفية في الفضائيات.
إن أكبر ضحكة يضحكها بنكيران على الشعب هي لعبه دور الضحية والجلاد في هذه الانتخابات، فهو يفتخر بكونه الرئيس المشرف على الحملة قانونيا، ومن جهة أخرى نسمعه يشكو من استعمال المال والفساد في هذه الانتخابات.
إذن فهو خصم وحكم في الوقت نفسه، فكيف إذن سيتصرف لو أنه وقع ضحية تجاوز أو اعتداء أو تزوير أو فساد ؟
هل سيتصرف كرئيس ومشرف على الانتخابات أم كضحية مطالب بالحق ؟
هل سيقتص لنفسه بنفسه ؟
لذلك فإن الوضع الطبيعي كان هو أن ينأى بنكيران بنفسه عن الزج بمنصب رئيس الحكومة في هذه المتاهات الصبيانية التي نزلت به إلى درك جعله يدخل مع عباد الله في تازة في «شد ليا نقطع ليك»، وكان هناك من نعته بالبياع، وهو مستوى لا يليق برئيس حكومة يقود بلادا ويجالس رؤساء الدول ويمثل الملك في أكثر من مناسبة.
وإذا كان بنكيران قد ألف التصفيق داخل مقرات حزبه وأمام شبيبته في القاعات المحجوزة فإن ما وقع له في تازة وتطوان وآسفي التي اتهموا فيها رئيس الحكومة بالشفار، وقبلها في أماكن أخرى كشارع محمد الخامس، لولا الشرطة التي أنقذته، يعيده إلى الواقع قليلا.
فالشعبية الحقيقية لا تقاس أمام مناضلي الحزب في القاعات المغلقة وإنما في الساحات والشوارع والأسواق، وكلما جرب بنكيران ووزراء حزبه المغامرة بالنزول إلى أحد هذه الأماكن إلا وسمعوا ما لا يرضيهم، ومنهم من يغادر من الأبواب الخلفية خوفا على نفسه.
وفي الدول الديمقراطية التي يحترم سياسيوها شعوبهم بمجرد ما يستوزر الأمين العام للحزب يترك مقعد الأمانة العامة لغيره.
أما عندنا نحن فالأمين العام للحزب هو الوزير وهو مدير جريدة الحزب وهو المالك لأصل الحزب وعقاراته التي يسجلها في اسمه ويورثها لأبنائه من بعده.
ولو أن رئيس الحكومة اكتفى في تجمعاته الخطابية بالدعاية لمرشحي حزبه لهان الأمر، المشكلة أنه يلقي باتهامات ثقيلة من فوق تلك المنصات ويمضي نحو المنصة الموالية كما لو أن لا شيء وقع.
وأخطر ما قاله هو أن هناك زعماء أحزاب يملكون 200 مليار من بيع التزكيات والاستحواذ على الأراضي الفلاحية وإدخالها المدار الحضري وتقسيمها إلى تجزئات سكنية وبيعها للمواطنين، ولذلك فعلى المواطنين معاقبتهم بعدم منحهم أصواتهم.
«ياك أسي، نتا هاد الشي كامل فراسك وما درتي والو» ؟
طيب، المواطنون سيعاقبون هؤلاء بعدم التصويت لهم، لكن أنت ماذا فعلت عندما اكتشفت أن هناك زعماء أحزاب ارتكبوا جريمة الغدر وراكموا من ورائها كل تلك المليارات ؟
هل أمرت وزيرك في العدل بتحريك المتابعة عبر النيابة العامة في حق هؤلاء المجرمين ؟
لأنه إذا لم تفعل فأنت تدخل في حكم المتستر على جريمة، وبالتالي فأنت متهم معهم بالمشاركة بصمتك المتواطئ.
ونحن صراحة لا نفهم لماذا يبلغنا رئيس الحكومة بكل هذه الجرائم، فنحن لسنا وزارة الداخلية أو العدل، وفي حدود علمنا فوزير الاتصال لم يمنح الصحافيين في مشروع مدونة الصحافة الصفة الضبطية لكي يبلغنا رئيس الحكومة بهذه الجرائم وينتظر منا كتابة ذلك ثم اعتقال المشتبه فيهم واقتيادهم للتحقيق.
أما الداخلية فكل ما قدرها الله عليه وهي تسمع رئيس الحكومة يتهم يمنة ويسرة هو إصدارها لبلاغ تخبر فيه عموم المواطنين أنها انتزعت الهواتف وسيارات الدولة من رؤساء الجماعات، و«راه كان خصها ديرها النهار الأول ملي سحبات منهم التوقيع، حيت هادي هيا خدمتها».
أما في تاوريرت فقد أزالت الداخلية البنادق من المرشحين حتى لا يستعملوها ضد بعضهم البعض.
وعلى كل حال فرئيس الحكومة لم يكشف للرأي العام عن كونه تستر على جريمة يعلم بحدوثها، ولم يتخذ الإجراءات التي بين يديه لإعمال القانون، بل إنه كشف أيضا عن أن السبب الحقيقي لإعفاء الوزيرين سوسو وشوشو ليس هو قصة الحب التي وقعا فيها، وحسبه فإذا وزير أحب وزيرة وتزوجا فبصحتهم، الحب ليس حراما.
طبعا ليس حراما، خصوصا إذا وجد السيد الشوباني زوجة مثل سمية بنخلدون استطاعت خلال سنتين من الاستوزار اقتناء ميلتيبليكس بالهرهورة بمبلغ 153 مليونا المليون ينطح المليون.
ما هو حرام بالمقابل يا رئيس الحكومة هو الكذب. وإذا لم تكن قصة الحب هي التي أسقطت الوزيرين فما السبب الذي جعلك تقتنع بضرورة استبدالهما بغيرهما ؟
هل ارتكبا خيانة ضد الوطن ؟
هل اقترفا جريمة لا تغتفر ؟
نريد أن نعرف السبب الحقيقي، طالما أنك تقول إنه ليس الحب.
«الله يعطيكم الحب فهادوك الفام باش تسدوهم شوية».
الحب بفتح الحاء طبعا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى