الرئيسيةصحة نفسيةن- النسوة

الاكتئاب المبتسم.. عندما يتم إخفاء الألم

إعداد: مونية الدلحي

مصطلح الاكتئاب المبتسم يفيد بأن يظهر الشخص المعني بالأمر المظهر السعيد بينما يعاني داخليا من أعراض الاكتئاب، وهو شائع بشكل متزايد وكثر هذا المرض وكثرت الاستفسارات المتعلقة به بشكل ملحوظ هذا العام. ومع ذلك، يحق للمرء أن يتساءل عما إذا كان «الاكتئاب المبتسم» هو بالفعل حالة مرضية.

على الرغم من أن هذا التعبير لا يظهر في قاموس المصطلحات التقنية التي يستخدمها علماء النفس، إلا أنه يتوافق بالتأكيد مع الواقع. من الممكن أن تصاب بالاكتئاب وتكون قادرا على إخفاء الأعراض.
أقرب اسم تقني لوصف هذه الحالة هو «الاكتئاب غير النمطي». في الواقع هناك نسبة كبيرة من المكتئبين، الذين لم يعودوا سعداء بأنشطتهم، تمكنوا من إخفاء حالتهم بالابتسام. ومع ذلك، قد يكون هؤلاء الأشخاص عرضة بشكل خاص لإغراءات الانتحار.

الاكتئاب المقنع
تشرح سابرينا فيليب، أخصائية علم النفس، بأنه اكتئاب لا تمكنك رؤيته، بحيث يتظاهر الشخص بأنه بخير. فهذا الشخص المريض عادة لا يتحدث عن انزعاجه وأحيانا لا يستطيع حتى تحديده. إذ إن المريض يشعر بالتعب ونقص الطاقة ولكن دون أن يدرك أو يعرف أنه يعاني أو مصاب بالاكتئاب. ولهذا فهو يسمى أيضا الاكتئاب المقنع.
قد يكون من الصعب جدا تحديد الأشخاص المصابين بالاكتئاب المبتسم. في الواقع، يبدو أنه ليس لديهم سبب للحزن فقد يكون السبب هو العمل أو بسبب مشاكل السكن، وربما بسبب مشاكل الأطفال أو بسبب زواج غير سعيد. يبتسمون عندما تحييهم ويمكنهم إجراء محادثة ممتعة. باختصار، في مواجهة العالم الخارجي، يرتدون قناعا ويعيشون حياة طبيعية ونشطة على ما يبدو.

حين يؤدي المرض إلى الانتحار
في دواخلهم يشعر الأشخاص المرضى باليأس والاكتئاب، في بعض الأحيان يفكرون في وضع حد لكل شيء. ومن المفارقات أن القوة التي يظهرونها للاستمرار في حياتهم اليومية يمكن أن تجعلهم عرضة بشكل خاص لخطط الانتحار هذه. في هذا، يتناقض «الاكتئاب المبتسم» مع أشكال الاكتئاب الأخرى، حيث قد تكون لدى الناس أفكار انتحارية ولكنهم يفتقرون إلى الطاقة لتنفيذها.
على الرغم من قناع السعادة الذي يرتدونه تجاه العالم الخارجي، فإن الأشخاص الذين يعانون من «اكتئاب الابتسام» يتأثرون أحيانا بالأحداث الإيجابية التي تحدث لهم بصدق ومفيدة، إنهم قادرون على تحسين معنوياتهم. على سبيل المثال، يمكن أن يساعد تلقي رسالة نصية من شخص كانوا يتوقعون أن يسمعوا منه أو تتم الإشادة به على وظيفتهم على الشعور بالتحسن لبضع لحظات، قبل الإحساس بالاكتئاب مرة أخرى.

أعراض الاكتئاب
تشمل الأعراض الأخرى لهذه الحالة الإفراط في تناول الطعام، والشعور بثقل في الذراعين والساقين، والإيذاء بسهولة من خلال النقد أو الرفض. الأشخاص المصابون بـ«الاكتئاب المبتسم» هم أكثر عرضة للشعور بالاكتئاب ليلا ويحتاجون إلى ساعات نوم أكثر. ومع أشكال الاكتئاب الأخرى، قد يكون مزاجهم أسوأ في الصباح، وقد تكون الحاجة إلى ساعات من النوم أقل من المعتاد.
يبدو أن هذا النوع من الاكتئاب «المبتسم» أكثر شيوعا لدى الأشخاص الذين يعانون من مزاجات معينة. يرتبط بشكل خاص بكونه أكثر ميلًا لتوقع الفشل، وصعوبة التغلب على المواقف المحرجة أو المهينة، والميل إلى اجترار المواقف السلبية التي نشأت أو التركيز كثيرا عليها.

أعراض يصعب التعرف عليها
من بين الأعراض الأكثر تحديدا لاكتئاب الابتسام، نجد ضجر الحياة «الذي لا يمنع الشخص من الاستمرار في إدارة ما تجب عليه إدارته» بشكل يومي، كالأسرة والعمل والعلاقات الاجتماعية، يتدخل دون أن يخبر الشخص نفسه أن هذا النوع من السلوك بسبب سوء تصرفه. تحذر سابرينا فيليب أيضا من الإدمان على الكحول، فالشخص مريض وسيبدأ بشرب الكحول، لاستخدامه كمزيل للقلق دون أن يدرك ذلك، مما سيعرضه لمزيد من الاكتئاب. تم تمييزه لأن الكحول يزيد الاكتئاب، إنه تحيز نجده خاصة في حالة الاكتئاب المبتسم.

إصابات الطفولة
عندما يعلن المكتئب نفسه بصراحة أكثر، فإن المريض الذي يعاني منه أمامه طريق طويل ليقطعه للعثور على أسباب هذا الاكتئاب، والتي غالبا ما تكون أقدم من الحدث المسبب نفسه. تؤكد سابرينا فيليب أنه ستكون لدى الأشخاص المصابين بالاكتئاب المبتسم نقطة مشتركة تتمثل في حقيقة عدم الجرأة على التعبير عن مشاعرهم، ووضع قناع على معاناتهم ومشاعرهم. هؤلاء أشخاص محبوسون تماما من الداخل، والذين ربما حصلوا على تعليم يجعلهم لا يتركون أنفسهم لأنهم لم يكن لديهم الحق، حيث لم يكن لديهم الحق في التشكيك في حالة صحتهم العقلية. هناك جانب مشين لإظهار الضعف. في كثير من الأحيان يأتي ذلك من جروح الطفولة التي لم يتم علاجها، وقال هؤلاء الأشخاص لأنفسهم، مع تقدمهم في السن، إنهم سيتركون كل ذلك وراءهم، ولكن كل ما نتجنبه يلاحقنا، مثل ما يقول المثل.

العبء والعلاج
من الصعب تحديد أسباب «الاكتئاب المبتسم» بالضبط. يمكن أن ينبع الاكتئاب من عدد من العوامل، مثل مشاكل العمل أو الانفصال أو الشعور بأن الحياة ليس لها معنى أو هدف.
الاكتئاب هو حالة شائعة جدا، حيث يتأثر به حوالي واحد من كل عشرة أشخاص. من بين هؤلاء، خمسة عشر في المائة إلى أربعين في المائة، يعانون من شكل غير نمطي من الاكتئاب يمكن تشبيهه بـ«الاكتئاب المبتسم». وغالبا ما يبدأ هذا الاكتئاب في وقت مبكر من الحياة ويمكن أن يستمر لفترة طويلة.
لذلك إذا كنت تعاني من «اكتئاب مبتسم»، فإن الحصول على المساعدة أمر مهم بشكل خاص. لسوء الحظ، الأشخاص المتأثرون به عادة لا يفعلون ذلك، في المقام الأول لأنهم لا يدركون أن لديهم مشكلة وهذا هو الحال، خاصة إذا تمكنوا من إكمال مهامهم ومواصلة روتينهم اليومي كما كان من قبل. بالإضافة إلى ذلك، قد يشعر هؤلاء الأشخاص أيضا بالذنب ويبررون الأمر بأنه ليس لديهم سبب للحزن، وهم في الواقع لا يتحدثون عن مشاكلهم، وينتهي بهم الأمر إلى الخجل من مشاعرهم.

كيف نكسر الحلقة المفرغة؟
نقطة البداية هي أن ندرك أن هذا المشكل موجود بالفعل، وأنه خطير. فقط عندما نتوقف عن تبرير مشاكلنا لأننا نعتبر أنها ليست خطيرة بما يكفي، يمكننا أن نبدأ في تحسين الوضع. بالنسبة للبعض، قد يكون هذا الفهم كافيا لإحداث فرق، لأنهم سيطلبون المساعدة بعد ذلك، الأمر الذي سيؤدي إلى كسر قيود الاكتئاب التي أعاقتهم حتى ذلك الحين.
ثبت أيضا أن التأمل والنشاط البدني لهما فائدة كبيرة من حيث الصحة العقلية. وأظهرت دراسة أجرتها جامعة روتجرز في الولايات المتحدة أن الأشخاص الذين مارسوا التأمل ومارسوا الرياضة مرتين في الأسبوع، شهدوا انخفاضا في مستوى الاكتئاب لديهم بنسبة أربعين في المائة تقريبا بعد ثمانية أسابيع فقط. يعد العلاج السلوكي المعرفي، الذي يتضمن تعلم تعديل أنماط تفكيرك وسلوكك، خيارا آخر تجب مراعاته بالنسبة للأشخاص المصابين بهذا المرض.
أخيرا، إيجاد المعنى في حياتك أمر في غاية الأهمية. كتب طبيب الأعصاب النمساوي فيكتور فرانكل أن حجر الزاوية للصحة العقلية الجيدة هو وجود هدف في الحياة. فحسب قوله، لا يجب أن نسعى إلى «دولة بلا توتر»، خالية من المسؤولية والتحدي، بل يجب أن نسعى إلى هدف.
إيجاد هدف يأخذ الانتباه بعيدا عن أنفسنا، ويحوله إلى شيء آخر. لذا ابحث عن هدف جدير بالاهتمام وحاول التقدم نحوه بثبات، حتى لو كان خطوة بخطوة كل يوم، لأن هذا الموقف يمكن أن يكون له تأثير إيجابي.
يمكن أن يكون هذا الهدف أيضا رعاية شخص آخر. عندما نتوقف عن الظهور في دائرة الضوء ونفكر في احتياجات ورغبات الآخرين، نشعر بأن حياتنا مهمة. يمكن القيام بذلك عن طريق التطوع أو الاعتناء بأحد أفراد الأسرة أو حتى حيوان.
إن الشعور بأن حياتنا مهمة هو في النهاية ما يمنحها الهدف والمعنى، والتي يمكن أن تحدث فرقا كبيرا في صحة الإنسان العقلية وسعادته.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى