حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسيسياسية

الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي آليات رقابية «معطلة» بيد المعارضة والأغلبية

ما يعيشه مجلسا البرلمان، خلال هذه الولاية، يؤكد تراجع مستوى النخب البرلمانية التي تُمارس التشريع والرقابة على الحكومة، وأصبحت المعارضة تُمارس من أجل المعارضة فقط، بالصراخ والمزايدات الفارغة عوض ممارسة النقد البناء وتقديم الأفكار والمقترحات الوجيهة لكي تحرج بها الحكومة وأغلبيتها أمام المواطنين. ومن بين الانتقادات الموجهة لفرق المعارضة، أنها غير قادرة على ممارسة دورها الدستوري في مراقبة العمل الحكومي، وخير دليل على ذلك مستوى النقاش الذي يروج تحت قبة البرلمان، ناهيك عن فشلها في استعمال مجموعة من الآليات الرقابية البرلمانية، من قبيل لجان تقصي الحقائق والمهام الاستطلاعية، وأخيرا فشلت في تقديم ملتمس للرقابة ضد الحكومة، بعد انسحاب الاتحاد الاشتراكي من المبادرة. وطبقا لمقتضيات الدستور المغربي الجديد، تتمتع المعارضة البرلمانية بوضعية دستورية متميزة، حيث بإمكانها بقوة الدستور أن تشارك في التشريع كما في الرقابة على العمل الحكومي، وهذا الأمر فيه رفع للحيف والتهميش الذي كان يمس المعارضة في ظل الدساتير السابقة، فالوسائل والآليات، التي كان منصوصا عليها في الدساتير السابقة، لم تكن لتمكن المعارضة من القيام بمهامها.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

الدستور يمنح صلاحيات واسعة للبرلمان في التشريع ومراقبة العمل الحكومي

 

 

منح الدستور الجديد للبرلمان عدة صلاحيات في مجال الرقابة على العمل الحكومي، كما تم منح المعارضة بالبرلمان وضعية متميزة وحقوقا متعددة. ويبقى الهدف الأساسي من ذلك هو النهوض بالعمل البرلماني، والرفع من جودة القوانين والسياسات العمومية التي يتولى البرلمان تشريعها، ورد الاعتبار للبرلمان كمؤسسة دستورية لازمة لتحقيق الديمقراطية التمثيلية الحقة وليس الشكلية، كما نص الدستور على تنظيم العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، على أن “تخصص بالأسبقية جلسة في كل أسبوع لأسئلة أعضاء مجلسي البرلمان و أجوبة الحكومة”. والحكومة ملزمة بالجواب عن أسئلة أعضاء البرلمان خلال العشرين يوما الموالية لإحالة السؤال إليها.

وتتعلق هذه الأسئلة الأسبوعية أساسا بالقطاعات الحكومية المختلفة، ويتولى كل وزير أو من ينوب عنه من أعضاء الحكومة، في حال غياب الوزير المعني لسبب ما، تقديم الجواب في جلسة عامة علنية يتم نقلها عبر أمواج الإذاعة والتلفزة العمومية، وذلك بهدف إطلاع الرأي العام الوطني على ما تقوم به كل من الحكومة و البرلمان في مجالي عملهما كل على حدة، أما الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة للحكومة، فالدستور المغربي الجديد ينص في الفقرة الثالثة من المادة 100 على أن ” تقدم الأجوبة على الأسئلة المتعلقة بالسياسة العامة من قبل رئيس الحكومة، وتخصص لهذه الأسئلة جلسة واحدة كل شهر، وتقدم الأجوبة عنها أمام المجلس الذي يعنيه الأمر خلال الثلاثين يوما الموالية لإحالة الأسئلة إلى رئيس الحكومة”.

وبالإضافة إلى الجلسات الأسبوعية التي تخصص لمساءلة أعضاء الحكومة، كل واحد حسب القطاع الذي يشرف عليه، منح الدستور الجديد، آلية أخرى لمساءلة رئيس الحكومة، حول السياسة العامة لحكومته، من خلال جلسة واحدة كل شهر بمجلسي البرلمان، ويعد تقييم السياسات العمومية، من أهم الاختصاصات الجديدة التي نص عليها الدستور الجديد، وأناطها بالبرلمان، وهذا ما تنص عليه الفقرة الثانية من الفصل 70 من دستور 2011، والتي تصرح بأن “يصوت البرلمان على القوانين، ويراقب عمل الحكومة، ويقيم السياسات العمومية”. وفي السياق نفسه، تنص الفقرة الثانية من الفصل 101 على أن “تخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة السياسات العمومية و تقييمها”، أما الفقرة الأولى من الفصل 101 تصرح بأن ” يعرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين”. كما أقر الفصل 102 من الدستور على أنه ” يمكن للجان المعنية في كلا المجلسين أن تطلب الاستماع إلى مسؤولي الإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية، بحضور الوزراء المعنيين وتحت مسؤوليتهم”.

توجه الأغلبية الحكومية في العديد من المناسبات، انتقادات قوية لفرق المعارضة، من خلال اتهامها بعدم قدرتها على ممارسة دورها الدستوري في مراقبة العمل الحكومي، في المقابل تتهم المعارضة الحكومة وأغلبيتها البرلمانية، بحرمانها من هذا الحق الذي خوله لها الدستور الجديد، كما تتهم الحكومة بحرمانها من ممارسة حقها في التشريع، من خلال عدم التفاعل مع مقترحات القوانين التي تتقدم بها.

وخص الدستور الجديد، فرق المعارضة بالبرلمان، بمكانة متميزة، وخولها العديد من الحقوق، كما جعل منها شريكا أساسيا في صناعة التشريع و الرقابة على العمل الحكومي إلى جانب الأغلبية البرلمانية، وخصص لها المشرع الدستوري الفصل 10 من الدستور، الذي ينص على ما يلي “يضمن الدستور للمعارضة للمعارضة البرلمانية مكانة تخولها حقوقا، من شأنها تمكينها من النهوض بمهامها، على الوجه الأكمل، في العمل البرلماني و الحياة السياسية”.

ويضمن الدستور بصفة خاصة للمعارضة مجموعة من الحقوق، أهمها حرية الرأي والتعبير والاجتماع، وحيزا زمنيا في وسائل الإعلام العمومية يتناسب مع تمثيليتها، والاستفادة من التمويل العمومي وفق مقتضيات القانون، والمشاركة الفعلية في مسطرة التشريع، لاسيما عن طريق تسجيل مقترحات قوانين بجدول أعمال مجلسي البرلمان، والمشاركة الفعلية في مراقبة العمل الحكومي، لاسيما عن طريق ملتمس الرقابة، و مساءلة الحكومة، و الأسئلة الشفوية الموجهة للحكومة، واللجان النيابية لتقصي الحقائق، والمساهمة في اقتراح المترشحين وفي انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية، وتمثيلية ملائمة في الأنشطة الداخلية لمجلسي البرلمان، ورئاسة اللجنة المكلفة بالتشريع بمجلس النواب، والتوفر على وسائل ملائمة للنهوض بمهامها المؤسسية، والمساهمة الفاعلة في الدبلوماسية البرلمانية، للدفاع عن القضايا العادلة للوطن ومصالحه الحيوية، والمساهمة في تأطير و تمثيل المواطنات و المواطنين، من خلال الأحزاب المكونة لها، طبقا لأحكام الفصل 7 من هذا الدستور، وممارسة السلطة عن طريق التناوب الديمقراطي، محليا و جهويا ووطنيا، في نطاق أحكام الدستور.

ويتضح من خلال مقتضيات الدستور المغربي الجديد، أن المعارضة البرلمانية تتمتع بوضعية دستورية متميزة، حيث بإمكانها بقوة الدستور أن تشارك في التشريع كما في الرقابة على العمل الحكومي، وهذا الأمر فيه رفع للحيف والتهميش الذي كان يمس المعارضة في ظل الدساتير السابقة، فالوسائل و الآليات التي كان منصوصا عليها في الدساتير السابقة، لم تكن لتمكن المعارضة من القيام بمهامها، وذلك بالنظر للشروط المسطرية المعقدة و النصاب القانوني الكبير المتعلق بأهم آليات الرقابة كتكوين لجان نيابية لتقصي الحقائق، أو الطعن في دستورية القوانين العادية، وكذلك رئاسة إحدى اللجان البرلمانية الدائمة كلجنة العدل والتشريع، كما أن كل المقتضيات الدستورية السابقة الذكر، تؤكد بالملموس، بأن دستور 2011 شكل قطيعة مع الدساتير السابقة على عدة مستويات، من بين أهمها ما يتعلق بالرقابة البرلمانية على العمل الحكومي، ودور المعارضة في إطار النظام البرلماني المغربي الجديد.

الدستور يعلي من الآليات الرقابية للبرلمان على الحكومة

 

يشكل الدستور المغربي لسنة 2011 تحولا نوعيا في ترسيخ مبدأ الفصل بين السلط، من خلال توسيع صلاحيات البرلمان في مراقبة العمل الحكومي وتعزيز دور المعارضة كفاعل مؤسساتي يتمتع بمكانة دستورية واضحة. فقد تم إقرار جملة من الآليات الرقابية التي تتيح للبرلمانيين، سواء من الأغلبية أو المعارضة، ممارسة مهامهم الرقابية على الحكومة وتقييم أدائها بشكل دوري ومنتظم.

من أبرز هذه الآليات، التي يشترك فيها الطرفان، نجد الأسئلة الشفوية والكتابية، التي تشكل إحدى صور الرقابة اليومية على القطاعات الحكومية، حيث تفرض على الوزراء تقديم أجوبة في آجال محددة. ونص الفصل 100 من الدستور على تخصيص جلسة شهرية لمساءلة رئيس الحكومة حول السياسات العامة، وهي جلسة تُمكن مختلف الفرق البرلمانية من تقييم التوجهات الكبرى للحكومة وفتح نقاش مؤسساتي حول مدى التزامها ببرنامجها.

إلى جانب ذلك تساهم اللجان الدائمة داخل البرلمان، سواء على مستوى مجلس النواب أو المستشارين، في تتبع الأداء القطاعي ومناقشة القوانين والمشاريع الحكومية، وتتمتع هذه اللجان بإمكانية استدعاء المسؤولين الحكوميين ومساءلتهم بشكل تفصيلي حول قضايا متعددة.

وفي مقابل هذه الأدوات المشتركة، خَصَّ الدستور المعارضة البرلمانية بجملة من الصلاحيات الرقابية الخاصة، ما يعكس توازن النظام السياسي وحرصه على تمكين الأقلية من فضاء للمساءلة والمراقبة. من بين أهم هذه الأدوات يبرز «ملتمس الرقابة»، المنصوص عليه في الفصل 105 من الدستور، والذي يمكن أن يقدمه خُمس أعضاء مجلس النواب ضد الحكومة، وهو إجراء قوي قد يؤدي، في حال التصويت عليه بالأغلبية المطلقة، إلى إسقاط الحكومة. وإن لم يكن هذا الملتمس غالباً موجها لإسقاط الحكومة بقدر ما يُستعمل كآلية سياسية لخلق نقاش وطني حول فشل السياسات العمومية، فإن رمزيته وقوته الدستورية تجعلان منه أداة مؤثرة في الضغط السياسي.

ويمكن للمعارضة، أيضا، مثلها مثل الأغلبية، المطالبة بتشكيل لجان لتقصي الحقائق حول قضايا تهم تدبير الشأن العام، وهي آلية تفرض على الحكومة التعاون الكامل وتقديم الوثائق والمعطيات اللازمة. علاوة على ذلك ينص الفصل 10 من الدستور على ضمان تمثيلية منصفة للمعارضة في الأجهزة المسيرة للبرلمان، ويمنحها رئاسة لجنة من اللجان الدائمة، غالباً ما تكون لجنة مراقبة المالية العامة، ما يعزز دورها الرقابي من داخل المؤسسة التشريعية.

إلى جانب هذه الصلاحيات، تتوفر المعارضة، كذلك، على حق التشريع من خلال تقديم مقترحات القوانين، والمشاركة في طلب إحالة القوانين إلى المحكمة الدستورية، وهي آلية رقابية قانونية تساعد على ضمان مطابقة التشريعات لأحكام الدستور. غير أنه، ورغم أن الأغلبية البرلمانية تمثل، في الغالب، الامتداد السياسي للحكومة، إلا أنها لا تُعفى من مسؤوليتها الرقابية، إذ يُنتظر منها، من موقعها، تتبع مدى وفاء الحكومة بالتزاماتها وممارسة رقابة نقدية داخلية لتقويم الخلل وضمان الانسجام والتماسك بين السلطتين التنفيذية والتشريعية.

غير أن مدى فعالية هذه الآليات الرقابية يظل مرهوناً بإرادة الفاعلين السياسيين ومدى نضج الممارسة البرلمانية. ففي كثير من الأحيان، يُلاحظ أن الطابع السياسي يغلب على التنسيق بين مكونات المعارضة، ما يحدّ من تأثير أدواتها الرقابية رغم قوتها الدستورية. وفي المقابل تفضل الأغلبية أحياناً دورها التبريري، ما يفرغ الرقابة من مضمونها الحقيقي كممارسة ديمقراطية.

فضلا عن ذلك تظل فعالية الآليات الرقابية، التي يمنحها الدستور للمعارضة، رهينة بدرجة التماسك والتناغم بين مكوناتها السياسية. فقد أثبتت التجربة البرلمانية، خاصة خلال الولاية التشريعية الحالية، أن غياب الانسجام داخل صفوف المعارضة وتعدد الحسابات الحزبية الضيقة غالباً ما يؤديان إلى عرقلة المبادرات الرقابية الكبرى، مثل ملتمس الرقابة أو طلبات تشكيل لجان تقصي الحقائق. ففي أكثر من مناسبة اصطدمت هذه المبادرات باختلاف في الرؤى والتقديرات، أو حتى بتسريبات وتقاطبات سياسية عطّلت التنسيق المشترك وأفقدت المعارضة جزءاً من زخمها الرقابي. هذا التشتت لا يخدم فقط الحكومة التي تجد نفسها في مأمن من المساءلة الجماعية، بل يضعف كذلك ثقة الرأي العام في قدرة المعارضة على لعب دورها الدستوري، ويكرّس صورة سلبية عن العمل البرلماني ككل.

المعارضة تفشل في استعمال سلاح ملتمس الرقابة في وجه الحكومة

 

 

أعلن الفريق الاشتراكي بمجلس النواب انسحابه من مبادرة تقديم ملتمس الرقابة ضد الحكومة، وتوقيفه لأي تنسيق مع باقي مكونات المعارضة بهذا الخصوص، وبرر ذلك بوجود خلافات حول الجوانب الشكلية لتقديم المبادرة، واندلاع صراعات حول الفريق الذي سيقدم المبادرة في الجلسة العامة.

وأوضح الفريق الاشتراكي، في بلاغ له، أنه لم يلمس أي رغبة في التقدم من أجل تفعيل ملتمس الرقابة، بل كان هناك إصرار على إغراق المبادرة في كثير من الجوانب الشكلية التي تتوالد في كل اجتماع جديد، مؤكدا أن الغايات من ملتمس الرقابة، كآلية رقابية من أجل تمرين ديمقراطي يشارك فيه الجميع، اختفت وحلت محلها رؤية حسابية ضيقة تبحث عن الربح السريع بدون تراكمات فعلية. وأشار البلاغ إلى أن الفريق الاشتراكي يرفض التعامل باستخفاف وانعدام الجدية مع الآليات الرقابية الدستورية وعدم احترام وتقدير الرأي العام المواكب.

وأضاف الفريق أنه، إيمانا منا بأهمية الوضوح في المواقف السياسية المعبر عنها، بما يسمح بتجسيد الالتزام المسؤول في العمل السياسي والحزبي، واقتناعا بأن المعارضة السياسية والبرلمانية تقتضي الجدية والمسؤولية لمواجهة مختلف الاختلالات التي تعتري الأداء الحكومي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، يعلن الفريق توقيفه لأي تنسيق بخصوص ملتمس الرقابة، ويعلن، كمعارضة اتحادية واعية يقظة ومسؤولة، مواصلته لأدائه الرقابي لعمل الحكومة ولسياساتها العمومية خدمة لمصالح المواطنات والمواطنين وللمصالح العليا للوطن.

وتملك المعارضة سلاح ملتمس الرقابة الذي لم تستعمله منذ سنوات، وهو السلاح الذي تعزز في ظل الدستور الجديد، من خلال تيسير وضعه في يد المعارضة، بحيث يمكنها أن تلجأ إليه متى كان الأمر ضروريا من أجل إسقاط الحكومة. واستعمل هذا السلاح أول مرة من طرف حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وسانده في ذلك حزب الاستقلال، وكان ذلك سنة 1664، والمرة الثانية كانت خلال سنة 1990، عندما صعد عبد الحق التازي، رئيس الفريق الاستقلالي بمجلس النواب، إلى منصة المجلس وقام بتلاوة نص ملتمس الرقابة الذي وقعت عليه أحزاب الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية ومنظمة العمل الديمقراطي الشعبي، وذلك من أجل الإطاحة بحكومة عز الدين العراقي.

وخصص الدستور الجديد الفصلين 105 و106 لملتمسي الرقابة والمساءلة باعتبارهما أداة رقابية في يد مجلسي البرلمان، حيث ينص الفصل 105 على ما يلي «لمجلس النواب أن يعارض في مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها، بالتصويت على ملتمس للرقابة؛ ولا يقبل هذا الملتمس إلا إذا وقعه على الأقل خُمس الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من قبل مجلس النواب، إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم، ولا يقع التصويت إلا بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداع الملتمس؛ وتؤدي الموافقة على ملتمس الرقابة إلى استقالة الحكومة استقالة جماعية، وإذا وقعت موافقة مجلس النواب على ملتمس الرقابة، فلا يقبل بعد ذلك تقديم أي ملتمس رقابة أمامه، طيلة سنة». في حين ينص الفصل 106 من الدستور على أنه «لمجلس المستشارين أن يُسائل الحكومة بواسطة ملتمس يوقعه على الأقل خُمس أعضائه؛ ولا يقع التصويت عليه، بعد مضي ثلاثة أيام كاملة على إيداعه، إلا بالأغلبية المطلقة لأعضاء هذا المجلس، حيث يبعث رئيس مجلس المستشارين، على الفور، بنص ملتمس المساءلة إلى رئيس الحكومة؛ ولهذا الأخير أجل ستة أيام ليعرض أمام هذا المجلس جواب الحكومة، يتلوه نقاش لا يعقبه تصويت».

وكانت المحكمة الدستورية أصدرت قرارا بخصوص النظام الداخلي لمجلس النواب، وقضت المحكمة برفض تسع مواد نظرا لعدم مطابقتها للدستور، منها مادة تتعلق بطريقة وضع ملتمس الرقابة لإسقاط الحكومة، وأبدت المحكمة ملاحظات بخصوص 19 مادة من أجل ملاءمتها مع مواد الدستور.

ورفضت المحكمة وضع قيود على ملتمس الرقابة الذي يعطي صلاحيات لمجلس النواب لإسقاط الحكومة، واعتبرت أن المادة 252 من النظام الداخلي مخالفة للدستور، وأوضحت أن الفقرة الأولى من هذه المادة تنص على أنه «يودع ملتمس الرقابة لدى رئيس المجلس في شكل مذكرة مفصلة يسلمها له أحد الموقعين على الملتمس، تتضمن دواعي تقديم الملتمس ومبرراته، مرفقة بقائمة تضم أسماء أصحاب الملتمس وتوقيعاتهم، والفرق والمجموعات النيابية التي ينتمون أو ينتسبون إليها، وعند الاقتضاء، إذا كانوا من الأعضاء غير المنتسبين». وأوضحت المحكمة، في قرارها، أن ما نصت عليه هذه الفقرة من تضمين مذكرة ملتمس الرقابة لدواعي تقديم الملتمس ومبرراته، يستفاد منه وجوب تضمين المذكرة المذكورة لهذه الدواعي والمبررات، مما يتجاوز نطاق  تقديم مضمون الملتمس والتوقيعات الضرورية للتأكد من النصاب المنصوص عليه في الفقرة الأولى من الفصل 105 من الدستور، ويعد قيدا، لا سند له في الدستور، على إعمال آلية أقرها الفصل 105 المذكور في نطاق العلاقات بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، تطبيقا لمبدأي فصل السلط وتوازنها ويشكلان جزءا أساسيا من مقومات النظام الدستوري للمملكة، طبقا للفصل 1 (الفقرة الثانية) من الدستور؛ وتبعا لذلك أكدت المحكمة أن الفقرة الأولى من هذه المادة غير مطابقة للدستور في ما نصت عليه من تضمين مذكرة ملتمس الرقابة لدواعي تقديم الملتمس ومبرراته.

وعرفت التجربة البرلمانية في المغرب تقديم ملتمسين للرقابة، الأول عام 1964 والثاني عام 1990، ولم يؤدّ أي ملتمس منهما إلى إسقاط الحكومة، نظرا للقيود الدستورية التي تعرفها هذه الآلية السياسية. فلا يمكن أن نتصور الأغلبية البرلمانية تساند المعارضة من أجل التصويت، ففي 1964، ومع أول تجربة برلمانية عرفها المغرب حينها، تقدمت المعارضة البرلمانية بملتمس الرقابة ضد الحكومة، ووقع هذا الملتمس 24 نائبا، لكنه فشل بسبب عدم وجود الأغلبية المطلقة التي تتمثل في تصويت 73 نائبا وفق مقتضيات دستور 1962 في فصله 81. أما الملتمس الثاني فقدمته المعارضة، كذلك، ضد حكومة عزالدين العراقي، وقدمه حزبا الاستقلال والاتحاد الاشتراكي، وفشل في إسقاط الحكومة نظرا لعدم توفر النصاب القانوني المتمثل، وفق الفصل 75 من دستور 1972، في أن الملتمس لا يقبل إلا إذا وقعه على الأقل ربع الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا تصح الموافقة على ملتمس الرقابة من لدن مجلس النواب إلا بتصويت الأغلبية المطلقة للأعضاء الذين يتألف منهم المجلس. وهو الأمر الذي سارت عليه جميع دساتير المملكة، ومنها دستور 2011 الذي اشترط ضرورة تصويت الأغلبية المطلقة على الملتمس، الأمر الذي أصبح معه البرلمان أكثر عقلنة وخاضعا للحكومة.

آليات برلمانية معطلة بيد المعارضة والأغلبية لمراقبة العمل الحكومي

 

 

تعتبر كل من اللجان البرلمانية لتقصي الحقائق والمهام الاستطلاعية من الأدوات المتاحة للبرلمان من أجل ممارسة الرقابة على العمل الحكومي، وقد تميز دستور 2011 بأن نص في الفصل 67 على تشكيل اللجنة النيابية لتقصي الحقائق وهو أمر يمكن ممارسته بمبادرة من الملك، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو ثلث أعضاء مجلس المستشارين، كما أن الدستور نص على إخراج قانون تنظيمي خاص بها وهو القانون التنظيمي 085.13 المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق. بينما تنظم المهام الاستطلاعية بمقتضى النظام الداخلي لكل من مجلس النواب (المواد من 142 إلى 148 من النظام الداخلي لسنة 2024) ومجلس المستشارين (المواد من 125 إلى 131 من النظام الداخلي لسنة 2020).

وتتميز اللجان النيابية لتقصي الحقائق باشتراط الدستور مجموعة من الشروط التي يتعين تحقيقها من أجل تشكيلها وعلى رأسها توفر النصاب القانوني للمطالبين بها والمتمثل في ثلث أعضاء مجلس النواب، إضافة إلى شرط أن لا يكون موضوعها موضوع متابعات قضائية جارية وتنتهي أعمالها بمجرد تحقيق قضائي في الوقائع التي أدت إلى تشكيلها، كما أن القانون التنظيمي المتعلق بطريقة تسيير اللجان النيابية لتقصي الحقائق نص في المادة السادسة على أن يؤول رئيس اللجنة أو مقررها إلى المعارضة، ويترتب عن عمل اللجنة إنتاج تقرير يكون موضوع مناقشة في جلسة عامة كما يمكن إحالته على القضاء من طرف رئيس المجلس (الفصل 67 من الدستور).

ويحدد النظام الداخلي لمجلس النواب في الفرع الرابع منه، الدور الاستطلاعي للجان الدائمة حيث يشير في المادة 107 من نظامه الداخلي إلى أنه يجوز للجن الدائمة أن تكلف، بناء على طلب من رئيسها بعد موافقة مكتب اللجنة أو رئيس فريق  أو رئيس مجموعة نيابية أو ثلث أعضاء اللجنة، عضوين أو أكثر من أعضائها، بمهمة استطلاعية مؤقتة حول شروط وظروف تطبيق نص تشريعي معين، أو موضوع يهم المجتمع، أو يتعلق بنشاط من أنشطة الحكومة والإدارات والمؤسسات والمقاولات العمومية باتفاق مع مكتب مجلس النواب.

ويجب أن يكون موضوع الاستطلاع مندرجا ضمن القطاعات والمجالات والمؤسسات التي تدخل في اختصاصات اللجنة المعنية، ويضع مكتب المجلس لائحة داخلية تنظم أشغال المهام الاستطلاعية، كما  يوجه رئيس اللجنة المعنية كتابا بطلب الإذن لرئيس المجلس مرفوقا بتكليف بالمهمة موضوع الاستطلاع واستبانة الحاجة إليه وحدوده والغاية منه وكذلك مجموع الأسئلة والإشكالات التي يروم الإجابة عنها ومكان وزمان القيام بها مع توصيف الخبرات والوسائل المادية الضرورية لإجراء المهمة.

في السياق ذاته، تشير المادة 108 من النظام الداخلي لمجلس النواب إلى أن  مكتب اللجنة الدائمة يحدد عدد النائبات والنواب الذين يكلفهم بالمهمة الاستطلاعية على أن لا يتجاوز عدد المكلفين بالمهمة ثلاثة عشرة (13) عضوا وأن لايقل عن عضوين (02) إثنين، ناصا بأنه يجوز للفرق والمجموعات النيابية أن تنتدب عنها ممثلا أو ممثلين من خارج اللجنة التي شكلت المهمة الاستطلاعية، موجبا أن يراعى في تعيين أعضاء المهمة الاستطلاعية الخبرة والتخصص، وأن  يعين أعضاء المهمة الاستطلاعية رئيسا ومقررا أحدهما من المعارضة مع مراعاة قاعدة التمثيل النسبي، كما يعينون نائبا لكل من الرئيس والمقرر، وتعطى الأسبقية في اختيار الرئيس والمقرر لطالب المهمة مع مراعاة مبدأ التناوب.

يلتزم أعضاء المهمة الاستطلاعية في إنجاز العمل المنوط بهم بالضوابط والشروط المحددة في التكليف بالمهمة المرفوع إلى مكتب مجلس النواب، كما يعد أعضاء المهمة تقريرا عن المهمة الاستطلاعية التي قاموا بها ويحيلونه على مكتب اللجنة، فيما تشير المادة 109 من نفس القانون أنه تتم دراسة تقارير المهام الاستطلاعية المؤقتة وفق المسطرة، حيث يحال تقرير المهمة الاستطلاعية على مكتب المجلس بالموازاة مع إحالته على اللجنة المعنية، داخل أجل لا يتعدى ستين يوما ابتداء من أول إجراء يقدم المقرر التقرير أمام أعضاء اللجنة لمناقشته؛ ثم تستدعى الحكومة لحضور المناقشة والمشاركة فيها؛ كما يوجب القانون نفسه أن تتولى اللجنة الدائمة إعداد ملخص حول المناقشة العامة لتقرير المهمة الاستطلاعية؛ ويحال ملخص المناقشة رفقة تقرير المهمة الاستطلاعية على المكتب الذي يقوم بدراسته لاتخاذ قرار رفعه إلى الجلسة العامة من عدمه؛ وفي حالة رفع الملخص رفقة التقرير إلى الجلسة العامة لمناقشتهما، يمكن للحكومة حضور الجلسة للإجابة عن التساؤلات والاستفسارات المرتبطة بمضمونهما.

عبد الرحيم شهيد: «قررنا توقيف التنسيق حول ملتمس الرقابة بسبب غياب الجدية واستمرار المزايدات»

 

 

أكد عبد الرحيم شهيد، رئيس الفريق الاشتراكي بمجلس النواب، أن الولاية الحكومية الحالية عرفت عددا من الاختلالات العميقة التي أثرت سلبا على أداء الحكومة، وأدت إلى تعثرها في مباشرة الإصلاحات الكبرى على المستويين الاقتصادي والاجتماعي. وأوضح شهيد، في تصريح لجريدة «الأخبار»، أن ممارسات الحكومة المتغولة ساهمت في الإخلال بالتوازن المؤسساتي المنصوص عليه دستوريا، سيما من خلال التضييق على المعارضة البرلمانية، وتهرب رئيس الحكومة وعدد من الوزراء من حضور جلسات المساءلة.

وأضاف المتحدث ذاته أن الفريق الاشتراكي بادر، أمام هذه المعطيات المقلقة، التي تؤكد فشل الحكومة في التعاطي مع الشأن العام وعدم وفائها بوعودها الانتخابية، إلى اقتراح لجوء المعارضة إلى تفعيل ملتمس الرقابة المنصوص عليه في الفصل 105 من الدستور، وهي فكرة طرحها الحزب منذ نهاية سنة 2023، قبل أن يتم إدراجها رسميا ضمن التقرير السياسي الذي عرضته القيادة الحزبية أمام المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي، يوم السبت 27 يناير 2024.

وأشار شهيد إلى أنه منذ تلك اللحظة، شرع الفريق الاشتراكي، بصفته مكونا أساسيا في المعارضة، في التنسيق مع باقي الفرق المعارضة بشأن بلورة المبادرة، معتبرا أن الفريق كان واعيا منذ البداية بأن الأغلبية العددية الضرورية لإسقاط الحكومة غير متوفرة. «لكننا كنا نراهن على ملتمس الرقابة كفرصة لفتح نقاش سياسي مسؤول وشفاف أمام المغاربة، يهم التحديات المطروحة وإشكالات التدبير الحكومي، والحاجة إلى الإصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الضرورية»، يقول شهيد.

وتابع رئيس الفريق الاشتراكي أنه «في 4 أبريل 2024، اجتمع رؤساء الفرق والمجموعة النيابية بمناسبة افتتاح الدورة البرلمانية الربيعية، وتم الاتفاق على إصدار بلاغ يعلن الانخراط في تفعيل ملتمس الرقابة. إلا أنه سرعان ما تم إقبار هذه المبادرة بخروج أحد الأطراف المعارضة لرفض التنسيق، ما أضعف المبادرة قبل أن تنطلق».

وفي بداية أبريل 2025، يضيف شهيد، «تم طرح مبادرة جديدة تتعلق بتشكيل لجنة لتقصي الحقائق حول دعم المواشي، وانخرطنا فيها دعما لتوحيد صفوف المعارضة، إلا أن فشل هذه المبادرة دفعنا مجددا إلى طرح فكرة ملتمس الرقابة. وبعد سلسلة من الاجتماعات، بدأنا إجراءات صياغة المذكرة وجمع التوقيعات، لكننا للأسف لم نلمس أي إرادة حقيقية وجدية لإخراج المبادرة إلى الوجود».

وشدد شهيد على أن بعض مكونات المعارضة فضلت الدخول في تفاصيل تقنية وهامشية لا علاقة لها بالأعراف السياسية والبرلمانية المتوافق عليها، بل عمد البعض إلى التشويش على المبادرة عبر تسريبات إعلامية غير مسؤولة، وتضليل الرأي العام، وهدر الزمن السياسي، بعيدا عن أخلاقيات التنسيق والتداول الجاد. معتبرا أن مجرد طرح ملتمس الرقابة، «استطاع أن يحرك المياه الراكدة في المشهد السياسي، وخلق نقاشا واسعا في الأوساط الإعلامية والسياسية»، لكنه عبر في الآن ذاته عن أسفه من غياب الرؤية الجماعية والانسجام السياسي داخل المعارضة، ما جعل الغايات النبيلة للمبادرة تضيع وسط الحسابات الضيقة والأنانيات الحزبية.

ثلاثة أسئلة لمحمد زين الدين*:

«الدستور منح البرلمان آليات متعددة لمراقبة الحكومة والمعارضة مشتتة ولا تستغلها»

 

 

  ما هي الآليات الرقابية التي أتاحها المشرع للبرلمان؟

تُعد الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي من أبرز ركائز الديمقراطية الدستورية، إذ تضمن التوازن بين السلط وتكرس مبدأ ربط المسؤولية بالمحاسبة. ويحظى البرلمان بسلطة مراقبة عمل الحكومة من خلال عدة آليات، تنقسم إلى قسمين بين آليات الرقابة دون إثارة المسؤولية السياسية، وما يمكن أن نسميها آليات الرقابة (الخفيفة)، وهي التي ليس لها تأثير مباشر على الحكومة، وبين آليات الرقابة مع إثارة المسؤولية السياسية، وهي التي قد تؤدي إلى إسقاط الحكومة، أو إقالة وزير.

تمثل الأسئلة الشفوية والكتابية إحدى أهم آليات الرقابة البرلمانية على العمل الحكومي في النظام الدستوري، حيث تتيح لأعضاء البرلمان إمكانية تتبع أداء الوزراء، ومساءلتهم حول مختلف السياسات العمومية والبرامج القطاعية والتدابير المتخذة في مواجهة قضايا المواطنين اليومية. وتنبع أهمية هذه الآلية من كونها تعكس الدور الرقابي الموكول إلى البرلمان في إطار مبدأ فصل السلط وربط المسؤولية بالمحاسبة، كما ينص على ذلك دستور 2011، الذي منح البرلمان صلاحيات واسعة في مراقبة العمل التنفيذي، وسعى إلى تعزيز توازن السلطات.

والأسئلة الشفوية تتميز بطابعها العلني والمباشر، حيث تُطرح خلال جلسات عامة أسبوعية يحضرها أعضاء الحكومة، وتُنقل عادة عبر وسائل الإعلام الرسمية، ما يمنحها بعدا سياسيا وتواصليا كبيرا، سواء على مستوى الفعل الرقابي أو في العلاقة مع الرأي العام. هذه الجلسات تكتسي أهمية خاصة حين تكون الأسئلة المطروحة مرتبطة بملفات حارقة أو راهنة، فتتحول إلى منبر لمساءلة الحكومة علنا، وإلى وسيلة لتسليط الضوء على أوجه الخلل في تدبير بعض القطاعات، أو في الاستجابة لانتظارات المواطنين. وغالبا ما تُستغل هذه الجلسات من طرف الفرق البرلمانية لإبراز مواقفها السياسية وإيصال رسائلها، سواء إلى الحكومة أو الرأي العام.

أما الأسئلة الكتابية، فتمثل وجها آخر للرقابة، أقل صخبا وأكثر تفصيلا، حيث يتم توجيهها إلى الوزراء المعنيين عبر رئاسة المجلس، مع انتظار الجواب في أجل محدد قانونا. وتُستخدم هذه الآلية بشكل واسع من طرف البرلمانيين الذين يسعون إلى التحقق من معطيات دقيقة، أو الحصول على معلومات بشأن مشاريع محلية، أو تدابير إدارية، أو حتى مآل شكايات المواطنين. ما يميز الأسئلة الكتابية هو كونها تسمح بتوثيق المساءلة، وتوفر إمكانية تتبع الملفات عبر الزمن، لكن فعاليتها تبقى رهينة بمدى تجاوب القطاعات الوزارية، وجودة الأجوبة التي تقدمها، والتي كثيرا ما توصف بالإنشائية أو التبريرية.

غير أنه يجب التأكيد على أن أداء هاتين الآليتين لا يخلو من إشكالات، فالكثير من الأسئلة الشفوية تتحول إلى منابر للخطابة السياسية أكثر من كونها مساءلة فعالة، فيما تتأخر الأجوبة الكتابية في كثير من الأحيان أو لا تصل إطلاقا، ما يُضعف أثر الرقابة البرلمانية. كما يُسجل أحيانا غياب معايير مضبوطة في اختيار مواضيع الأسئلة أو تكرارها بشكل مفرط، إضافة إلى ضعف التتبع المؤسساتي لمآل القضايا المثارة، وعدم تفعيل آليات تصعيدية حين تكون الأجوبة غير مرضية، أو تكشف عن خلل حقيقي في التدبير.

 

  ماذا بخصوص الآليات الرقابية مع إثارة المسؤولية السياسية؟

هذا الصنف من الممارسة الرقابية للبرلمان على الحكومة، أبرزها ملتمس الرقابة وطلب سحب الثقة، وهما من الأدوات الدستورية التي تمنح المؤسسة التشريعية القدرة على مساءلة الجهاز التنفيذي، والحد من أي تجاوز محتمل لصلاحياته.

وينص الفصل 105 من الدستور لسنة 2011 على أنه يمكن لأعضاء مجلس النواب، بعد مرور سنة على تنصيب الحكومة، تقديم ملتمس للرقابة ضدها. ويشترط أن يُوقّع الملتمس من طرف خُمس أعضاء المجلس على الأقل، ولا يُقبل إلا إذا حصل على أغلبية مطلقة من الأعضاء المكونين لمجلس النواب، أي ما لا يقل عن 198 صوتا من أصل 395 نائبا.

ويترتب على قبول ملتمس الرقابة استقالة الحكومة بكاملها، ما يجعله أداة قوية لا تُستخدم إلا في سياقات سياسية دقيقة. ورغم وجود هذا الحق دستوريا، إلا أن التجربة البرلمانية المغربية لم تشهد إلى الآن إسقاط حكومة عن طريق ملتمس الرقابة، نظرا إلى تعقيدات الاصطفاف الحزبي واعتبارات التوازنات السياسية.

يمنح الفصل 106 من الدستور لمجلس المستشارين صلاحية تقديم طلب إلى رئيس الحكومة، من أجل مساءلة حكومته، لكن دون التمتع بصلاحية إسقاطها. بالمقابل، يحق للمجلس أن يصوت على طلب سحب الثقة من عضو معين في الحكومة (وزير أو كاتب دولة مثلا)، شريطة أن يكون بناء على مبادرة خُمس أعضائه، وأن يُصادق عليه ثلثا الأعضاء.

ورغم أن هذا الإجراء لا يؤدي إلى إسقاط الحكومة بأكملها، إلا أنه يشكل وسيلة فعالة لمساءلة الوزراء ومحاسبتهم بشكل فردي، مما يعزز المسؤولية السياسية للطاقم الحكومي أمام البرلمان بغرفتيه، غير أنه ورغم وضوح النصوص الدستورية، إلا أن تفعيل هذه الآليات يواجه عدة إشكالات، من بينها هيمنة منطق الأغلبية الحزبية، الذي يحد من استقلالية النواب في ممارسة الرقابة، وقلة استعمال هذه الآليات بسبب المخاوف من زعزعة الاستقرار السياسي، وضعف الثقافة البرلمانية الرقابية، التي ما زالت تعاني من هيمنة الطابع التشريعي على حساب البعد الرقابي.

 

–  هل الاختلافات الداخلية وسط المعارضة تضعف ممارستها للآليات الرقابية ضد الحكومة؟

تشهد قبة البرلمان منذ مدة وجود معارضة «مجزأة» تضم أطيافا سياسية مختلفة من حيث المرجعيات والخطاب السياسي، بل وفي بعض الأحيان متناقضة في تقييمها للسياسات العمومية. هذا التباين يؤدي إلى غياب مبادرات موحدة، أو جبهة رقابية قوية قادرة على فرض توازن حقيقي داخل المؤسسة التشريعية، فالأسئلة الشفوية والكتابية، وكذا طلبات تشكيل لجان تقصي الحقائق أو مساءلات الوزراء، كثيرا ما تأتي مجزأة ومحدودة الأثر السياسي والإعلامي، بسبب غياب التنسيق المسبق وتضارب الأجندات بين فرق المعارضة، التي يبدو كل منها منشغلا برهاناته الحزبية الضيقة أكثر من اهتمامه بممارسة دور رقابي فعال.

وعلى سبيل المثال، يتطلب طلب تشكيل لجنة لتقصي الحقائق توقيع ثلث أعضاء مجلس النواب، وهو ما يصعب تحقيقه في غياب جبهة معارضة موحدة، حيث إننا أمام معارضة «مشتتة» عدديا وأيضا إيديولوجيا.  كما أن جلسات المساءلة الشهرية لرئيس الحكومة تمر غالبا دون ضغط سياسي حقيقي، بسبب افتقاد المعارضة لموقف موحد أو خطاب نقدي واضح المعالم. وفي تاريخ كل الحكومات بالمغرب والبرلمانات، نجد أن المعارضة لم تفلح أبدا في تقديم تفعيل ملتمس الرقابة ضد الحكومة، ويبقى تقديم هذا الملتمس مجرد خطوة سياسية وتمرينا دستوريا لا غير، حيث إنه لا وجود لمكونات المعارضة الحقيقية بالبروفايلات المطلوبة لمواجهة الحكومة، هذا دون إغفال المشاكل الداخلية التي تشهدها أحزاب المعارضة من غياب القيادة التاريخية لتلك الأحزاب واضطرابات داخلية، هذا دون الحديث عن كون رهانات أحزاب المعارضة ليست رهانات موحدة، ونحن على بعد حوالي عام من الاستحقاقات الانتخابية.

 

*أستاذ القانون العام بكلية الحقوق المحمدية

 

 

 

 

 

 

 

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى