شوف تشوف

الافتتاحية

أجندة الملك الحقوقية

رسمت الرسالة الملكية، بمناسبة الذكرى الـ70 لإقرار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، صورة واضحة عن مكانة الأجيال الحقوقية لدى أجندة أعلى مؤسسة في الدولة. فرسالة الملك محمد السادس لم تقتصر على تقديم الجوانب الإيجابية للتطور الحقوقي على المستوى القانوني والمؤسساتي والتفاعل الإيجابي تجاه التعهدات والالتزامات الدولية، وإنما شكلت رسالة من الجالس على العرش إلى المعنيين بالمسألة الحقوقية حكوميين وغير حكوميين لتحفيز الوعي تجاه نواحي التقدم والقصور في التجربة الحقوقية وأولويات السياسات العمومية والتدابير الإجرائية المتوخى اتباعها، ومدى تفاعل تلك السياسات مع متطلبات المجتمع.
لقد كانت رسالة الملك واضحة، لا حقوق إنسان دون إصلاح توجهاتنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فلا قيمة للترسانة القانونية الحقوقية التي صادق عليها البرلمان والبنود الدستورية المليئة بالحقوق والمصادقة على الاتفاقيات الدولية، وإحداث عدد من المؤسسات ذات الوظيفة الحقوقية، في ظل سيادة سياسات تنتج الفقر والأمية وخلق الفوارق الاجتماعية ومختلف أشكال التمييز. لذلك، شددت الرسالة الملكية على أن المدخل الأساسي لترسيخ ثقافة حقوق الإنسان لا بد أن تتم من باب السياسات العمومية لأنها الكفيلة بإحقاق الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لتضع بذلك اللبنة الأولى لمجتمع متضامن ومنسجم، يتمتع فيه كل فرد بالحق في الأمن والحرية والكرامة والمساواة.
ولم تغب عن تفاصيل الرسالة الملكية المتغيرات الإقليمية والعالمية التي فرضت على المسألة الحقوقية الكونية والوطنية تحديات إرهابية ينبغي التعامل معها ضمن استراتيجيات حقوقية واضحة، حيث ألمحت الرسالة الملكية إلى المخاطر التي تواجه المسألة الحقوقية المتمثلة في التيارات المتطرفة العنيفة والنزوع إلى الانغلاق ورفض الآخر والتعصب، مما ينبغي معه مراعاة الجوانب الأمنية في إطارها الإنساني الأشمل، ودون أن يؤثر جانب على آخر ويعطله. لذلك، أصرت الرسالة الملكية على ضرورة التلازم بين الحقوق والواجبات.. بين الحق في التعبير عن التنوع والتعدد وواجب تأمين وضمان ممارسة تلك الحقوق دون أن تكون ممارسة الحق على حساب الواجب وكذلك العكس.
بطبيعة الحال، فإن التوجيهات الملكية التي ترسم الأولويات الحقوقية نابعة من إرث تاريخي ودستوري للمؤسسة الملكية التي رسختها منذ 20 سنة من تولي الملك محمد السادس العرش، والذي دشن ملكه بمصالحة تاريخية بين المجتمع والدولة من الباب الحقوقي الذي أرسته هيئة الإنصاف والمصالحة، وما استتبعها من وضع أسس لمؤسسات دستورية لحماية ونشر حقوق الإنسان، بالإضافة إلى التزام أعلى سلطة في الدولة بالطابع الكوني للحقوق من خلال وضع ظهيره على تسع اتفاقيات أممية مؤسسة لحقوق الإنسان كان آخرها الانضمام إلى البروتوكول الأممي المتعلق بمناهضة التعذيب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى