
كشفت فضيحة بيع الشهادات الجامعية عن فساد مهيكل، يعشش بالجامعات المغربية، ويتطلب الصرامة في معالجته من قبل جميع المسؤولين، خارج منطق الحملات والبكاء واللطم على حال التعليم والعودة بعدها للسبات العميق أو المبالغة في التخويف من التداعيات التي يمكن أن تمس السمعة، وكأن إنتاج كفاءات مزورة لا يعني العبث في أبهى تجلياته، وإجهاض حلم المغاربة في المسؤول المناسب في المكان المناسب، والقطع مع تكريس الفشل في التسيير والتطبيع معه وكأنه قدر محتوم.
لاشك أن لبيع الشهادات الجامعية، علاقة مباشرة بتسلل الكفاءات المزورة إلى مناصب عليا بمؤسسات حساسة داخل أجهزة الدولة، وذلك لأن من يشتري الشهادة الجامعية لغاية المنصب يكون همه هو المال أولا وأخيرا، ويفتقد لأبسط مقومات التكوين والكفاءة، باعتبارهما من أسس النجاح في تحمل المسؤولية والإبداع في إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل والجدية في العمل.
إن فيروس الغش وشراء الشهادات الجامعية، يستحيل معه تحقيق أهداف التنمية المنشودة، وذلك لمعادلة بسيطة ترتبط بتوزيع مناصب عمومية بالرشوة، وتقديم شهادات مزورة لا تعكس مستوى الموظف، وهذا وحده كاف لارتكاب جرائم حقيقية في حق المسؤولية والأمانة والصالح العام والمصالح العليا للوطن.
لقد فشلت الحكومات المتعاقبة في معالجة مشكل بيع الشهادات الجامعية رغم انفجار فضائح متعددة، واعتقال متورطين وسماسرة، فضلا عن ارتفاع حدة الجدل الدائر حول التوظيف بالقطاع العمومي، وانكشاف عورة مسؤولين لا يعرفون ما يقدمونه للشأن العام، سوى احتراف السمسرة في الملفات بنفس النهج الذي تم الحصول به على الشهادات المخدومة.
وليس بيع الشهادات الجامعية مقابل المال، هو الفيروس الوحيد الذي ضرب الجامعة، بل هناك فضائح الجنس مقابل النقط التي تحتاج بدورها لمعالجة عميقة، لأن الساحات الجامعية هي منبر للتنافس العلمي والنقاش الجاد والمثمر، وليس مكانا لتفريغ المكبوتات والابتزاز المالي والجنسي.
والمصيبة الكبرى، هي تهافت مسؤولين في مؤسسات حساسة ومنتخبين على شراء الشهادات الجامعية بهدف الترقية ونيل المناصب الكبرى، خارج مؤشرات الاجتهاد والتجربة والكفاءة، ما يؤثر سلبا على المردودية ويُفرغ السياسات العمومية المسطرة من محتواها، ويعمق من موجة التمييع التي تضرب العمل المؤسساتي الرسمي.
وكي لا نلتحق بجوقة اللطم والبكاء على حال جامعاتنا، يجب أن نعي جيدا ونقدر خطر الكفاءات المزورة التي تنتجها الشهادات التي تمنح مقابل الرشوة، لأن تأسيس أي شيء على التزوير لاينتج سوى التزوير في كل شيء، وبذلك الدخول في دوامة التنمية المزورة والمشاريع المزورة والإنجازات المزورة، والمعلومة المزورة، وهو الذي لا نقبله لمغربنا جميعا ويحتم علينا مواجهته بالعمل الجاد والشفافية والنزاهة وتكافؤ الفرص ما يدعم التنمية الحقيقية، وتنزيل التعليمات الملكية السامية بتخليق الحياة العامة.