
محمد اليوبي
أفاد وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، بأن وزارته تنكب على وضع أسس مجموعة من الإصلاحات، التي تهم الجانب التشريعي المتعلق بمكافحة الأنماط المستجدة من الجريمة المعلوماتية، وذلك وعيا من الوزارة بأهمية التحول الرقمي وبالمخاطر الناجمة عنه.
وأكد وهبي، في جواب عن سؤال كتابي وضعه النائب البرلماني عن الفريق الحركي، إبراهيم أعبا، أن من شأن هذه الإصلاحات تجاوز الإكراهات العملية الناجمة عن تعدد وتشتت النصوص القانونية المطبقة على بعض الجرائم المرتكبة عبر هذه التقنيات الجديدة أو الناجمة عن وجود تداخل بين مجموعة من النصوص. وترتكز هذه التعديلات أساسا حول مجموعة من المبادئ، أهمها ضمان مبادئ حقوق الإنسان في الفضاءات الرقمية وضمان حرية التواصل الرقمي، إضافة إلى التركيز على بعض الأفعال الإجرامية المستجدة داخل الفضاء الرقمي.
وشدد وهبي على أن وزارة العدل حريصة كل الحرص على العمل على ملاءمة الترسانة التشريعية الوطنية مع مختلف الاتفاقيات الدولية. وفي هذا الإطار، تعمل في الوقت الحالي على إدخال التعديلات المناسبة على مشروعي القانون الجنائي والمسطرة الجنائية قصد الملاءمة الشاملة مع مختلف الالتزامات الدولية التي تقع على عائق المملكة المغربية في مجال محاربة جميع أشكال الجريمة الإلكترونية والتصدي لها.
وأوضح وهبي أن استغلال الوسائل التكنولوجية أضحى يطرح العديد من التساؤلات خاصة تلك المرتبطة بتنامي ظواهر استغلال الفضاءات الرقمية ووسائل الاتصال الحديثة في ارتكاب بعض الأفعال الإجرامية من قبيل نشر الأخبار الزائفة أو السب أو القذف الإلكترونيين، أو حتى عمليات الاحتيال الإلكتروني واستدراج الأشخاص وتقديم إرشادات لهم من أجل ذلك، خاصة في ظل ارتفاع عدد المستفيدين من خدمات الأنترنت واتساع نطاق المعاملات عن بعد، وتطور وسائل وأساليب ارتكاب الجرائم المعلوماتية، وما تشكله هذه الأفعال من مساس بحرية الأشخاص وبحقوقهم الأساسية.
وأشار وهبي إلى أن المملكة المغربية سبق لها أن بادرت منذ سنة 2003 إلى البدء في محاولة سد القصور التشريعي المتعلق بمختلف الجرائم الإلكترونية، وذلك من خلال تعزيز مجموعة القانون الجنائي بإطار قانوني يجرم ويعاقب على كافة السلوكيات الماسة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، كما تم تعزيز هذه المنظومة القانونية بمقتضيات زجرية في إطار قانون القضاء العسكري الجديد والتي همت بالأساس الجرائم المعلوماتية المرتكبة ضد النظم المعلوماتية والمواقع الإلكترونية التابعة لإدارة الدفاع الوطني.
وفضلا عن ذلك، يضيف وزير العدل، فإن القانون رقم 88.13 المتعلق بالصحافة والنشر والذي جرم مجموعة من السلوكيات الإجرامية المرتكبة بواسطة الوسائل السمعية البصرية أو الإلكترونية وأية وسيلة أخرى تستعمل لهذا الغرض دعامة إلكترونية لنشر الأخبار الزائفة أو التحريض على ارتكاب بعض الجنايات والجنح وغيرها، بالإضافة إلى وضع ضوابط تؤطر مجال عمل الصحافة الإلكترونية للحد من استغلالها في نشر وترويج بعض المحتويات الإلكترونية غير المشروعة، ومن بينها تلك التي تتضمن بعض سبل الاحتيال أو تروج له أو تحرض عليه.
وأشار وهبي إلى أن المملكة المغربية صادقت على اتفاقية بودابست بتاريخ 29 يونيو 2018، والتي تهدف أساسا إلى توحيد السياسات الجنائية بين الدول الأعضاء، وحماية المجتمع من الجريمة الإلكترونية. وبانخراطها في هذه الاتفاقية، أبرز وهبي أن المملكة أصبحت تتوفر على إطار قانوني يجرم المساس بخصوصية وتجانس وتوافر بيانات الكمبيوتر وذلك عبر تجريم العديد من الأفعال الإجرامية الماسة بأنظمة الكمبيوتر، من قبيل الدخول غير المشروع إلى نظام الكمبيوتر والاعتراض غير المشروع لعمليات إرسال غير عمومية، والتدخل في البيانات ثم التدخل غير المشروع في منظومة الكمبيوتر، واستخدام أجهزة الكمبيوتر، إضافة إلى الجرائم الماسة بالنظام.
وتهدف هذه الاتفاقية إلى تجريم الأفعال المتعلقة بالكمبيوتر من قبيل جرائم التزوير أو النصب المتعلقين بالكمبيوتر، كما تجرم الاتفاقية بعض الجرائم المتعلقة بالمحتوى والتي تهدف إلى حماية القاصرين وحماية الملكية الفكرية والحقوق المجاورة.
علاوة على ذلك، يضيف الوزير، صادقت المملكة على البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقية بودابست المذكورة سابقا، والمتعلق بتجريم الأفعال ذات الطبيعة العنصرية وكراهية الأجانب والتي ترتكب عن طريق الأنترنت والمؤرخة في 28 يناير 2003. وتوفر هذه الاتفاقية أساسا قانونيا لجميع الأفعال المرتبطة بأفعال الدعاية ذات الطبيعة العنصرية وكراهية الأجانب والتي يتم ارتكابها عبر مختلف الوسائط الرقمية.
وإضافة إلى ذلك، قامت المملكة في شخص وزير العدل بالتوقيع بتاريخ 12 ماي 2022 على البروتوكول الإضافي الثاني لاتفاقية بودابست الذي يهدف إلى تتميم الاتفاقية، وتمت المصادقة على هذا البروتوكول خلال لجنة وزراء مجلس أوروبا بتاريخ 17 نونبر 2021.
وتركزت مقتضيات البروتوكول حول مجموعة من المحاور، أهمها إرساء آليات بسيطة لإصدار الأوامر والطلبات لمزودي الخدمات التابعين لدول أخرى من أجل إعطاء معلومات حول المشتركين أو بيانات حركتهم خارج نطاق طلبات التعاون القضائي الدولي، ووضع أدوات تكميلية لضمان الحصول على بيانات المشترك مباشرة من مزود الخدمة من طرف آخر في الاتفاقية، ووضع آليات للكشف السريع عن بيانات حركة المرور في إطار تتبع مصادر الاتصال والعمل كنقطة انطلاق لجمع أدلة إضافية أو تحديد الشخص المشتبه فيه، بالإضافة إلى وضع آلية فعالة للحصول على المعلومات المتعلقة بتحديد الشخص الذي قام بتسجيل النطاق مباشرة من المؤسسات التي تقدم خدمات تسجيل أسماء المجال والمتواجدة داخل تراب الأطراف الأخرى من هذا البروتوكول، مع التنصيص على آلية جديدة في مجال التعاون وذلك إما بالمرور عبر آلية التعاون المستعجل، أو بالمرور عبر نقط الارتكاز المتوفرة 24 على 24 ساعة، فضلا عن التنصيص على الوسائل السمعية البصرية في مجال الأبحاث الجنائية المشتركة.
وأكد وهبي أن من شأن هذا البروتوكول تحسين قدرات الدول الأعضاء في مجال التعاون كما سيساهم في تعزيز التعاون مع مزودي الخدمات، مما سيمكن الدول من الحصول على وسائل الإثبات الإلكترونية خلال الأبحاث أو المساطر الجنائية، كما سيمكن هذا البروتوكول الإضافي من الرفع من قدرات جميع الفاعلين في مجال العدالة الجنائية ومساعدتهم على الحد من الجرائم المعلوماتية في ظل ضمان احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية.





