شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

نجلة رئيس جامعة

 

 

حسن البصري

صحيح أن اللاعبين هم صناع الانتصارات، لكن وراء كل فريق عظيم مدرب. نظريا لا يكتمل الإنجاز الكروي إلا بأقدام مبدعة وأجساد مقاتلة وأدمغة مفكرة.

كلما اقترب الموعد الكروي الإفريقي يقفز إلى أذهاننا اسم «بابا»، اللاعب الذي سجل هدفا في قلب إثيوبيا ومنحنا كأس إفريقيا الوحيدة في خزانة جامعتنا.

كان المنتخب المغربي يعيش الهشاشة في أقسى تجلياتها، ولم يكن ينعم بالديباج والحلي والحلل، قبل أن يستخدم الحسن الثاني علاقاته ليضمن للمنتخب الحضور في المحافل الدولية والقارية.

في بداية السبعينات، بحث الملك عن رئيس للجامعة من عالم المال، فاهتدى إلى عثمان السليماني وكان حينها خبيرا اقتصاديا، ليعينه رئيسا للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم.

كان عثمان رئيسا مديرا عاما للقرض العقاري والسياحي، وكاتبا للدولة في المالية. كان يروض الأرقام ويجس نبض اقتصاد البلاد.

سيعيد التاريخ نفسه بعد قرابة نصف قرن من الزمن، وسيترأس جامعة الكرة رجل من عالم المال وصي على صنبور الميزانية.

لكن التاريخ لم ينصف الرئيس الذي محنا أول كأس إفريقية، فقد مات في صمت وهو يتجرع مرارة الجحود، بعد أن زج به إدريس البصري في السجن في قضية اختلاس، قضى أربعة أشهر خلف القضبان ثم انتزع البراءة وتحول إلى جسد يتربص به المرض قبل أن يحوله إلى جثة هامدة.

يدين له لاعبو المنتخب الوطني في السبعينات بالفضل الكبير، فقد راهن على تشغيل عدد منهم في المصارف، وهو الذي جعل رباط العنق جزءا من مقتنيات لاعبين يستنشقون رائحة الأوراق النقدية كل صباح.

مات صانع مجد الكرة المغربية قبل أن يتم رد الاعتبار لعائلة السليماني، وحين فازت نجلته الروائية ليلى بجائزة «الكونغور»، قالت للصحافيين إنها لا زالت تحمل في قلبها تلك الغصة التي تحملتها عائلة السليماني عندما كان الوالد يجرد كل يوم من نياشينه.

سينال السليماني براءته الكاملة وهو في جوف قبره، ستقرأ ابنته صك البراءة في المقبرة، وتقرر صون اسم العائلة وإعادته إلى منصة التتويج، كما فعل والدها حين قاد المنتخب الوطني للظفر بكأس إفريقيا 1976 بإثيوبيا.

كان عثمان يحرص على ترويج المنتوج الكروي المغربي، وفي عهده حل ملك الكرة بيليه ضيفا علينا، وحلت كبريات الفرق العالمية بملاعبنا لتشارك في دوري سنوي يحمل اسم الراحل محمد الخامس. لكن الرجل عاش أقسى المحن في زمن كان فيه الفريق الوطني بمثابة جبهة متقدمة في القضية الوطنية.

كلما دعي السليماني على عجل إلى القصر الملكي، كان يعرف أن المنتخب المغربي مصاب بضربة برد، وكان يؤمن بأن المعادلات الحسابية التي راكمها ومقارباته الاقتصادية، لا تنفع في فك أزمات الكرة.

نصحته زوجته بالابتعاد عن كرة محشوة بالهواء، لكنه تمسك بتلابيب شغفه، وحدها ليلى انسلت من بين الجميع وقررت التألق خارج ملاعب الكرة، وهي التي عاشت وترعرعت في بيت حاولت فيه الثقافة أن تتعايش عبثا مع الكرة والمال.

بعد أن مارست المسرح والصحافة على سبيل الإعارة، تحولت ابنة رئيس الجامعة إلى روائية، فأًصدرت باكورة أعمالها «في حديقة الغول»، ستركب كوالدها صهوة التتويج، وستتلقى التهاني من الملك محمد السادس، وستجمع فوق صدرها وسام العرش المغربي ووسام الكفاءة الفكرية الفرنسي.

رجع الاعتبار لعائلة السليماني تدريجيا، وانتبه الناس إلى ليلى التي أهدانا والدها أول كأس إفريقية ثم مات. لقد كانت تعتقد أن الوجاهة الكروية والسياسية درع حصانة، قبل أن تكتشف أن الدرع مصنوع من الورق المقوى، وأن هزيمة في الملعب بهدف في حالة تسلل يجعل الكوابيس تتسلل إلى فراشك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى