كان الأسرى المغاربة يتوصلون يوميا بنسخ من جريدة «المجاهد» الجزائرية التي تمارس الدعاية الرخيصة
مانسيناكش علي عثمان (طيار مغربي أسير سابق للبوليساريو):
18 فبراير، 2024
حسن البصري
هل كان سجن البليدة امتدادا لسجن البوليساريو؟
من خلال اختلاس نظرة يتضح أنه لا وجود للبوليساريو بدون الجزائر، كنت أنظر من خلال منفذ في زنزانتي لما يجري في الممر، فشاهدت قدم شخص يقدم شبه وجبة دون أن أتمكن من التعرف على محياه، سألته: «هل أنت مسجون؟». رد علي بأنه جزائري فتعجبت كيف لجزائري أن يعتقل معنا، ومن خلال علاقتي به سيكشف لي عن وجود القبطان الزكاي الذي أعرف أن جسده تعرض لإصابات وضرب مبرح وآثار رصاص. في ذاك السجن قضيت سنة كاملة. كان يعيش وضعا صحيا صعبا. شاهدته في تيندوف وأعطاني مشكورا مجلة قديمة ساعدتني على تجاوز محنة السجن الذي يحتاج فيه السجين لأي شيء يشغل به الفراغ حتى ولو كان تافها.
سجن بوغار، الذي قضى فيه الضباط المغاربة الأسرى فترة أسر قاسية، كان يستخدم من طرف الفرنسيين لتعذيب المجاهدين الجزائريين، ومن المفارقات الغريبة أن يعذبكم الجزائريون بالأساليب نفسها التي عذبوا بها من طرف مستعمرهم..
اسمه السابق سجن «كان موران» وهو أحد الجنرالات، ويعد من أشد المعتقلات قسوة على السجناء، خاصة في حرب الجزائر. كان هذا المعتقل، أثناء الحرب العالمية، مخصصا لأسرى الحرب الإيطاليين واستعمله جيش الاستعمار الفرنسي، في ما بعد، للسجناء الجزائريين وغير الجزائريين. احتضن جنود جيش تحرير الجزائر وكان من بينهم مغاربة، وكان معظمهم من الجرحى والمعطوبين. وحسب الكتابات التي تناولت هذا المعتقل، فإن الحياة فيه كانت سيئة للغاية والمعاملة دنيئة، فيما كان التعذيب بوحشية. شاءت الأقدار أن يعاملنا الجزائريون المعاملة نفسها وبالوحشية ذاتها، لكننا تحلينا بروح التضامن، كنا نساعد المرضى ونسدي لبعضنا البعض النصح. حاولنا، نحن الضباط أن ننشغل بتعليم جنودنا وتحولنا إلى مدرسين متطوعين.
هل كان معكم معتقلون من جنسيات أخرى؟
كان معنا أسرى من جيش موريتانيا، تقاسموا معنا مرارة السجن والتعذيب، منهم من قضوا فترة في سجن الرابوني قبل نقلهم إلى سجون الجزائر، عددهم قرابة 500 سجين، فئة كبيرة منهم سقطوا في الأسر خلال معركة الزويرات سنة 1977، غير أنه، بعد أن عادت العلاقات بين الجزائر وموريتانيا، تم إطلاق سراح غالبيتهم، إلا أن التكتم ظل يسيطر على الملف. جبهة البوليساريو ارتكبت عدة مجازر وقامت بانتهاكات ليس فقط في حق الجنود والضباط الموريتانيين بل في حق مواطنين موريتانيين أبرياء.
لماذا كان الجزائريون يرحلونكم من سجن لآخر؟
تم ترحيلنا إلى سجن بوفاريك وهو سجن فرنسي، لا أعلم سبب الانتقال من سجن لآخر، لكن ما أعرفه أنه في كل سجن كان ثمة عذاب جديد واستنطاق جديد. كنا سبعة أسرى في زنزانة واحدة يوجد فيها مرحاض حولنا وهو ثامننا، هناك قضيت ستة أشهر، ثم أعادونا إلى سجن بوغار الذي كان يضم الموريتانيين كما أشرت في السابق. لكن لم يتوقف الترحيل هنا، فقد تمت إحالتنا على سجن آخر في جلفة ليبدأ مسلسل جديد من التحقيق المقرون بالتعذيب.
ما الفرق بين جلفة وباقي السجون؟
كنا نسمع عن صخب سجن الجلفة، وهي منطقة بعيدة عن الجزائر العاصمة بحوالي 300 كيلومتر، قالوا لنا إن العديد من السجناء ماتوا هناك بسبب الأمراض والتعذيب. قضينا عامين بين سجون الجزائر، وفي كل يوم يسلمون جريدة «المجاهد» للضباط تتضمن أباطيل وادعاءات زائفة، حتى نأخذ صورة بشعة عن وطننا، لكننا كنا نفهم سياستهم الدعائية، وغالبا ما كنا نصرف النظر عن جريدتهم الرسمية ولا نعير مضامينها أي اهتمام.
حين مات بومدين، هل اعتقدتم أن الوضع سيتغير نحو الانفراج؟
بعد وفاة بومدين تم تعيين الشاذلي بن جديد، وهو نسخة من سابقه. تابعنا وفاة رئيس الجزائر كسجناء لا رأي لنا في ما حصل والتغيير لم يكن تغييرا لأسلوب الحكم بل تغييرا من شخص لآخر.
كيف كان الإعلام الجزائري ينقل لكم ما يحصل في المغرب من أحداث؟
طبعا بإعلام يحاول إعطاء صورة سوداء عن المغرب، مثلا حين هاجمت فلول عسكرية من البوليساريو مدينة طانطان سنة 1979، في هذا الهجوم الغادر تم اختطاف مئات المواطنين، في ذلك اليوم عبر الجزائريون عن سعادتهم بهذه العملية التي خلفت ضحايا كثرا، بل إن الإعلام الجزائري تحدث عن احتلال مدينة طانطان رغم أنهم قاموا بعملية امتدت ساعتين، علما أن العديد من الأسرى سقطوا ضحية هذا العمل الذي تعددت تفسيراته.