شوف تشوف

شوف تشوف

عطيني نعطيك (2/1)

باعتقال ومتابعة الأستاذ الجامعي المتهم بالتحرش بطالباته، ستبدأ حلقات مسلسل طويل من «الفريش» وتقديم الشكايات ضد أساتذة جامعيين يحترفون هذه البلية، ولقد تفاعل كثيرون مع ما جاء في هذا العمود الأسبوع الماضي حول قضية بيع النقط بالجنس بكلية العلوم بتطوان، وهناك من أرسل معطيات تهم جامعات وكليات أخرى غير الكلية المعنية.
واليوم الثلاثاء 9 ماي 2017 ستمثل صباحا أمام المحكمة الابتدائية بالرباط فاطمة رومات، الأستاذة بكلية الحقوق بالرباط، بتهمة إفشاء السر المهني والتشهير وتأليب الهيئات النسائية بعدما تقدم بالشكاية أحد المعنيين بموضوع التلاعب بالنقط بكلية الحقوق أكدال، والذي فضحته الأستاذة رومات وطالبت بفتح تحقيقات معه حول هذه الفضيحة، خصوصا وأن مجلس الكلية عندما كان يبحث في قضية تزوير النقط واستمع للمتورطين في التزوير وللطالب الذي حصل على 14 مكان صفر، وأراد الاستماع إلى الطالبة التي غير لها رئيس الشعبة النقطة من 0 إلى 13، رفض هذا الأخير السماح للطالبة بالدخول رغم أنه تم استدعاؤها للاستماع إليها وحضرت بالفعل، وعندما أصر العميد وأعضاء المجلس على دخول الطالبة أغمي على رئيس الشعبة أو بالأحرى افتعل الإغماء وتم فض الاجتماع دون الاستماع إلى الطالبة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو ما الذي كان يخشاه رئيس الشعبة في حالة إدلاء الطالبة بشهادتها؟ ولماذا أصلا غير لها الأستاذ رئيس الشعبة النقطة من 0 إلى 13؟
ألم يكن هناك مقابل لهذا التزوير؟ وإذا كان فما هي طبيعته؟
لكن عوض أن يتابع الأستاذ المتهم بتزوير النقط، والذي لديه سابقة في التحرش موثقة بمحضر يعترف ويعتذر فيه، ها هي الأستاذة التي «فرشت» الموضوع هي من تتابع بالتشهير وإفشاء السر المهني، وكأن تزوير النقط أصبح من أسرار المهنة.
من الأكيد أن أغلب جامعاتنا أصبحت للأسف بمثابة سوق نخاسة بالنسبة لبعض الأساتذة المرضى، أحدهم بالرباط لا يخجل من طلب رقم هاتف الطالبة أثناء الامتحان الشفوي وأمام زملائها، حتى أصبحت الطالبات يحضرن رقما خاطئا لإعطائه للأستاذ قبل الدخول إلى الامتحان الشفوي، أما رئيس الشعبة فيعتبر نفسه هارون الرشيد يعتبر الطالبات داخلات ضمن و«ما ملكت أيمانكم»، وهناك حكايات كثيرة تروى عنه.
ودون أن نذهب بعيدا فلعلكم تتذكرون قصة الماستر المنقول حرفيا الذي بيع القرص المدمج الذي يتضمنه بـ 300 درهم، رئيس الشعبة كان عضوا في لجنة المناقشة والأستاذ المشرف هو نفسه المسؤول عن ماستر حقوق الإنسان الشهير بخروقاته. من يتحدث الآن عن حالة البحث المنقول واللجنة العلمية الموقرة التي لم تكتشف أن البحث سرقة أدبية 100 بالمائة.
ويبقى ما نشر هنا مجرد مشاهد مقتضبة لعشرات الحالات التي نتوصل بها من طلبة وآباء، ولا يتعلق الأمر هنا بمؤسسات التعليم العالي فقط، بل وبالثانويات ومؤسسات التكوين المهني أيضا، والقاسم المشترك بين أغلب الحالات التي نتوصل بها، تهم التحرش الجنسي الصريح والضمني، وأيضا الابتزاز والضغط.
ولا يتوقف الأمر هنا على الجنس، بل ويشمل أيضا التجارة بالمعرفة وعدم الشفافية في مباريات المناصب، لكن هل هذا يعني أننا نستهدف فئة الأساتذة الجامعيين عندما ننبه إلى خطورة ما يجري في تعليمنا العالي، أو نسعى إلى نصب أعواد المشانق لجميع الأساتذة الجامعيين، ونتهمهم جميعا بالتهم سابقة الذكر، وفي المقابل نعتبر الطالبات والطلبة والآباء ملائكة وضحايا بريئين من الحضيض الذي وصلت إليه جامعاتنا؟
طبعا هذا غير مقبول، ولا يمكننا أن نقوم به، لأنه فعلا المشكلة مزدوجة، والقضاء وحده يملك الكلمة الفيصل في هذه القضية وغيرها.
لكن ما يمكن أن نناقشه كرأي عام، هو الظاهرة وليس الأشخاص، فالظاهرة هنا هي أن الجنس أصبح معيارا من معايير النجاح، سواء كان ذلك من طرف الأستاذ أو من طرف الطالبات، فمهما كان الطرف المدان في قضايا التحرش الجنسي الذي تعرفه الجامعات والثانويات، فإن المشكلة هي فقدان النقط التي تمنح، خاصة في الجامعات، للمصداقية.
والسؤال الذي نطرحه هنا هو ما الذي يجعل من طالبة تتجرأ على طلب 19/ 20 من أستاذها إذا لم تتأكد بأن النقط في الجامعة تحديدا هي مسألة مزاج وهوى، والدليل على ذلك هو أن الأستاذ وحده من يملك اختيار صيغة الامتحان، إذ يمكن برمجة شفوي أو كتابي، كما يمكنه الاكتفاء فقط بعروض تنجز في المنزل، ولا أحد في الإدارة يمكنه إجباره على صيغة معينة للامتحانات، ويمكنه بالتالي ضبط عملية منح النقط والتحقق من موضوعيتها ومصداقيتها، وخاصة في سلك الماستر، حيث دفاتر التحملات مطاطية جدا، ولا يوجد نموذج واحد وموحد، ينظم عملية تنظيم الامتحانات بها.
إن أغلب المتفاعلين مع قضية أستاذ كلية تطوان، لم يخرجوا من دائرة «الصياد والغابة»، لأن كلا الطرفين يتصورون صيادا وطريدة، فالمدافعون عن الأستاذ يتهمون الطالبات بـ«استدراجه» عبر الدردشات الخاصة والحميمية وصور أجسادهن العارية، في مقابل المدافعين عن الطالبات والذين يتهمونه هم أيضا بتهمة «استدراجهن» إلى مكتبه وشقته عبر النقطة، والأمر لا يخرج في استعمال الطرفين لهذه الكلمة من أساليب «الصياد والطريدة»، فالمدافعون عن الأستاذ يتصورونه طريدة نصبت له بعض الطالبات فخاخا جنسية، عبر الدردشات الخاصة في الفايسبوك والواتساب، فسقط فيها، بينما لسان حال المدافعين عن الطالبات يصورهن أيضا كطرائد في مواجهة صياد يستعمل أسلحة محظورة، «صياد» أخطأ زمان الصيد ومكانه.
لكن كلا الطرفين ينسى في غمرة كل هذا، أن الأمر يتعلق هنا بشيئين مختلفين، فتحرش الطالبات بالأستاذ وتحرش الأستاذ بالطالبات شيء، واستعمال الشخص لموقعه وسلطته للابتزاز، سواء من أجل المال أو الجنس، شيء آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى