شوف تشوف

الرئيسيةالقانونية

أثر أزمة كورونا كقوة قاهرة على تنفيذ الالتزام التعاقدي

هشام ازكاغ دكتور في الحقوق

عرف الوضع الراهن في كل دول العالم أزمة خانقة، بسبب الوباء الفتاك فيروس كورونا المستجد «كوفيد 19»، الذي خلف خسائر مادية وبشرية، ولقد كانت البؤرة الأولى لظهور هذا الفيروس بدولة الصين، وبالضبط مدينة «ووهان»، فالمغرب بدوره لم يسلم من هذا الفيروس، مما استلزم عليه اتخاذ جملة من الإجراءات الاحترازية الخاصة بإعلان حالة الطوارئ الصحية، وذلك بموجب مرسوم 2.20.292، من أجل الحد من انتشار هذا الفيروس، وبالتالي كان لهذا انعكاس على كل جوانب حياة الأفراد، سواء منها الاجتماعية أو الاقتصادية، بل وحتى كل المعاملات والعقود التي انعقدت سلفا وجرى تنفيذها في الوقت الراهن.
ومن ثم فإننا نتساءل هنا عن مدى إمكانية المدين الدفع بعدم تنفيذ الالتزام المبرم سلفا، استنادا إلى أزمة كورونا من خلال اعتبرها قوة قاهرة، من شأنها تأجيل تنفيذ الالتزام، وعدم وجوده، أي «المدين»، في حالة مطل؟
وللإجابة عن هذا التساؤل سوف نبحث أولا عن شروط تحقق القوة القاهرة من الناحية القانونية، ثم مدى توفرها في الظرف الاستثنائي المتمثل في أزمة «كورونا».
لقد تطرق المشرع المغربي في الفصل 269 من ظهير الالتزامات والعقود إلى أن القوة القاهرة هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه، كالظواهر الطبيعية والفيضانات والجفاف والعواصف والجراد وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا.
وجاء في الفصل نفسه أنه لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة الأمر الذي كان من الممكن دفعه، ما لم يقدم المدين الدليل على أنه بذل كل العناية لدرئه عن نفسه.
إن أول شرط يمكن أن نستشفه في التعريف الذي جاء به المشرع المغربي أعلاه يتمثل في شرط «عدم التوقع»، بمعنى أن تكون الوقائع التي تجعل من الالتزام التعاقدي مستحيلة التنفيذ غير متوقعة الحدوث من طرف الشخص المدين الذي يتمسك بها، وفي حالة ما إذا أمكن للشخص توقع حدوث تلك الوقائع، فإنه في هذه الحالة لا ينطبق عليها وصف القوة القاهرة.
ومن ثم فإن هذا الشرط متحقق في جائحة كورونا، على اعتبار أنه لا يمكن لأي شخص مهما كان توقع ظهور فيروس «كورونا»، وانتشاره بهذه السرعة الخطيرة بين مختلف الدول.
والشرط الثاني المستوجب توفره في واقعة القوة القاهرة فهو يتجسد في عدم القدرة على الدفع، بمعنى أن يكون الشخص المتمسك بعدم التنفيذ قد استحال عليه التصدي للواقعة المكونة للقوة القاهرة، أي إنها تتعدى الحدود الخاصة للشخص العادي.
وعليه فمتى كان بإمكان الشخص التصدي للواقعة المتمسك بها، ولو ببذل الجهد والعناية، فإن واقعة القوة القاهرة هنا غير محققة الوقوع من الناحية القانونية، حتى ولو كانت تلك الواقعة مما لا يستطيع المدين العادي توقعه، سواء أثناء إبرام العقد أو بعده أو وقت تنفيذه، وهذا هو ما قضت به مجموعة من المحاكم المغربية، وهذا هو ما عبر عنه المشرع المغربي عند قوله: «لا يعتبر من قبيل القوة القاهرة، الأمر الذي كان من الممكن دفعه…».
ولهذا هذا فإن الشخص المتمسك بفيروس كورونا المستجد كقوة قاهرة في تنفيذ الالتزام من حقه الدفع به، خصوصا أن هذا الوباء الفتاك قد واكبه إعلان الحكومة المغربية عن إجراءات دقيقة، من شأنها التأثير المباشر على كافة الالتزامات التعاقدية، أيا كان أصلها تجاريا أو مدنيا.
والشرط الثالث الواجب توفره في واقعة القوة القاهرة فهو يتعلق بالأطراف، إذ إنه لا يجب أن يكون لهذا الأخير إرادة في إثارة القوة القاهرة، وفي هذا الصدد نجد أن القضاء الفرنسي قد أقر على أنه لكي يعتد بواقعة كقوة قاهرة، فإنه يجب أن تكون أجنبية عن المدين، وعن جميع الأشخاص الذين يسأل عنهم قانونيا من الناحية المدنية.
ومن خلال كل هذا فإنه يمكن التأكيد على أن وباء «كورونا» من شأن الأطراف التمسك به في تنفيذ التزاماتهم، باعتبار أنه تنطبق عليه الشروط المعمول بها والمستوجبة في تحقق واقعة القوة القاهرة، ففي إطار المعاملات التجارية مثلا، فإن عدم الوفاء في تقديم الخدمة المتفق عليها بين التاجرين بمقتضى عقد مبرم سلفا، يجعل التاجر المدين هنا من حقه التمسك أمام القضاء بحالة الظروف السائدة في هذه الظرفية المتأزمة، مع التأكيد على أن قضاء الموضوع يبقى له كلمة الفصل في هذا الصدد.
وفي حالة ما إذا اعتبر فيروس كورونا ضمن حالات القوة القاهرة، فإنه يترتب عن هذا فسخ العقود المبرمة، ومن آثار الفسخ إعادة الحالة بين المتعاقدين إلى ما كانت عليه قبل التعاقد، ورد ما قبض تنفيذا للعقد.
وجدير بالإشارة هنا إلى أن القضاء الفرنسي اعتبر أن وباء كورونا يعد قوة قاهرة، وذلك من خلال قرار صادر عن الغرفة 6 لمحكمة الاستئناف «كولمار»، صادر بتاريخ 12 مارس 2020.
وندعو الدولة المغربية إلى السير على منوال بعض الدول الاقتصادية الكبرى كأمريكا والصين، من خلال استصدار شهادات «القوة القاهرة» لإبراء الأطراف من مسؤولياتهم التعاقدية التي يصعب الوفاء بها متى تحققت شروطها، وذلك من طرف لجنة خاصة يستحسن أن يكون ضمنها مختصون في المجال القانوني والاقتصادي، وذلك تعزيزا لمبدأ الأمن القانوني وتكريسا لمفهوم الأمن التعاقدي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى