شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

اضطرابات قطاع الطاقة

وليد خدوري

يتعرض قطاع الطاقة العالمي لهزات بين الحين والآخر، لكن قلما تأثر هذا القطاع بعدد وضخامة الاضطرابات، كما هو الوضع خلال المرحلة الحالية؛ وذلك نظرا إلى تعدد الاضطرابات وتزامنها معا، أو تتابعها؛ الواحدة بعد الأخرى مباشرة.

أولا: هبوب الكوارث الطبيعية في شرق وغرب الكرة الأرضية. فهناك الفيضانات الكارثية في باكستان التي دمرت تقريبا نصف الأراضي الزراعية في البلاد، والإعصار المدمر في جنوب اليابان الذي شرد الآلاف من السكان.

والآن إعصار «إيان» القادم من كوبا، ثم فلوريدا، فالساحل الشمالي الشرقي للولايات المتحدة. وقد عُد الإعصار «تاريخيا، وسيجري الحديث عنه لأعوام مقبلة». وشرد مئات الآلاف من السكان في كوبا، ودمر الأراضي الزراعية وقطع الكهرباء عن المدن، ثم اتجه إلى ولاية فلوريدا، مُشَرداً أكثر من 2.5 مليون نسمة، مدمرا آلاف المنازل ومهجرا أهاليها، كما قطع الكهرباء عن المدن التي اجتاحها. ثم اجتاح الإعصار ولاية ساوث كارولينا. والتساؤل الآن: هل سيستمر فوق الأراضي البرية شمالا؟ مما يعني العبور فوق أو بالقرب من واشنطن العاصمة، وفيلادلفيا، ونيويورك، الأمر الذي سيؤدي بدوره، في حال حدوثه، إلى تهجير الملايين أيضا، أم سيغير اتجاهه بعيدا عن أكثر المدن الأمريكية كثافة سكانيا، ليعود فوق مياه المحيط الأطلسي؟

إن الملاحظ في إعصار «إيان»، بعكس الكثير من الأعاصير السابقة، أنه يشتد عنفا عندما يصل فوق المناطق البرية، فقد كان يُعتبر إعصارا من الدرجة الثالثة فوق المناطق مياه المحيط الأطلسي. وتصاعدت شدته وفتكه فوق كوبا وفلوريدا، حيث تحول إلى إعصار من الدرجة الخامسة، الأشد فتكا.

أصبحت الأعاصير عادة سنوية خريفية، في خليج المكسيك وجنوب الولايات المتحدة. وكلما يمتد الإعصار غربا نحو ولايتي تكساس ولويزيانا، يهدد ويخرب عقر الصناعة البترولية الأمريكية الموجودة في خليج المكسيك وبعض الولايات الجنوبية الأخرى، مما يقلص من الإنتاج البترولي والطاقة التكريرية الأمريكية. ويختلف الوضع مع إعصار «إيان»، إذ إن تهديده الرئيس، خصوصا في حال استمراره فوق المدن الأمريكية الشرقية الشمالية المكتظة بالسكان، هو في تخفيض الطلب على النفط إلى ما بعد تصليح الأضرار المدنية الجسيمة وعودة الأمور إلى طبيعتها ثانية، مما سيتطلب وقتا لاستعادة الشبكات الكهربائية، وتصليح ما تم تخريبه من شبكات المياه والمنازل والبنايات.

ثانيا: الارتباك في قطاع الطاقة بسبب تخفيض الاستثمار، خلال العقد الماضي، ساهم في تطوير صناعات الوقود الأحفوري بما هو ضروري لملاقاة الطلب على الطاقة، ومن ثم تقلص الطاقة البترولية الإنتاجية الإضافية عالميا، في الوقت نفسه الذي استرجع فيه الطلب العالمي على البترول حيويته للمستويات ما قبل جائحة «كوفيد- 19». ولم تنجح المحاولات لإعادة إنتاج الفحم للتعويض عن الشح البترولي، خصوصا الغاز. وقد أدى هذا الخلل في ميزان الطاقة العالمي إلى زيادة الأسعار، خصوصا البترول، ومن ثم ارتفاع فواتير الكهرباء ووقود المواصلات. كما لم تستطع الطاقات المستدامة من رياح وشمسية التعويض عن الانخفاض في الوقود الأحفوري، ولا التعويض كاملا عن الأحفوري، نظرا إلى التفاوت في إمكانية تزويد طاقة مستمرة لكل من الشمسية والرياح، بسبب عدم توفر الحرارة الشمسية على مدى النهار وإمكانية غيابها لأيام عدة، كما أن الرياح غير متوفرة بشكل مستمر ومتواصل في بعض المناطق؛ بمعنى أنه يتوجب توفر إمدادات طاقوية أخرى تعمل جنبا إلى جنب مع هذه الطاقات المستدامة، لدعم الواحدة بالأخرى لتزويد الكهرباء 24 ساعة يوميا.

ثالثا: تصاعد الخلافات السياسية والنزاع العسكري الغربي- الروسي. إذ إن الولايات المتحدة تزود أوكرانيا بعشرات مليارات الدولارات من الأسلحة والعتاد. وروسيا تضم جهرا مناطق أوكرانية إلى أراضيها. والقصف الصاروخي على المدن الآهلة بالسكان المدنيين، قد أدى إلى تهجير الملايين ولجوئهم إلى الدول الأوروبية.

ويقول الرئيس بوتين إن الغرب يعمل لزعزعة استقرار بلاده. وفي خضم النزاعات السياسية، يتم إطلاق الصواريخ على مناطق قريبة جدا من المفاعلات النووية الأوكرانية، وتم تبادل الاتهامات حول تخريب المنشآت البترولية الأوروبية (أولها أنابيب الغاز الروسية البحرية إلى أوروبا)، كما أعلن الغرب الحظر على الإمدادات البترولية الروسية ووضع سقف سعري عليها، مما خلق البلبلة في الأسواق. لقد أدت هذه الحرب بين الدول الكبرى إلى زيادة أسعار المنتجات البترولية عالميا.

لقد دلت التجارب الأخيرة منذ جائحة «كوفيد- 19»، على أن شعار تصفير الانبعاثات 2050 قد طُرح بعجالة، دون الأخذ بنظر الاعتبار أهمية مستقبل هجين الطاقات، يشارك فيه الوقود الأحفوري جنبا إلى جنب الطاقات المستدامة بكميات مختلفة، إلى حين تطوير الطاقات المستدامة، لكي تستطيع تلبية الطلب العالمي على الطاقة خلال العقود المقبلة.

وهذا هو بالفعل تطور تاريخ الطاقة. فرغم هيمنة وقود معين خلال مرحلة معينة، استمر الاعتماد أيضا على وقود مختلف في الوقت نفسه لأغراض أخرى. فقد هيمن البترول خلال القرن العشرين، ولكن استمر الاعتماد على الفحم في توليد الكهرباء، في العديد من الدول المنتجة له. من ثم، وبناء على تجارب السنوات الثلاث الأخيرة، يقترح طرح دور البترول في سلة الطاقة المستقبلية. والاهتمام في الوقت ذاته بإعطاء الأولوية اللازمة لترشيد الاستهلاك، جنبا إلى جنب الاهتمام بمكافحة تغير المناخ.

نافذة:

دلت التجارب الأخيرة منذ جائحة «كوفيد- 19» على أن شعار تصفير الانبعاثات 2050 قد طُرح بعجالة دون الأخذ بنظر الاعتبار أهمية مستقبل هجين الطاقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى