شوف تشوف

الرأي

أوروبا شفافة بين طهران وواشنطن

سامح راشد

يعاني الأوروبيون معضلة قديمة، بدأت منذ عام 1945، مع نهاية الحرب العالمية الثانية وتراجع القارة العجوز في التراتبية العسكرية للقوى العالمية إلى المرتبة الثالثة، بعد الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي. جوهر تلك المعضلة تمحور التأثير الأوروبي في الأدوات الاقتصادية، مقابل محدودية القدرات والإرادة السياسية.
في سياق الملف النووي الإيراني، لم تملك أوروبا منع أو حتى إبطاء وتيرة اندفاع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، نحو إبرام اتفاق مع طهران، على الرغم من تحفظات أوروبية. ثم تكرر الأمر حين قرر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي، فلم تستطع أوروبا ثنيه عن ذلك، بل عجزت عن الاستمرار هي نفسها في الالتزام بمقرراته. وفشلت محاولات متنوعة للتحايل على العقوبات الأمريكية واستمرار التعامل الاقتصادي مع طهران، بما في ذلك آلية دعم الأنشطة التجارية المعروفة اختصارا باسم «إنستكس». وقد اعتبرت إيران أنها أخفقت في مواجهة العقوبات الأمريكية. وبالتالي، تعد أوروبا مقصرة في أداء الدور الذي كان يفترض أن تقوم به.
ولا بد من الانتباه إلى أن أوروبا ليست عاجزة فقط عن مواجهة الولايات المتحدة، بل أيضا عن مواجهة إيران. فعلى مدى ثلاثة أعوام منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق في ماي 2018، لم يتمكن الأوروبيون من إقناع طهران بالاستمرار في الالتزام الكامل به. حتى بعدما بادرت إيران إلى التحلل من التزاماتها النووية على مراحل محددة وبتوقيتات معلنة. واقتصر الأثر الفعلي لموقف أوروبا عند التصريحات الرسمية التي لم تخرج عن مناشدة ومطالبة واشنطن وطهران. وبعد تولي جو بايدن الرئاسة في البيت الأبيض، لم يختلف حال الأوروبيين، فانحصر أثر الحضور الأوروبي في تشجيع الطرفين على التفاوض، ثم تولي دور الناقل للمواقف التفاوضية، نتيجة رفض طهران إجراء مفاوضات مباشرة «علنية» مع الأمريكيين.
الجدير بالتأمل أنه مع تقدم المفاوضات، وإعلان الطرفين، الأمريكي والإيراني، عن تبلور بعض الأفكار التفاهمية بينهما. والاقتراب من النقاط الخلافية والقضايا الأكثر أهمية، بدأ الأوروبيون في الاختفاء من المشهد، وتقدم الروس، ليظهروا في الصورة طرفا وسيطا بشكل صريح وعلني. فقد كان للمفاوضات النووية النصيب الأكبر في زيارة وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أخيرا إلى طهران، إذ أعلن خلالها موقفا روسيا محددا ومعلنا من مسألة جوهرية في عملية التفاوض الجارية، فأكد تأييد موسكو قصر نطاق المفاوضات الحالية على الاتفاق النووي، وهو موقف إيران، على خلاف ما كانت تسعى إليه واشنطن بإدراج قضايا أخرى، عسكرية واستراتيجية، على أجندة التفاوض.
لم يكن لأوروبا دور ولا ذكر في هذا الشأن. وإذا أعلن الأوروبيون موقفا منها أو من غيرها في وقت لاحق، فالأرجح أن طهران ستتجاهله، فيما لن تعول واشنطن عليه كثيرا، حتى وإن جاء مؤيدا مطالبها. لأنه ببساطة سيكون موقفا مجردا من أي أدوات تأثير. فمثلا، لو كانت أوروبا نجحت خلال العامين الماضيين في تخفيف وطأة العقوبات الأمريكية على طهران، لكان في ذلك مدخل للتأثير وحافز لطهران كي تستجيب لأي مطالب أو مواقف أوروبية، لكن معضلة الأوروبيين في تلك المواقف أنهم دائما ينتظرون من الأطراف الأخرى تلبية طلباتهم، فيما لا يبذلون هم أي جهد لتحقيقها.
على الرغم من ذلك، يجب الإقرار بأن الوجود الأوروبي في فضاء العلاقات بين طهران وواشنطن ليس معدوم الفائدة، وإنما تلعب أوروبا دورا مهما في تسهيل (وربما ترشيد) تفاعلاتها، في ما يشبه دور العنصر المحايد في التفاعلات الكيميائية، فهو ليس معدوم التأثير بالمطلق، وإنما تأثيره ضئيل، وتكاد فعاليته تنحصر في تحفيز التفاعل بين العناصر الأساسية وتسهيله.

يجب الإقرار بأن الوجود الأوروبي في فضاء العلاقات بين طهران وواشنطن ليس معدوم الفائدة، وإنما تلعب أوروبا دورا مهما في تسهيل (وربما ترشيد) تفاعلاتها، في ما يشبه دور العنصر المحايد في التفاعلات الكيميائية، فهو ليس معدوم التأثير بالمطلق، وإنما تأثيره ضئيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى