شوف تشوف

الرأي

اغضب كما تشاء

أياما قليلة بعد غضبة بنكيران على مذكرة لغات التدريس، خرج تقرير أممي يصنف المغرب في المرتبة 129 عالميا في الصحة والتعليم، وذلك إلى جانب دولة خرجت من الاستعمار سنة 1990 هي ناميبيا. وتتقدمه ليبيا التي تعيش حربا أهلية منذ أربع سنوات، أي المدة نفسها التي قضتها هذه الحكومة وهي تدبر الشأن العام. إذن دولة خربها القذافي لعقود واستلمها أمراء الحرب بعده لأربع سنوات كاملة، هي أفضل من مغرب هذه الحكومة.
طبعا هذا التقويم الدولي لن يغضب سعادة رئيس الحكومة، لأنه يعرف جيدا أنه لم يقدم شيئا في التعليم والصحة. ثم لأن مسألة الغضب عنده مسألة مرتبطة بحسابات صغيرة يتقنها هو والصغار الذين يلقون إليه بالسمع في ديوانه.
في الحقيقة، من سوء حظ هذا البلد أن سياسييه ضيقو الأفق لدرجة أنهم ينتظرون الكارثة ليبادروا بردود أفعال لا تقدم ولا تؤخر. فالبرلمانيين انتظروا حتى خرج الأساتذة المتدربون للشارع ليسارعوا بتوجيه أسئلة للحكومة، مع أن المرسوم الذي أخرجهم للشارع تمت المصادقة عليه في بداية شهر غشت.
أما الحكومة، التي دخلت سنتها الأخيرة، فلا يكاد يسمع لها موقف ينسجم مع ما وعدت به في تصريحها الذي نالت بسببه المصادقة في 2012، وها هو رئيسها يغضب لمذكرة عادية جدا عن تدريس المواد العلمية في بعض الشعب باللغة الفرنسية، دون أن تغضبه الخيبات الكثيرة لحكومته في تعليم أبناء المغاربة. فلم تغضبه قرارات «خليله» محمد الوفا الذي أمر شخصيا بعودة الباكلوريا الفرنسية، ولم تغضبه تجاوزات مؤسسات التعليم الخصوصي التي أفشلت مشروعه لتكوين عشرة آلاف مدرس، عندما لم يتعد الذين تم تشغيلهم في هذا البرنامج بضع عشرات فقط.. ولم يغضب «سعادته» تهميش هذه المدارس للتعلم باللغة العربية أو الأمازيغية، وهما اللغتان الرسميتان للمملكة، عندما أصبحت كل المواد العلمية في التعليم الإعدادي تدرس بالفرنسية والإنجليزية استعدادا للباكلوريا الفرنسية التي أعاد إحياءها الوفا.. فلم تغضبه أيضا الحصيلة الهزيلة للتركيبة الرباعية المكلفة بقطاع التعليم، أربعة وزراء في قطاع بدون خريطة طريق وبدون نتائج. وها هو وزير التعليم العالي يروج للوحات إلكترونية تافهة، مفضلا السب والشتم، كأي من غوغاء الأزقة الشعبية، في حق كل من سجل ملاحظات تقنية بخصوص جودتها أو أثمنتها. فلم يغضب رئيس الحكومة من الداودي عندما احتقر مرارا التخصصات الإنسانية في الجامعات. وها هم مسؤولو وزارة التربية الوطنية يلفقون الحقائق عن تطابق ما يسمونه «التدابير ذات الأولوية» مع الرؤية الاستراتيجية للمجلس الأعلى، ومن أغبى ما يقولونه هنا، هو كون «تدابيرهم» هي تنزيل للرؤية، وطبعا، فمهمتهم هي أن يكذبوا على الرأي العام، كما كذبوا هم أنفسهم في الأرقام المزورة التي كانوا يرضون بها الوزيرين السابقين العابدة واخشيشن إبان البرنامج الاستعجالي.. كل هذا لم يغضب رئيس الحكومة..
إذن، فوق الخشبة، في البرلمان والإعلام الحزبي، يحرص الجميع على تفرد موقفه، لكنهم في الحقيقة يتفقون حول الأسلوب والأهداف، باعتماد مسرحيات محبوكة عن الغضب لاستدرار عواطف العامة بخصوص ملفات جزئية وصغيرة، وإلهائهم عن القضايا الجوهرية، والتي تمس في الصميم جوهر المدرسة العمومية. فرئيس الحكومة مع خوصصة التعليم، وبالتالي لن يغضبه كثيرا أن يدرس ابنه بالفرنسية في المدارس الفرنسية، ويدرس أبناء الشعب بالعربية تماما كما فعل كل الذين أجرموا في حق التعليم في السبعينيات والثمانينات.
فبدل أن يحرص على مأسسة الجسور بين التعليمين المدرسي والعالي، ومنها الجسور على مستوى لغات التدريس، فإنه فضل أن يستمع لشرذمة من الذين اكتشفوا في ملف الدفاع عن اللغة العربية وسيلة للاسترزاق والحصول على رفاهية السفريات المؤدى عنها. لذلك كل عام وأنتم مع ناميبيا وكينيا والموزمبيق يا سنفور غضبان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى