قم بتنزيل تطبيق الأخبار بريس: App Store Google Play

شوف تشوف

الافتتاحيةالرئيسيةسياسية

غياب المحاسبة

مع التفاعل الإيجابي والبداية الموفقة في تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، بشأن اختلالات قطاع الصحة العمومية وتقديم المتورطين إلى القضاء، يبرز التعطش الكبير للمواطنين لتفعيل المحاسبة في جميع القطاعات، خاصة الحساسة منها مثل الصحة والتعليم والقضاء، إذ رغم التنصيص الدستوري الصريح على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، إلا أن التعثر في التنزيل العملي لهذا المبدأ يساهم في خلق تراكمات كارثية وتأجيج الغضب الاجتماعي، ويؤدي إلى الشعور بالإفلات من العقاب.

لقد ساهم الاستمرار في التعطيل الجزئي لمبدأ دستور 2011، الذي نصّ بوضوح على تفعيل ربط المسؤولية بالمحاسبة، في فقدان الثقة في المؤسسات ولاجدوى الشكايات الكتابية والشفوية والتقارير الرسمية والحقوقية، حتى ظن البعض أن الفساد أصبح أمرا واقعا يفرض نفسه، ولا حلول في الأفق سوى الانصياع والقبول به والتطبيع معه كمستجد في الحياة العامة.

ومن حق المواطن أن يتساءل عن الصرامة في محاربة الفساد، وهو يرى بأم عينيه كيف أن العديد من المسؤولين يُغادرون مناصبهم بقرارات إعفاء، دون مساءلتهم أو تقييم موضوعي لأدائهم، فضلا عن فضائح اختلالات صفقات عمومية وتحول التحقيق إلى متاهات قانونية تستمر لسنوات طويلة حتى وفاة المعنيين أو التقادم أو ظهور متغيرات أخرى ومستجدات تؤثر على السير العادي للملفات.

وحتى لا نبخس المؤسسات الرسمية حقها، أو نسقط في فخ العدمية، لا بد من الإشارة إلى نماذج إيجابية في المحاسبة، ولكنها للأسف استثنائية تتعلق بمهام جلها تقنية، في حين نحن في حاجة ماسة لتفعيل المحاسبة في تدبير الشأن العام والمناصب السياسية، والوظيفة العمومية وتقييم مردوديتها ومدى احترام القانون.

إن ما وقع مؤخرًا في قطاع الصحة العمومية بأكادير من توقيف مسؤولين وإحالتهم على القضاء، بسبب اختلالات جسيمة وحالات وفيات في ظروف غامضة، يمثل خطوة جد إيجابية تؤكد أن المحاسبة ممكنة، ولها قواعد قانونية تؤطرها بشكل واضح، والدولة تضمن شروط المحاكمة العادلة، وكل متهم بريء حتى تثبت إدانته طبقا للقوانين الجاري بها العمل.

ومثل هذه الإجراءات الصارمة في تفعيل المحاسبة بعد ترتيب المسؤوليات بدقة، لا شك ترفع من منسوب الأمل لدى المحتجين في مستقبل أفضل وتدارك التراخي والارتباك في محاربة الفساد، وسط مطالب بالاستمرارية والنجاعة في التفاعل مع الشكايات والاحتجاجات، وإماطة اللثام عن عشرات الملفات والحسم فيها.

إن تراكم ملفات قضائية في جرائم الفساد دون حسم،  يُضعف الثقة في المؤسسات، خاصة وقضايا الاختلالات في الصفقات العمومية بالصحة والتعليم وغيرهما التي تم التحقيق فيها طويلا، لكنها بقيت دون نتائج واضحة للرأي العام، لتعقيدات المحاكمة وطول المساطر القانونية المصاحبة.

ومن المعلوم أن غياب الوضوح والحسم في ملفات الفساد وهدر المال العام وإهمال المسؤولية يرسخ ثقافة الإفلات من العقاب، ويغذي مشاعر الظلم وفقدان الثقة في جدوى المؤسسات، وهو الشيء الذي أثارت الانتباه إليه العديد من الخطب الملكية السامية وطالبت بمعالجته وفق الضوابط القانونية.

إن غياب المحاسبة ليس مجرد خلل إداري عابر يُنسى مع الوقت كأنه لم يكُن، بل هو خطر حقيقي يهدد تماسك المجتمع وثقة المواطن في الدولة. وربط المسؤولية بالمحاسبة في هذه المرحلة بالذات لم يعد ترفًا مؤسساتيًا، بل ضرورة استعجالية لحماية الديمقراطية الناشئة، واحتواء الغضب الاجتماعي، وترسيخ دولة القانون.

قم بتنزيل تطبيق الأخبار بريس: App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى