
صادق مجلس النواب، في جلسة تشريعية عقدها أول أمس الاثنين، على مشروع القانون المتعلق بإصلاح التعليم العالي، الذي أثار جدلا في الأوساط الجامعية. ويهدف المشروع إلى تحديد توجهات السياسة العمومية المتعلقة بالتعليم العالي والبحث العلمي، وكذا تنظيمه العام، سيما القواعد المتعلقة بهيكلته، ونظام حكامته، والقواعد العامة لهندسته البيداغوجية واللغوية، وآليات مواكبته وتتبعه وتقييمه.
غير أن السؤال المطروح هو هل يمكن اختزال أزمة الجامعة المغربية وأزمة التعليم العالي بشكل عام في مجرد قوانين تتطلب الإصلاح، أم أن الأزمة أعمق من ذلك، وتتطلب إرادة حقيقة لإعادة النظر بشكل جذري في منظومة التعليم العالي وجعلها قادرة على مواكبة مستجدات العصر؟
من أبرز الإشكالات التي يواجهها القطاع ارتفاع نسبة الهدر الجامعي لدى طلبة الجامعات، والتي تصل إلى 50 في المائة، حسب معطيات رسمية، فهناك من الطلبة من يقضي أربع أو خمس سنوات في الإجازة، مقابل 25 في المائة فقط ممن يحصلون على الإجازة في ثلاث سنوات.
وهناك إشكال آخر يواجهه خريجو الجامعات المغربية، وهو عدم ملاءمة التكوين الجامعي مع متطلبات سوق الشغل، ما يجعل معدل البطالة عاليا بين صفوف حاملي الشهادات الجامعية، وذلك يعود إلى ثغرات عديدة، أولاها ضعف الكفاءات اللغوية والمهارات الذاتية، كما يعاني البحث العلمي من ضعف الوسائل والتنسيق إلى جانب عدم تجذر الجامعة في المجتمع.
وكان المجلس الأعلى للتربية والتكوين وجه انتقادا قويا لاعتماد الوزارة سابقا لسلك البكالوريوس في الهيكلة البيداغوجية الخاصة بالتعليم العالـي، ونبه المجلس إلى غياب تصور وعدم وضوح الرؤية والغاية من التغيير في النظام التعليمي الجامعي. وأَشار المجلس، في رأي لَه حول الموضوع، إلى أن إضافة سلك البكالوريوس تطرح مجموعـة من الصعوبات التنظيمية والتدبيرية، منها أن إضافة سلك جديـد ومـواز لا تضمن تحقيق أهداف جودة التكوين بمؤسسات الولوج المفتوح، وهو ما تؤكده تجارب سابقة، مثل «الإجازة التطبيقية» و«الإجازة المهنية» غير الناجعة.
وكانت وزارة التعليم العالي اعتمدت، منذ سنة 2003، إصلاحا بيداغوجيا ارتكز على نظام «إجازة -ماستر –دكتوراه»، إلا أنه، وبعد مرور أكثر من 20 سنة بالعمل بهذا النظام، كشفت خلاصات دراسات وتقارير المؤسسات الرسمية، خاصة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي والمجلس الأعلى للحسابات وكذا التقارير المنجزة من طرف الجامعات، عن ضرورة تطوير هذا النظام نظرا للإكراهات المتعددة التي تم الوقوف عليها.
وتكشف التصنيفات الدولية للجامعات المغربية عن أزمة حقيقية بقطاع التعليم العالي والبحث العلمي، حيث تحتل الجامعات في مختلف التصنيفات مراتب متأخرة، رغم توالي الإصلاحات التي كلفت ملايير الدراهم من خزينة الدولة. فكل الدول تشجع على البحث العلمي وتخصص لذلك ميزانيات باهظة، لكون البحوث العلمية تعتبر مقياسا لتقدم هذه الدول ونموها الاجتماعي والاقتصادي، فالدول التي تعرف كيف تطبق نتائج الأبحاث العلمية التي تقوم بها جامعاتها، نجدها دائما تحتل مكان الصدارة في مجالات علمية عديدة.. لكننا في المغرب نجد أن الحكومة ترصد دعما هزيلا لتشجيع البحث العلمي، وهناك مؤشرات تدل على استمرار ضعف منظومة الجامعات والبحث العلمي، ووجود مشاكل حقيقية تعيق تطورها وإنتاجها المعرفي ومساهمتها الضرورية في التنمية والإبداع.
لذلك لا تمكن المساهمة في خلق تنمية حقيقية تجيب عن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية دون بلورة سياسة للنهوض بوضعية البحث العلمي وتطويره.





