أحفاد المطرودين من إسبانيا يحتفظون في الشاون بمفاتيح أجدادهم ووثائق الملكية
يونس جنوحي
تطوان، عاصمة المغرب الإسباني، مدينة خلابة شأنها شأن أي مدينة أخرى في الجنوب.
اتبع الإسبان «الموضة» الفرنسية وبنوا مدينتهم الأوروبية بعيدا عن المدينة الأصلية. الشوارع الضيقة في تطوان تطوقها القصبة والمحلات التجارية تتخذ الشكل نفسه، مثل الدكاكين الشرقية الضيقة.
أعلن الإسبان أن مدن سبتة، مليلية، الحسيمة، «شارافاريناس» و«بينون دوفاليس»، تقع كلها حاليا تحت سلطة وحُكم إسبانيا، بما أنها استُعمرت قبل توقيع معاهدة الحماية. هذه المدن تتم إدارتها مباشرة من إسبانيا. الوضع الاستعماري ينطبق أيضا على منطقة إفني الصحراوية، وهي منطقة مساحتها 740 ميلا مربعا، في الجنوب الغربي للمغرب، وساكنتها 42000 نسمة فقط.
الإحالات على «المغرب الإسباني» محدودة عموما في المناطق الموجودة في الشمال، نواحي تطوان. ورغم ذلك، فإنه، من الناحية التقنية، هناك منطقة تعتبر جغرافيا جزءا من المغرب. وهي منطقة صحراوية أخرى خلف «كابو يوبي» الواقعة على مساحة 10000 ميل مربع، لكن عدد سكانها 12000 نسمة فقط. ضُمت إلى مستعمرة «ريو دي أورو» وتتم إدارتها مع بقية أطرافها المكونة للصحراء الإسبانية.
مساحة إقليم الشمال، باستثناء المُدن المذكورة، 7600 ميل مربع، مع عدد تقريبي للسكان يبلغ 1.130.000
عادة ما يُخصص شارع واحد لنوع من أنواع التجارة، حيث يشتغل الحرفيون على منتجات نادرا ما يتغير طابعها على مر القرون.
يعيش الفقراء في أحياء فقيرة مكتظة بشكل صادم، لكن بعض منازل التجار واسعة يعم فيها الكرم، وبُنيت على أراض واسعة تُذكرنا بإسبانيا. وجدتُ في بعض هذه المنازل روابط أكثر، على صلة وثيقة بها. أطلعني رجل على مفتاح كبير الحجم لمنزل في إشبيلية، وأطلعني آخر على سندات الملكية لعقارات في غرناطة.
الرجلان من أحفاد العرب الذين طُردوا من إسبانيا قبل أربعمئة سنة.
كل يوم جمعة يتجول خليفة السلطان ومعه ابن عمه، فوق ظهر الخيل، في المنطقة. ويتجه من قصره إلى المسجد المركزي. لديه موكب يرافقه، مكون من الجنود السود، ضخام البنية. ومعه أيضا فرقة نحاسية غير متناسقة إلى حد ما. كما يرافقه أيضا القضاة، الزعماء الدينيون والتجار.
يؤخذ هذا الحفل قصير المدة على محمل الجد، فهو دليل واضح على أن المغرب لا يزال دولة مستقلة من الناحية القانونية، وأنه «محمي» فقط من طرف فرنسا وإسبانيا.
من بين المدن الأخرى في المنطقة لا توجد أية مدينة تضاهي روعة شفشاون. عندما طُرد المغاربة من غرناطة، تجولوا، ببؤس، فوق الأراضي الأمازيغية. قادهم حظهم ليروا أمامهم فجأة واديا أخضر في جبال الريف واتخذوه موقعا لغرناطة الجديدة.
صارت الشاون مدينة مقدسة معزولة عن العالم الخارجي. المسيحيون القلائل، الذين وصلوا إليها، كانوا في الغالب عبيدا لم يعودوا أبدا إلى إسبانيا.
الرائج أنه، إلى حدود سنة 1922، لم يتمكن المسيحيون من دخول شفشاون بحُرية.
عندما ذهبتُ إليها لأول مرة، سنة 1936، لم يكن استقبالي فيها ودودا.
بالمقارنة مع نواحيها المقفرة والمعزولة، فإن شفشاون جنة. بها ينبوع هائل من الماء البارد، المنفجر من سفح الجبل، يكفي للجميع. ومع توفر أشعة الشمس، فإن الأرض الخصبة المروية جيدا تُنتج فواكه لذيذة. الكثير من المشمش، البرتقال، وفواكه أخرى من هذا الصنف. ومع ذلك، فإن أعظم سحر في المدينة، بكل ما تتوفر عليه من روعة في الزوايا والأزقة الضيقة، صوت خرير المياه، وهو أجمل وأعذب صوت في إفريقيا.