شوف تشوف

الرأيالرئيسية

كُتاب من المستقبل

 

 

يونس جنوحي

 

وأخيرا، صرنا نسمع أخبار حالات إغماء في صفوف القُراء وهم ينتظرون الكاتب. خبر يبدو وكأنه قصاصة «منفلتة» من مشهد خيالي.

يتعلق الأمر بكاتب سعودي يكتب القصص الخيالية التي يختلط فيها عالم الجن بالقوى الخفية والغامضة. وهناك من يعيبون على الشبان اهتمامهم بهذا النوع من الكتابة، في حين أن «الغرب» الذي يعتبرونه القدوة في كل شيء، تتربع فيه هذه الكتابات على عرش مبيعات الكتب وتحقق إيرادات تاريخية تفوقت فيها على الأفلام السينمائية!

أليست كاتبة سلسلة «هاري بوتر» الشهيرة أغنى كاتبة على مر التاريخ، بعد أن حققت أرباحا لم يسبقها إليها أي كاتب آخر في العالم؟ بل إنها تُعتبر أول شخصية تحقق أرباحا تفوق عتبة المليون دولار بالكتابة فقط. ما العيب إذن في أن يتسابق الشباب المغربي على هذا النوع من الكتابة؟

إن السؤال الذي يجب أن يُطرح هو لماذا لا يُغمى على هؤلاء الشباب المتدافعين وهم ينتظرون كاتبا مغربيا؟ لماذا لم يفكر هؤلاء المنتقدون الذين وصفوا الكاتب وكتبه وجمهوره من شباب المغرب بالسطحيين والتافهين، في سر غياب كُتاب مغاربة من هذا النوع؟

بعد التدقيق في الخبر يتضح أن احتشاد الشباب المغربي بهذه الطريقة لحضور حفل توقيع الكاتب السعودي أسامة المسلم، سببه شاب مغربي ينشر مقاطع في صفحة افتراضية يتابعها مئات الآلاف، أعلن فيها عن موعد حفل التوقيع وخصص فيها حيزا للحديث عن محتوى كتابات الكاتب السعودي، وبعد أن ضرب لمتابعيه موعدا، صرنا نعرف بقية القصة بكل تأكيد.

هناك من يتخوف من تراجع نسبة القراءة وضعف انتشار الكتاب، ويتحدثون بنشوة عن قرب انقراض الصحف الورقية، وكأن المغاربة يقرؤون فعلا المواقع الإلكترونية. الذين يعملون في المواقع الإلكترونية يُدركون جيدا أن التحايل والتلاعب بالعناوين وتناول الأعراض والأرداف والبهارات وحدها تساعد على إقناع عينات من القراء على تصفح المواقع. الصحف الورقية كما الإلكترونية تعاني من مشكل مشترك وهو ضعف الإقبال على القراءة.

وحدها ومضة أمل مضيئة تسطع من بين أروقة نسخة هذه السنة من المعرض الدولي للكتاب. يتعلق الأمر بمجلة «رؤية» -ليست للبيع بالمناسبة- التي صدرت هذه السنة عن مؤسسة المحافظة على التراث الثقافي لمدينة الرباط، وكُتابها ليسوا صحافيين ولا مثقفين ممن أنهكهم الحرف، وإنما أطفال من الرباط، سلا وتمارة، بتأطير من أساتذتهم، وتوجيه من المهنيين الذين تربطهم شراكات مع المؤسسة، كتبوا مقالات وحوارات وبورتريهات وربورتاجات صحفية، تتوفر فيها المعايير المهنية، ونُشرت بأسمائهم في المجلة.

هؤلاء الأطفال تلقوا تكوينا مكثفا في الكتابة، واشتغلوا على مواضيع تتعلق بالتراث غير المادي، مثل جذور اللهجة الرباطية، التبوريدة، حرفيي الزربية، أجروا حوارات مع المعنيين، وكتبوا بورتريهات لتقريب القراء من هموم الحرفيين وتعريفهم بتراث المدينة.

لكم طبعا أن تتصوروا وقع تجربة مشابهة على نفسية يافعين في مرحلة التعليم الإعدادي وهم يطالعون أسماءهم الشخصية والعائلية مرقونة على صفحات مجلة، مقرونة بمواضيع في الأجناس الصحافية الكبرى. هذه أفضل وصفة لحث الجيل المُقبل على القراءة والكتابة.

علينا جميعا أن نستفيد من تجربة التدافع والإغماء التي وقعت بين أروقة خيام المعرض الدولي للكتاب. إنها المرة الأولى التي يُغمى فيها على شباب دون العشرين، بين الكتب وليس أمام منصات مغنيي الكلمات النابية. على الناشرين أيضا أن يفكروا في استثمار المنصات الجديدة للترويج لحفلات التوقيع، وأن يجربوا، بكثير من التواضع، الاستماع إلى القراء المفترضين ومعرفة أذاوقهم. لقد ولى زمن حفلات التوقيع التي تُخصص للإعلان عن ديوان من عشرين صفحة، يتساءل كاتبه عن سر ارتفاع العين عن الحاجب، ويتضح في الأخير أن الديوان مسروق! هذا زمن آخر، يقوده شباب لا يسمعون إلا من يُحدثهم عبر الفيديو بلغة لا يفهمها غيرهم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى