شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرملف الأسبوع

ورطة منشطين انفلاتات أثيرية انتهت أمام المحققين

 

خلافا لما يعتقده البعض، فإن ما بات يعرف بالانفلات الأثيري، ليس وليد نشأة الإذاعات الخاصة في المغرب، بل شهدته الإذاعة المغربية منذ عقود. لكن هامش الحرية الذي تملكه المحطات الإذاعية الخاصة وتجسيد الكثير من برامجها الحوارية، والتفاعلية بالخصوص، مبدأ التعددية وإعلام القرب، ساهم بشكل كبير في ظهور هذه الانفلاتات، سواء من منشطين أو من مستمعين أو حتى تقنيين.

في سنة 2006، أعلنت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري موافقتها على مشاريع الإذاعات الخاصة. انطلق البث التجريبي لعدد من المحطات فيما اختارت أخرى أن تدخل المباراة دون إحماء، في ما يشبه الفسيفساء الأثيري حيث يمكن بجولة عبر المحطات البحث عن الذوق المطلوب بين منتوج فني ورياضي واقتصادي واجتماعي وسياسي وشبابي وهلم جرا، وسط رغبة في توسيع مجال التغطية الإذاعية لتشمل أحواض استماع أخرى ظلت تحت سيطرة إذاعة «الرباط» لسنوات.

أمام تدفق المحطات التي يتمركز أغلبها في العاصمة الاقتصادية، اضطرت الكثير منها إلى الاستعانة بمنشطين شباب كثير منهم لا يملكون الخبرة الكافية في التنشيط الإذاعي، وفئة منهم غير ملمة بضوابط دفاتر التحملات، ما أفضى إلى ارتكاب عدد من الهفوات منها ما ارتقى إلى درجة الفضيحة ومنها ما صنف في خانة التخاريف، ومنها ما استنفر «دركي» الإعلام السمعي البصري «الهاكا» فأصدر عقوبات تعيد قياس جرعات الحرية الإعلامية.

يصف الإذاعي أحمد علوة هفوات الميكروفون بـ «دهشة البداية» التي قد تبرر الأخطاء، لكن بعض المنشطين الإذاعيين تجاوزوا هذه «الدهشة» دون أن يتسلحوا بما يكفي من المهنية، ويتجاوزوا سقطات البداية، بل إن عقوبات «الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري» لم تنه الانفلات الحاصل في الإذاعات خاصة في الحوارات التي تلامس «الطابوهات»، والتي تنقل حديث ولغة الشارع ونقاشاته إلى استوديوهات المحطات الإذاعية.

في الملف الأسبوعي لـ»الأخبار» رصد لبعض الانفلاتات الأثيرية التي نجاوزت حدود تأديب جهاز «الهاكا».

حسن البصري

 

«مومو» أمام القضاء بسبب واقعة سرقة وهمية

أصدرت المحكمة الزجرية لعين السبع بالدار البيضاء قرارا يقضي بإرجاء النظر في الملف، الذي يتابع فيه المنشط الإذاعي بـ«هيت راديو» محمد بوصفيحة الملقب بـ «مومو»، إلى يوم الثلاثاء 2 أبريل 2024، حيث يتابع هذا الأخير في حالة سراح بعد أداء كفالة 100 ألف درهم، وبالمقابل يتابع شخصان في حالة اعتقال.

بدأت أولى خيوط القضية باتصال مستمع من الدار البيضاء بالبرنامج الذي يقدمه «مومو»، وفجأة سينقطع الخط، حينها سيبدي المنشط الإذاعي أسفه لانقطاع التواصل قبل أن يعاود المستمع الاتصال من هاتف آخر، ويدعي أن سبب الانقطاع يرجع إلى تعرض هاتفه للسرقة. حينها سيبدي «مومو» أسفه من انتشال هاتف الشخص أثناء اتصاله مع الإذاعة، بل إن المستمع قدم تفاصيل حول السارق وقال إنه ركب دراجة نارية كانت في انتظاره ثم اختفى عن الأنظار.

القضية تجاوزت الواقعة في حد ذاتها، وامتدت إلى تحديد مكان السرقة «طريق أولاد زيان»، حيث ادعى المتصل أن المنطقة تعرف انفلاتا أمنيا. هذا الحوار الأثيري سيحرك مصالح الأمن الوطني، حيث أوضحت الأبحاث المنجزة، بتنسيق مع مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، أن الشخص المتصل انتحل «هوية مغلوطة»، واختلق واقعة سرقة وهمية بمشاركة شخص ثان، ولم يراجع أي مصلحة أمنية، وأنه تحصل على الهاتف بغرض تحقيق منافع شخصية والرفع من مشاهدات الإذاعة المذكورة ومن قناته، وأنه يحمل اسما آخر غير الاسم الذي تحدث به للإذاعة، وتبين أن المشارك الثاني في ارتكاب هذه الأفعال الإجرامية، التي تمس بالشعور بالأمن والسكينة العامة، سبق أن قام بعدة عمليات تدليسية مماثلة وفق نفس الأسلوب الإجرامي.

فتحت المصلحة الولائية للشرطة القضائية بمدينة الدار البيضاء بحثا قضائيا تحت إشراف النيابة العامة المختصة، وذلك «لتحديد جميع المتورطين في اختلاق جريمة وهمية، ونشر خبر زائف يمس بالإحساس بالأمن لدى المواطنين بواسطة الأنظمة المعلوماتية، وإهانة هيئة منظمة عبر الإدلاء ببيانات زائفة».

وكانت «هيت راديو» سباقة للبث عند تحرير هذا القطاع، بل كانت السباقة أيضا في تلقي العقوبات من طرف الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، إذ لم يمر على انطلاقتها سوى عام ونصف حتى نالت ثلاث عقوبات دفعة واحدة، إنذار وتغريم مالي قدره 100 ألف درهم وتوقيف الخدمة الإذاعية بسبب حلقة من برنامج «ليبر أنطين»، الذي كان ينشطه «مومو» ويناقش مجموعة من الطابوهات.

عللت «الهاكا» قرارها وهي تعاقب برنامج مومو بـ «خلل واضح في التحكم في البث واستخفاف غير مقبول في معالجة المتعهد للمواضيع المثارة ومس بكرامة بعض المشاركين، والاستهانة بالتأثير المحتمل لهذه النقاشات على المستمعين عموما وعلى المستمعين الشباب المستهدفين من طرف البرنامج».

رد مومو على غضب الشارع، واختار الرد على طريقته من خلال شريط فيديو، استند فيه إلى حرية التعبير وقال إن برنامجه يحقق نسبة استماع عالية وأنه «يشرف المغرب».

 

عيوش يورط «راديو مارس» بموقف عدائي

كان هشام عيوش وراء أبرز نكبة أثيرية في محطة «راديو مارس»، حين حل ضيفا على حلقة من برنامج «ماغ مارس»، في نهاية شهر ماي 2010 وغادرها بقرارات في حق الإذاعة ومنشطة البرنامج الذي قال فيه إن أمنيته في الحياة أن يصبح رئيسا لنظام جمهوري.

في قرار استعجالي بادرت الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري بوقف بث «راديو مارس» لمدة 48 ساعة وبفرض عقوبة مالية عليه قدرها 57 ألف درهم، لإخلاله بالالتزامات القانونية الواردة بقانون الاتصال السمعي البصري ودفتر تحملات المتعهد، بعدما اتضح أن الحلقة المذكورة «تضمنت مسا بثوابت المملكة المغربية كما هي محددة في الدستور، وخصوصا المتعلقة منها بالنظام الملكي، في الوقت الذي لم تقدم منشطة البرنامج أي دليل على التحكم في البث كما هو منصوص عليه في دفتر تحملات «راديو مارس».

وعلى الفور توقف برنامج «ماغ مارس» وتم بث بلاغ باللغتين العربية والفرنسية اعتبر فيه تصريحات الضيف «لا مسؤولة ولا تحترم مقدسات المملكة المغربية»، كما تم بث النشيد الوطني على امتداد ساعات التوقيف. وخضع المعني للتحقيق من السلطات الأمنية حول أمنيته التي تضرب في الصميم التفاف الشعب حول ثوابت الملكية. وجاء في بلاغ «الهاكا» إنه «أخذا بعين الاعتبار ما اتخذه المتعهد من إجراءات فورية، منها توقيف برنامج «ماغ مارس»، وبث بلاغ باللغتين العربية والفرنسية اعتبر فيه تصريحات الضيف «لا مسؤولة ولا تحترم مقدسات المملكة المغربية»، اكتفت الهيئة بفرض عقوبة مالية على شركة «راديو 20»، التي تقدم الخدمة الإذاعية المذكورة».

بالمقابل سيقدم المخرج هشام عيوش توضيحات تختزل تدخله الإذاعي في خانة «الدعابة» وأنه لم يكن يقصد التمرد على مقدسات البلاد، أو التحريض على الانفلات.

 

توقيف برنامج للوعظ بسبب ربط سرطان الرحم بالدعارة

في منتصف شهر مارس 2018، قررت السلطات المغربية، توقيف بث برنامج ديني إذاعي لأسبوعين، بسبب ما اعتبرته «إخلالا بكرامة المرأة»، استنادا إلى موقف ضيف برنامج «دين ودنيا» عبد الرحمان السكاش. وجاء في بيان للمجلس أن ضيف البرنامج زعم بأن «النساء الأكثر عرضة للسرطان هن اللواتي يمارسن الدعارة والخيانة الزوجية».

وأضاف البيان الذي صدر بعد مرور شهرين على بث الحلقة أن هذا الادعاء هو «إخلال بالمنظومة القانونية والتنظيمية الجاري العمل بها، ولاسيما تلك المتعلقة بكرامة المرأة، والضوابط المتعلقة بعدم وصم المرضى، والتي قد تؤدي إلى عزوف النساء عن الكشف المبكر عن هذا المرض، ما قد يشكل خطرا على صحتهن وحياتهن». علما أن ما ذهب إليه الواعظ الديني «لم يتقيد بالضوابط المتعلقة بتقديم معلومات ومعطيات صحية مؤكدة وذات مصداقية، كما لم تتدخل إدارة البرنامج أو تتحفظ على كلام الضيف».

وقالت «الهاكا» في بيانها، إن حلقة 19 يناير 2018 من برنامج «دين ودنيا» تضمنت سؤالا لأحد المستمعين حول الحكمة من العدة عند المرأة المتوفى عنها زوجها أو المطلقة، وجاء في جواب ضيف البرنامج القار، الذي يقدم بصفته «شيخا وداعية»، وبشكل غلب عليه القطع، عبارات من قبيل: «لذلك أكثر النساء عرضة للسرطان هن النساء اللواتي يتعاطين للدعارة واللي تيتعاطوا للخيانة الزوجية». وهي العبارة التي استنفرت الهيئات الحقوقية والنسائية على الخصوص.

من جهتها دافعت إذاعة «شدى إف إم» عن موقفها، وصنفت التصريح في خانة «التعبير عن اختلاف وجهات النظر في إطار من الاحترام للآخر»، معبرة عن استعدادها لاستقبال أي طرف يمكن أن يدلي بوجهة نظر مختلفة، مشيرة إلى تخصيصها حلقة مباشرة حول علاقة تعدد العلاقات الزوجية بالأمراض. «تستغرب الإذاعة من وصفها بالتطرف، في حين أنها الإذاعة الفنية الأولى بالمغرب، وتفتح برامجها المباشرة لمختلف التيارات الفكرية والمجتمعية والسياسية والإديولوجية، دون أدنى تمييز».

نفس البرنامج سبق وأن أغضب القائمين على القطاع السمعي البصري، حيث شكلت حلقة 13 مارس 2015 من «دين ودنيا» موضوع تحريات الهيئة، إذ إن حلقة تناولت قضية «التشيع وانتشاره بالمغرب»، عرفت وصفا قدحيا للشيعة، مشيرا إلى ولائهم لدولة إيران التي وصفها بـ «الجمهورية الفارسية الماجوسية»، ضدا على مبادئ حرية الغير وملكيته والتنوع والطابع التعددي للتعبير في جميع أشكاله من تيارات الفكر والرأي وكذا احترام القيم الدينية والحفاظ على النظام العام والأخلاق الحميدة ومتطلبات الدفاع الوطني.

تلقت الإذاعة إنذارا وتم توقيف بث البرنامج لمدة شهر وهو القرار الذي صدر في الجريدة الرسمية.

 

عون سلطة يوقف برنامجا إذاعيا مباشرا

في ليلة السبت/ الأحد 26 يناير 2019، قام عون سلطة «مقدم» باقتحام مقر الإذاعة الجهوية بمراكش، وولوج الاستوديو أثناء بث برنامج إذاعي، وكان مرفوقا بأحد أصدقائه، بل وطلب من الحضور الإدلاء ببطاقاتهم الوطنية عبر رفعها للتمكن من تحديد هويات الحاضرين وهم من الفعاليات الفنية والثقافية للمدينة.

أثناء سهرة على الأثير مباشرة، في إطار «ليالي مراكش»، من تنشيط الصحافيين حسن بنمنصور وأنس الملحوني، وهي الحلقة التي حلت ضيفة عليها الفنانة كريمة الصقلي، «في غمرة الحديث عن المسار الفني للفنانة، سيحاول شخصان كانا في حالة عربدة واضحة، اقتحام مقر الإذاعة مدعيان أنهما من أعوان السلطة، ولم تردعهما توضيحات الحارس الخاص للإذاعة بأن هناك بثا مباشرا على الهواء، وهو ما يشكل إخلالا بالعمل المهني لصحفيي الإذاعة ولحقوق المستمعين، إذ وصل بهما الأمر إلى اقتحام القِمطر الفني، ومطالبة العاملين بالمحطة الإذاعية وضيوف البرنامج بالإدلاء ببطائق التعريف الوطنية الخاصة بهم، محدثين حالة ارتباك وصخب وصل صداها إلى المستمعين الذين كانوا يتابعون أطوار السهرة»، حسب ما أورده الكاتب عبد الصمد الكباص.

نشرت فاطمة أقروط، مديرة المحطة، تدوينة على حسابها الخاص جاء فيها: «قبل دقائق اقتحم أحدهم بوابة الإذاعة الوطنية في مراكش ودخل إلى الأستوديو وخلق الفوضى وأخل بالبث المباشر لسهرة ليالي مراكش، كما لاحظتم ذلك على المباشر- الرجل ماهو لا سكير أو عربيد أو مختل عقليا، الرجل ادعى أنه مقدم وعون سلطة اقتحم الإذاعة وتمكن من دخول الأستوديو للتحقق من هوية الضيوف ومعرفة ما يجري».

خضع العون للتحقيق وتم طرده من وظيفته بعد اجتماع النقابة الجهوية للصحافة الوطنية مع والي مراكش، فضلا عن بلاغ الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي أدانت هذا السلوك الذي وصفته بالأرعن، «يعد هذا السلوك انتهاكا لحرمة مؤسسة عمومية و»بلطجة» للتشويش على العمل الإعلامي، وتجاوزا لا يمكن نعته إلا بتغول رجال السلطة بمن فيهم أعوانها الذين يتصرفون بعنجهية وسطوة تحت أعين رؤسائهم».

وارتباطا بنفس المحطة الإذاعية سبق للمنشط الإذاعي هشام لمغاري أن اتخذ قرارا بمغادرة استوديو الإذاعة في مراكش، خلال بث إحدى الحلقات التي ينشطها بسبب تهجم من أحد المستمعين.

 

على أثير «إم إف إم».. عشاب يهدد الأطباء بالإفلاس

كشفت حلقات برنامج «عندي دواك»، الذي كانت تبثه إذاعة «إم.إف.إم»، عن وجود مجموعة من الاختلالات كانت موضوع عدة رسائل من المستمعين ومن الأطباء والصيادلة، وذلك من خلال الحلقات التي استضافت جمال الصقلي وقدمته بصفته دكتورا وخبير أعشاب، إذ ظل يقدم على الأثير وصفات لعلاج بعض الأمراض.

لكن حلقة فاتح أبريل 2013 أثارت الجدل بعد أن وصف الخبير علاجا لمرضي الالتهاب الكبدي والسرطان من خلال الحوار الإذاعي التالي مع أحد المستمعين:

«أنا عندي باتيت بي مشيت عند الطبيب وقال لي غير ارتاح وكول. اسمع آخويا، بالزربة، بلا ما تصدع راسك وتجي عندي وتعذب راسك وكلشي، ونحسب عليك الفلوس وكلشي، خود الفابور الساهل، خود غير لوراق ديال الخرشف، راه دقة بطلة، راه الرحمة، خرجان العقل، ضد الكونسير ديال الكبدة، ضد لي باتيت».

وفي حلقة أخرى حول فقر الدم قال «خبير الأعشاب»:

«فقر الدم هضرنا عليه، أحسن حاجة ممكنة لفقر الدم، ومجربة، وأنا مجربها لمئات الخطرات، ما كاينش ما أحسن من لاسبيريلين، لاسبيريلين نوع ديال الخز ديال الما».

واعتبرت هيئات الصيادلة والأطباء هذا البرنامج نوعا من «التحريض على نهج سلوك يضر بالصحة أو سلامة الأشخاص والممتلكات أو حماية البيئة»، دون اعتبار للمنظومة القانونية الجاري بها العمل وللضمانات المفروضة لمزاولة مهنة الطب، ودون تحفظ من طرف منشطة البرنامج كما يقتضي ذلك واجب التحكم في البث.

طالبت الهيئة بتوضيحات في الموضوع، ودعت الإذاعة إلى إرسال نسخ من شهادات ودبلومات ضيف البرنامج جمال الصقلي، لكن تبين أن الضيف المذكور مستمر في وصف علاجات لأمراض خطيرة، خاصة وعلى سبيل المثال خلال حلقة 17 يونيو 2013 التي تضمنت وصف علاج مرض «السرطان» بتناول 10 كيلوغرامات من الطماطم يوميا. حينها أصبح توقيف البرنامج الذي جلب أكبر نسب استماع أمرا مكتوبا.

 

المنشط عمي إدريس أمام الأمن بسبب نكتة من طفل

خلال استضافته في برنامج «غلطة العمر» على قناة «تيلي ماروك»، لم يخف المنشط التلفزيوني إدريس كريمي الملق بـ»عمي إدريس»، ميولاته اليسارية، وقال إنه لم يخرج عن القاعدة، في الستينات والسبعينات حين كان الفكر الماركسي مسيطرا على الشباب، وكان كغيره في الثانوية معجبا بشخصية غيفارا، هذا البطل القومي المحبب للكثيرين ليس في بلده فحسب بل في العالم، وكانت صورته تزين دفاتر طلاب المدارس الذي يحلمون بمحاكاة هذا البطل المؤمن بالثورة المنادي بمحاربة الظلم.

يقول كريمي: «في أحد برامجي كنت أخصص فقرة مفتوحة للأطفال، يقدمون فيها نكتة أو يتحدثون عن طريفة حصلت لهم، بمعنى أن الفقرة عبارة عن مساحة حرة. لكن أحد الأطفال تناول الميكروفون وشرع في تقديم نكتة يسخر فيها من زعيم سياسي بشكل عفوي، ربما لم يكن يعرف حتى صورته. تدخلت على الفور وسحبت منه الميكروفون، ومنذ ذلك الحين قررت أن ألغي هذه الفقرة من أعمالي المباشرة. في اليوم الموالي فوجئت برجلي أمن بزي مدني، طلبا مني مرافقتهما إلى الرباط لغرض يهمني، لم يتحدثا إلي على امتداد الطريق الرابط بين الدار البيضاء والرباط، وحين وصلنا إلى مقر البوليس السياسي طلبا مني النزول ووجدت نفسي في مكتب المحققين. شرعوا في استنطاقي لساعات بسبب نكتة منفلتة لا أتحمل مسؤوليتها».

سأله المحققون عن انتمائه السياسي، عن علاقته بالأحزاب عن أصدقائه، فنفى وجوده في تنظيم حزبي كما نفى واقعة اعتقال سياسي، إلا أنه سيفاجأ بالمحقق وهو يخرج من رف مكتبه صورة لإدريس تعود لإضراب طلاب الدار البيضاء سنة 1965، حيث ظهر في الصف الأول للمحتجين وكأنه يقود مظاهرة طلابية.

سألني المحقق: «من هو هذا المناضل؟ فاستغربت لوجود صوري في دواليب البوليس، وأكدت أن النضال في تلك الفترة كان ظاهرة شبابية. أحمد الله أن رئيس المقر الأمني تعرف علي وأفرج عني في منتصف الليل. سألت المخبرين عما إذا كان هناك من سيعيدني من حيث أتوا بي، فكان الرد قاسيا ولم أجد بدا من قضاء الليلة في الهواء الطلق، كل هذا بسبب نكتة منفلتة».

 

الحسن الثاني يأمر بوقف بث برنامج رمضاني

كانت الإذاعة الوطنية تقدم خلال شهر رمضان برنامجا تحت عنوان «ليالي رمضان» بإشراف من رئيس قسم الإنتاج محمد القايد بن عبد السلام، وينطلق من منتصف الليل إلى الثالثة صباحا. لكن هذا البرنامج سقط في المحظور ونال عتابا ملكيا يروي تفاصيله مدير الإذاعة السابق عبد الرحمن عاشور في مذكراته تحت عنوان «رجل سلطة في الإذاعة».

«في ليلة من الليالي الرمضانية لسنة 1988، استيقظت على رنين الهاتف المنزلي، وما أن رفعت السماعة حتى دوى في أذني صوت المدير العام وهو يسألني عن البرنامج الذي يبث في تلك الساعة، فأجبته بأن الأمر يتعلق ببرنامج «ليالي رمضان» وأن حلقة الليلة مخصصة لمسؤولية المرأة. ومن بين المتدخلات الكاتبة فاطمة المرنيسي وفاطمة الزهراء طموح أستاذة جامعية ورابحة الطويل صاحبة معمل للزرابي في سلا، والمطربة سمية عبد العزيز، بعد أن توصل بهذه المعلومات طلب قطع الاتصال والعودة لاستكمال المحادثات».

تبين لعبد الرحمن أن المدير العام جمع بيانات حول برنامج لا علم له به، وأن جهات عليا هي التي استفسرته في الموضوع، فبادر إلى الاتصال بالسيدة ليلى التي كانت تشرف على البرنامج وطلب منها وقف البث، فقامت بإدراج عدة أغاني دون أن تقدم مبررا، «عشت ليلة ليلاء لم يزرني فيها النوم، وبمجرد وصولي إلى مقر الإذاعة في اليوم الموالي جدد المدير العام الاتصال بي طالبا التسجيل الكامل للبرنامج، مع تقرير مفصل حول ما جاء في المداخلات، فجاءت المفاجأة الصادمة حين علمت بأن جلالة الملك الحسن الثاني هو من أمر بإيقاف بث البرنامج، بعد أن سمع الأستاذة الجامعية طموح وهي تتساءل: لماذا لا تطبق التعاليم الإسلامية إلا إذا تعلق الأمر بالمرأة، ويتم تجاهلها في الأمور الأخرى كالديمقراطية والعدل ومحاربة الفساد»؟

تبين في ما بعد أن الملك لم يطالب بوقف البث، بل قال لأحد مرافقيه أثناء الاستماع للبرنامج، «قلب الموجة».

عاشور، الذي كان تطرق لتفاصيل دقيقة في مروره من الإذاعة الوطنية، لم يغفل وهو ينهي مذكراته ذكر بعض الهفوات الإذاعية التي عايشها، وأبرزها حين قال المذيع في أحد البرامج الخاصة بالسلامة الطرقية: «نطلب من سائقي الحافلات عدم السماح للراكبين بولوج الحافلات من الناحية اليسرى»، مع العلم أن أبواب الحافلات تقع كلها على اليمين».

 

غرنيط يضطر لفض نزاع بين وزيرين على المباشر

لم يكن عبد الله غرنيط مجرد مدير للإذاعة والتلفزة أو وزير ومسؤول رفيع المستوى في عهد الملك الراحل الحسن الثاني، بل كان صديق شبابه، حيث اعتبر رفيق درب ولي العهد، الذي كان يتقاسم معه الفصول الدراسية والعديد من الهوايات خاصة الفن السابع، وحدها كرة القدم هي التي سقطت من مفكرة عبد الله.

في سنة 1962، شرع غرنيط في مهامه، لكنه لم يتردد يوما في خلق الحدث، حين دخل وهو حينها مديرا للإذاعة والتلفزة، إلى الاستوديو وظهر أمام المشاهدين وهو يحاول فض نزاع بين وزيرين وهما امحمد الدويري وإدريس السلاوي، خلال برنامج حواري، حيث ظلا يتبادلان التهم رغم محاولات الصحافي محمد بن ددوش سل شعرة النزاع، خاصة وأن البرنامج كان على الهواء مباشرة.

وعلى حين غفلة والنقاش على أشده، تقدم نحونا مدير الإذاعة والتلفزة عبد الله غرنيط واقترب حتى دخل مجال الكاميرا يراه المشاهدون، وانبرى باللائمة على الرجلين بسبب الصورة السيئة التي يقدمانها للمواطنين. «كل هذا الكلام وكل هذا اللوم وهذا التوبيخ الموجه لوزير في الحكومة ووزير سابق كان منقولا بالصوت والصورة على الهواء إلى المشاهدين، لأن التلفزة لم توقف البث، بل استمرت في النقل المباشر لكل أطواره إلى نهاية المعركة»، يقول بن ددوش في مذكراته. لقد ظلت هذه الواقعة طيلة عقود بعيدة عن اهتمام الإعلاميين وحتى لدى الذين عايشوها منهم، إلا أن الإعلامي عبد الله شقرون لم يغفل الحديث عنها في كتابه «الإذاعة والتلفزة المغربية وقائع وذكريات» الصادر عام 1999.

«لقد علمت في ما بعد أن السيد كديرة الذي جاء إلى التلفزة مرافقا لصديقه السيد إدريس السلاوي، كان يقوم بدور مساعد المخرج إن لم يكن هو المخرج الحقيقي، وكان يشير إلى مخرج البرنامج بانتقاء اللقطة التي تخدم صاحبه»، يضيف بن ددوش. أرخى هذا الحدث بظلاله على المدير غرنيط وجعله يفكر جديا في المغادرة الطوعية، ليشارك الملك في صياغة العديد من المبادرات السياسية، أبرزها ميلاد حزب التجمع الوطني للأحرار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى