حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةرياضةفسحة الصيف

أول حكمة مغربية تحمل الشارة الدولية وتجمع بين التحكيم والانتماء للمنتخب الوطني

قضاة الملاعب خديجة رزاك (حكمة دولية سابقة)

حسن البصري:

 

يعد الحكم من أهم أركان المنافسات الرياضية، صافرته وإشاراته وبطاقاته هي أدوات الردع الأقوى في المباراة، وحين يصدر قرارا فإنه غير قابل للتغيير إلا إذا كان للتكنولوجيا رأي مخالف.

في زمن مضى كان حكام المباريات أكبر سنا ممن يديرون مباريات اليوم، كانوا عنوانا للوقار والحكمة، وكانوا يحملون لقب «أصحاب البذل السوداء»، قبل أن تصبح كل الألوان مباحة إلا اللون الأبيض.

وعلى الرغم أنهم يحملون اليوم لقب «قضاة الملاعب»، إلا أنهم يشكلون الحلقة المهضوم حقها في حلقات منظومة الرياضة، لأنهم غالبا ما يكون مجني عليهم بسبب هفوات ناتجة عن انفلات الصفارات، إلا أنهم دخلوا عالم النجومية.

في سلسلة «طرائف قضاة الملاعب» سنحاول تسليط الضوء على جوانب خفية من حياة الحكام، من خلال حكايات فيها مواقف طريفة لازالت تذكر في مجالس حاملي الصفارات. وقائع تستحق أن تروى للجيل الحالي من الحكام ولو على سبيل العبرة والاستئناس.

 

نساء يقتحمن عالم التحكيم

يعتقد الكثير من متتبعي كرة القدم المغربية أن بشرى كربوبي أول امرأة تدير مباراة لكرة القدم في البطولة الوطنية، والحال أنها أول سيدة تقود نهائي كأس العرش المغربي لكرة القدم، حين أسندت لها مسؤولية قيادة المواجهة التي جمعت بين الجيش الملكي والمغرب التطواني في مدينة أكادير. بينما تعد الحكمة المغربية خديجة رزاك أول امرأة تقود مباريات البطولة الوطنية، قبل أن تنطلق البطولة النسوية، وأول امرأة مغربية تحصل على الشارة الدولية.

ليست المهمة سهلة، حين يعهد لامرأة بالفصل بين لاعبين في رقعة ملعب، في زمن يعيش فيه الحكام الذكور تحت الضغط.

ما أن انتهت مباراة أكادير حتى انهالت على الحكمة كربوبي شآبيب السخرية، فقد نشر أحد لاعبي المغرب التطواني صورة تؤرخ للحظة تلقيه البطاقة الصفراء من الحكمة، وأرفقها بصورة مطبخ، في إشارة إلى أن مكان بشرى الطبيعي هو المطبخ وليس الملعب.

حين تنصت لمعاناة الحكمات في ملاعب كرة القدم ينتابك شعور بالخزي والعار، فقد رفض فريق سوسي دخول الملعب لأن العصبة عينت امرأة تدعى كريمة خاضيري بدل رجل، دون مبرر لهذا «الفيتو»، ومرت الأيام وأصبحت كريمة حكمة دولية وأصبح الرافضون على ما فعلوا نادمين.

لم تسلم خديجة رزاك من شظايا الانتقاد في مجتمع كروي كان يعتبر المرأة كيانا دخيلا، لكن عشق خديجة وحبها الكبير لكرة القدم دفعها لترتدي في البداية زي اللاعبة لمدة طويلة، حيث قضت مسارا مميزا رفقة بعض الأندية المغربية ومثلت المنتخب الوطني في مجموعة من المناسبات، قبل أن تقرر تغيير دورها داخل رقعة الميدان وأن تصير القاضية التي تدير أطوار المباريات.

 

 

لاعبة ومقاتلة وحكمة

في سنة 1995 بدأت علاقة خديجة بالتحكيم رغم أنها كانت لاعبة متعددة الاختصاصات، تشارك في كل الأنشطة الرياضية فردية كانت أو جماعية، بل إنها حصلت على الحزام الأسود في رياضة فنون القتال، كانت تؤمن بأن الرياضة حق مكفول للمرأة والرجل لا فرق بين هذا وذاك إلا بالجهد والعزيمة.

في الثانوية لفتت خديجة أنظار مدرسي التربية البدنية بحضورها القوي في كل التخصصات، قبل أن تنضم لفريق نسوي بعصبة الغرب، هناك تألقت بشكل مميز وأصبحت نجمة للفريق والمنتخب الوطني كان في طور التأسيس.

توفي والدها وهي طفلة صغيرة، ووجدت في والدتها كل السند، فأعلنت التحدي على اليتم وشرعت في البحث عن خيط يقودها للحلم، «كنت كنلعب وكنقلب على راسي» لم تلتفت إلى الوراء وسارت في ركب المتألقات، وحين التحقت بالعمل وجدت في مدير الشركة الفرنسي الجنسية كل الدعم والمساندة.

تألقت خديجة ضمن فريق اتحاد تواركة كلاعبة، وحين علمت بواسطة المؤطرة عائشة الوزاني كرداسة بأن عصبة الغرب تبحث عن شابات لهن رغبة في دخول مجال التحكيم، تحمست للفكرة وفي أول لقاء مع إدريس العلمي رئيس لجنة التحكيم بعصبة الغرب تنبأ لها بمستقبل واعد.

قد تكون خديجة رزاك أول امرأة تجمع بين الانتماء للمنتخب الوطني لكرة القدم، لكن على مستوى الذكور فقد سبقها مصطفى يغشا اللاعب الدولي المغربي الذي اعتزل الكرة وامتهن الصفارة في الدوري السويسري.

بين المشاركة كلاعبة في المنتخب الوطني وحكمة في عصبة الغرب، كان لابد لخديجة أن تحسم الموقف، وبمجرد عودتها من نيجيريا بعد المشاركة في نهائيات كأس أمم إفريقيا 1998، اتخذت القرار وأعلنت انضمامها لهيئة التحكيم على مستوى العصبة قبل أن تحصل على درجة حكمة متجولة بين العصب.

ولأن هذه الفترة لم تكن تعرف انتظاما في التنافس بين الفرق النسوية لعدم وجود بطولة رسمية، واقتصار المنافسات على المباريات الودية والدوريات الجهوية، فإن خديجة قررت دخول مباراة تحكيم مباريات رجالية.

 

حكمة ولاعبة دولية قبل ميلاد البطولة النسوية

ككل البدايات فقد دشنت مشوارها التحكيمي بلعب دور الحكمة المساعدة، وكانت أول مباراة تخوضها بملعب حي يعقوب المنصور وجمعت أمل اتحاد الشرطة والقرض الفلاحي، كما قادت مباراة اتحاد المحمدية والمغرب الفاسي، لتثبت كفاءتها في قيادة مباريات ذكورية أمام جمهور ذكوري لم يستأنس بعد بوجود عنصر نسوي في الملعب.

بعد أن أثبتت ذاتها اجتازت رزاك سنة 1999 اختبارا مكنها من الارتقاء لدرجة حكمة وطنية، بعد أن تألقت في الامتحان الوطني ونافست العديد من الحكام المتمرسين دون أي مركب نقص.

في عهد جامعة الجنرال حسني بن سليمان، كانت رزاك حاضرة بقوة في المشهد التحكيمي، خاصة على مستوى دوري الهواة والقسم الوطني الثاني، لازالت تذكر مواجهات حارقة تمكنت خلالها من سل الشعرة من العجين دون احتجاج، خاصة مباريات كانت في فرق المغرب التطواني والدفاع الجديدي ووداد فاس والرشاد البرنوصي وهلال الناظور أطرافا فيها، كما سجلت حضورا لافتا في مباراة حارقة جمعت المغرب الفاسي والمولودية الوجدية خلال الموسم الرياضي 2002/ 2003.

ما سهل مأمورية خديجة الرزاك فهمها العميق لنفسية اللاعبين، فقد كانت لاعبة دولية وتشعر بما يحمله اللاعب من مشاعر الغضب حين يواجه بقرار انضباطي.

بعد ست سنوات من التمرس في ملاعب الكرة الذكورية، حصلت خديجة على الشارة الدولية وتحديدا في 2005، وهي السنة التي نالت فيها زميلتها سعاد أولحاج الصفة الدولية، وشاركت في السنة الموالية في نهائيات كأس إفريقيا لكرة القدم سيدات.

كانت سنة 2005 فألا حسنا على التحكيم النسائي المغربي فبعد رزاك نالت الحكمة المراكشية إنصاف الحركاوي، شارة دولية وقادت نهائي كأس العرش لكرة القدم النسوية وجمع شباب أطلس خنيفرة بالفتح الرباطي.

خاضت خديجة مجموعة من اللقاءات داخل المغرب وخارجه، خاصة على مستوى التصفيات القارية، وقادت مباريات إقصائية حارقة في مصر والجزائر ودول أخرى، كما عينها الاتحاد العربي حكمة رابعة في بعض المباريات أبرزها مباراة حلب السوري والرجاء البيضاوي برسم تصفيات كأس العرب. قبل أن تعلن اعتزال الصافرة نظرا لإصرارها على ارتداء الحجاب. لكن حلمها الكبير ظل مصادرا:

«كنت أحلم بقيادة ديربي الدار البيضاء بين الرجاء والوداد، وكلما تابعت مبارياته إلا وتجدد في دواخلي هذا الهاجس، لكن للأسف أنهيت مشواري دون أن أفصل بين فريقين كبيرين في قمة هي الأكثر متابعة على المستوى المغربي والعربي». تقول خديجة.

لم تظهر تباشير بطولة رسمية لكرة القدم النسوية بالمغرب، لكن الفرق كانت في طور التأسيس وتكتفي بخوض مواجهات ودية استعدادا لدخول التنافس الرسمي.

 

رزاك المراقبة والمندوبة والمكونة

نظرا لحضورها الوازن في مختلف المنافسات وإضرارها على الفصل بين الذكور، وبالنظر إلى رصيدها من المباريات الدولية، تقدم لها محمد الشهبي بمقترح للانضمام إلى لجنة التحكيم على المستوى القاري إلى جانب الحكمة الطوغولية، كما أنها رفضت مقترحا وضعها رهن إشارة كرة القدم الكندية لتكوين جيل جديد من الحكمات في هذا البلد إلا أنه ولظروف عائلية فضلت الاستمرار في خدمة التحكيم المغربي.

كانت خديجة أول امرأة تعينها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم ضمن فريق مراقبة الحكام والحكمات في الدوري الاحترافي، وكان ذلك سنة 2013 بعد أن اعتزلت الصفارة. ومع مجيء فوزي لقجع للجامعة تمت دعوتها للاشتغال ضمن طاقم المديرية الوطنية للتحكيم بإشراف من يحيى حدقة، حيث أسندت لها مهمة تتبع التحكيم النسوي كما قامت بمراقبة مجموعة من المباريات على الصعيد القاري، فضلا عن تعيينات أخرى كمندوبة لمباريات دولية.

 

تتذكر خديجة واقعة لازالت راسخة في ذهنها، وهي في بداية مشوارها التحكيمي، حيث تمت عرقلتها من طرف أحد المدافعين الذين اختلطت عليه الأمور وعرقل الحكمة بدل خصمه: «جمعوني بنص في الملعب حين كنت أقود مباراة من مباريات القسم الشرفي في مدينة الرباط برسم بطولة عصبة الغرب، حصل هذا على مشارف مربع العمليات، وحين سقطت أحاط بي اللاعبون وهم يستفسرون عن حالتي لكنهم فوجؤوا بلياقتي البدينة العالية التي جعلتني أقرب إلى العمليات، لم يكن الفعل مقصودا، لكن تعلمت من الواقعة درسا في توخي الحذر أكثر في مربع العمليات».

تتقاسم الحكمات مع إدارة الملاعب هم البحث عن حل لمشكلة غرف تغيير الملابس، فلا يمكن الاختلاط في غرفة واحدة حين يكون ثلاثي التحكيم مختلطا، لكن أحيانا تخصص غرفة جانبية للرجال وأخرى للنساء، أو يطلب من الحكام ارتداء زي التحكيم في الفندق قبل التنقل إلى الملعب، تفاديا لأي إحراج محتمل.

في كثير من الملاعب خاصة في دوريات القسم الثاني وبطولة الهواة يطرح هذا الإشكال بحدة، أحيانا  يغادر حكمان غرفة الملابس ليفسحا المجال لزميلتهما الحكمة بتغيير ملابسها وتصفيف شعرها ووضع مرهم مضاد للشمس على وجهها.

لكن خديجة ترى أن القضية لا تدعو للقلق، إذ أنه في حالة وجود امرأة ضمن طاقم التحكيم يتم تفهم الأمر بين الثلاثي: « أغلبية الحكام الذكور يرتدون ملابسهم ثم يغادرون غرفة الحكام كي يسمحوا لزميلتهم بتغير ملابسها القضية لا تأخذ سوى دقائق معدودات».

وفي علاقتها بالجمهور حين يتعلق الأمر بقيادة مباراة للذكور، تقول رزاك: «الجمهور عادة ما يبدأ المباراة بالتهجم وينتهي بالإعجاب. ذات يوم جاءت مراسلة قناة «بي بي سي» إلى ملعب البشير بالمحمدية لإنجاز تقرير حول مساري، كنت أقود مباراة للفريق المحلي، وفي نهاية المواجهة وقفت صامتة عاجزة عن النطق ولو بكلمة وبعد لحظات احتضنتني وهنأتني على قوة القيادة التي اكتسبتها».

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى