
يونس جنوحي
يحكي السفير محمد التازي، في أوراقه الشخصية، واقعة تناولها الصحافي المصري محمد حسنين هيكل، يقول فيها إنه كان في زيارة إلى قصر الملك الإسباني خوان كارلوس سنة 1985.. وبينما كان ملك إسبانيا يستضيف الصحافي المصري في مكتبه الشخصي، إذا بالهاتف يرن، ولم يكن المتصل سوى الملك الراحل الحسن الثاني.. لكن هيكل سرعان ما كشف بنفسه -كما يشرح السفير محمد التازي- أن المشهد كله مختلق.. فقد قال إن الملك الإسباني خوان كارلوس قدم تعازيه للملك الحسن الثاني في وفاة الجنرال الدليمي.. في حين أن وفاة الجنرال كان مضى عليها عامان.. ولا يعقل أن يتأخر ملك إسبانيا كل هذه المدة لتقديم العزاء للملك الحسن الثاني. وهنا يكشف السفير محمد التازي تفاصيل «الحكاية»:
«يقول هيكل، وهو يفتري على التاريخ دون وازع من مهنة، أو احترام للقارئ: (في يوم من أيام شهر مارس سنة 1985، كنت في قصر خوان كارلوس ملك إسبانيا في ضواحي مدريد، جالسا معه في مكتبه ودق جرس التليفون، وكان معنى ذلك أن مكالمة هامة جاءت للملك، فليس من العادة أن يدق جرس تليفونه وأمامه أحد الزوار، وعرضت على الملك أن أخرج، ولكنه أشار بيده بما يعني أن أبقى، وبدأ حديثه مع طالبه على الناحية الأخرى. وفهمت من مجرى الحديث أنه الملك الحسن»، ونهضت من مقعدي، ومشيت عدة خطوات إلى رفوف الكتب المحيطة بجدران مكتب الملك. ومضت دقائق والحديث بين ملك المغرب وملك إسبانيا، ثم وضع الملك «خوان كارلوس» سماعة تليفونه، وعدت إلى مقعدي أمامه، وكانت الحيرة بادية عليه، وهز رأسه مبديا عجبه وقال لي «حسن» يعاتبني لأنني أرسلت إليه برقية عزاء في وفاة قائد جيشه الدليمي في حادث سيارة، ويقول لي إنه كان يجب أن أكون أذكى من ذلك!).
هذا ما كتبه هيكل عن اجتماعه بالملك الإسباني في يوم من أيام شهر مارس 1985 -أکرر.. شهر مارس 1985- وهذا يعني أن الملك خوان كارلوس بعث ببرقية التعزية إلى جلالته قبل يوم أو يومين أو أسبوع، من لقائه بهيكل… ويعني أيضا أن الكلفة مرفوعة بين هيكل وخوان كارلوس، وإلا لما كرر على سمعيه اتهام جلالة الملك له بأنه قليل الذكاء! ولعل معظمكم اكتشف «الكذبة المبرقة» لصاحبنا محمد حسنين هيكل الكاتب الصحافي الكبير، الذي يتفق مع ناشري كتبه، بعدد الكلمات وليس بعدد الصفحات. إن الجنرال الدليمي مات يوم 25 يناير 1983، فهل تأخر ملك إسبانيا عن تقديم التعزية سنتين وثلاثة أشهر، والاجتماع المزعوم مع الملك خوان كارلوس – إن كان صحيحا – فقد تم في شهر مارس من عام 1985. كما يؤكد ذلك هيكل نفسه. ولقاء مع ملك لا يمكن أن ينسى تاريخه، وإذا كان الخطأ مطبعيا فإنه قد يكون في رقم السنة وليس في اسم الشهر، فمارس بعيد بحروفه عن يناير، ولذلك جعلت عنوان خرافة تعبيرا بالدارجة المغربية لأنه أصدق عنوان لأكذب قصة.. الكذبة المبرقة!
فهل يصدق قارئ، بعد هذه الأكاذيب المتتابعة، ما يكتبه هيكل؟ أليس كل ما نسبه إلى الشهيد المهدي بن بركة من بهتان القول زورا وبهتانا؟ أليس كل ما نسبه لجلالة الملك، ولمن قال إنهم مطلعون على أسرار السياسة المغربية من غير أن يذكر أسماءهم، من حديث مجرد تخيلات وأوهام، وأحلام يقظة؟».





