الدوليةالرئيسية

الانتخابات التركية.. الديمقراطية في تركيا على المحك

سباق برلماني ورئاسي حاسم يضع أردوغان أمام أصعب تحدٍ في حياته السياسية

تستعد تركيا لأكبر حدث في الدولة، فهي على موعد مع الانتخابات البرلمانية والرئاسية التي دخل سباقها سياسيون مخضرمون أهمهم رجب طيب أردوغان عن تحالف الجمهور، وكمال كيليجدار أوغلو عن تحالف الشعب المعروف بالمعارضة. ويتطلع أردوغان إلى الفوز بولاية جديدة على رأس البلاد بعد عقدين في الحكم، الأول كرئيس وزراء والثاني كرئيس للبلاد، لكن حصيلته في الحكم تقيم بأنها “سلبية”.

مشاركة مكثفة في التصويت
تعيش تركيا سباقا انتخابيا برلمانيا ورئاسيا حاسما، يتنافس فيه الرئيس رجب طيب أردوغان عن تحالف الجمهور وكمال كليجدار أوغلو عن تحالف الشعب الذي يمثل ما يعرف بالطاولة السداسية المعارضة، إضافة إلى رئيس حزب البلد محرم إنجه ومرشح تحالف الأجداد سنان أوغان.
وأدلى حتى الآن قرابة 3,5 ملايين من الناخبين الأتراك المقيمين في الخارج بأصواتهم في الانتخابات العامة والرئاسية المزمع إجراؤها في 14 ماي الجاري، وتشهد منافسة بين الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان ومرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو.
ويستمر التصويت في البعثات الدبلوماسية التركية في الخارج حتى التاسع من هذا الشهر، بينما يستمر في المعابر الحدودية والمطارات حتى 14 من الشهر نفسه.
ويبلغ عدد من يحق لهم الانتخاب في الاستحقاق الرئاسي والبرلماني أكثر من 64 مليون ناخب، وفق الهيئة العليا للانتخابات التركية.
وفي الوقت الذي انطلقت فيه الانتخابات التركية العامة في الخارج، فإن الأنظار تتجه إلى الأحد المقبل، موعدِ التصويت في الداخل التركي لاختيار رئيس جديد وبرلمان للبلاد.
وتتسم انتخابات هذا العام بطابع الاستفتاء على النظام الرئاسي وكذلك على حكم العدالة والتنمية الذي يقوده الرئيس رجب طيب أردوغان منذ 20 عاما.
ومن بين 5,2 ملايين شاب سيصوتون للمرة الأولى، غالبية الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و24 عامًا يؤيدون أوغلو، وثلاثين بالمئة سيختارون أردوغان، حسب استطلاع للرأي أجراه معهد “ميتروبول”.
أما في استطلاع رأي لمؤسسة (جازيجي) للأبحاث، شارك فيه (3) آلاف و(991) شخصاً في (29) مقاطعة و(152) منطقة في الفترة ما بين 24-26 أبريل المنقضي، وقال فيه 48.7 في المئة من المستجوبين إنهم سيصوتون لصالح كمال كليتشدار أوغلو مرشح تحالف الأمة، وبلغت نسبة من فضلوا مرشح تحالف الشعب رجب طيب أردوغان 44.6 في المئة.
وقد تراجعت شعبيته منذ 2020، وفي 2018 حصد 52 في المئة من الأصوات في الدور الأول من الانتخابات الرئاسية، أما في الوقت الحالي، فالكل يؤكد أن عدد الأصوات التي بإمكانه الحصول عليها في الدور الأول لا تتجاوز 40 أو42 في المئة.
كما تحظى هذه الانتخابات بأهمية محلية كونها تتزامن مع الذكرى المئوية الأولى لتأسيس الجمهورية التركية. هذا، وتفرض سياسة التوازن بين التناقضات التي تصيغ عليها أنقرة سياستها الخارجية إقليميا ودوليا بعدا آخر يجعل الانتخابات مصيرية لتحديد وجه تركيا خلال الـ100 عام المقبلة.

أسلحة أردوغان ضد منافسيه
مع وجود كثير من الأمور على المحك في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية يستهدف السياسي المخضرم الذي فاز في أكثر من عشرة انتخابات، منتقديه بحرب نموذجية. فأردوغان يتهم المعارضة بالسعي للاستفادة من كارثة وقام بعدة زيارات لمنطقة الزلزال حيث لقي أكثر من 50 ألف شخص حتفهم وتعهد بإعادة الإعمار سريعا ومعاقبة من خالفوا لوائح البناء.
لكنه في نفس الوقت حقق إنجازات صناعية، بما في ذلك إطلاق أول سيارة كهربائية تركية وتدشين أول سفينة هجومية برمائية والتي تم بناؤها في إسطنبول لحمل طائرات مسيرة تركية الصنع. وكان يفترض أن يتم الإعلان عن انتهاء تلك المشاريع قبل فترة لكن لأسباب سياسية جرى الإعلان عنها قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية في توظيف دعائي لاستقطاب أصوات الناخبين.
كما أسرع أردوغان بتسليم أول شحنة من الغاز الطبيعي لمحطة بحرية من احتياطي مكتشف في البحر الأسود ووعد بتوفير الغاز الطبيعي مجانا للمنازل وافتتح أول محطة للطاقة النووية في تركيا في حفل شارك فيه عبر الأنترنت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومنحت وسائل الإعلام الرئيسية تغطية واسعة لأردوغان، بينما لم يول الإعلام الحكومي اهتماما يُذكر بمنافسه الرئيسي في الانتخابات كمال كيليجدار أوغلو، مما أثار اتهامات من المعارضة بعدم إتاحة الفرص المتكافئة.
وشملت حربه على تحالف المعارضة الرئيسي اتهامات بأن التحالف يتلقى دعما من حزب العمال الكردستاني المحظور الذي يخوض تمردا منذ ثمانينات القرن الماضي أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألفا.
ورد منافسه كيليجدار أوغلو الذي حصل على تأييد حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد والذي يملك خزانا انتخابيا مهما، بالدفاع عن حقوق الأكراد واتهم أردوغان “بمعاملة ملايين الأكراد كإرهابيين”.
وفي إطار مساعيه لاستعادة شعبيته بين الناخبين المحافظين، أدلى أردوغان أيضا بتعليقات مناهضة للمثلية الجنسية ووصف حقوق مجتمع الميم بأنها مفهوم “منحرف” سوف يحاربه.

خطة المعارضة
من جهتها، تحاول المعارضة جني الأصوات من خلال تقديم وعود مغرية. فالوعد الرئيسي للمعارضة يتمثل في العودة إلى النظام البرلماني الذي يقول التحالف إنه سيكون “أقوى” من النظام المعمول به قبل التحول في 2018 إلى النظام الرئاسي الحالي.
وستتم إعادة منصب رئيس الوزراء، الذي ألغاه إردوغان من خلال استفتاء عام 2017، وسيكون دور الرئاسة “محايدا” بلا مسؤولية سياسية. كما سيتم إلغاء حق الرئيس في نقض التشريعات وإصدار المراسيم.
وسيقطع الرئيس علاقاته مع أي حزب سياسي وسيخدم لفترة ولاية واحدة فقط مدتها سبع سنوات وبعد ذلك سيُمنع من النشاط السياسي.
وسينص الدستور على منح البرلمان سلطة التراجع عن الاتفاقات الدولية كما سيتمتع بسلطة أكبر في التخطيط لميزانية الحكومة.
وفي مجال الإدارة العامة، ستُلغى المجالس والمكاتب التابعة للرئاسة وستُحول مهامها إلى الوزارات ذات الصلة.
ووعد تحالف الأمة بخفض التضخم الذي بلغ 44 بالمئة في أبريل إلى خانة الآحاد في غضون عامين واستعادة استقرار الليرة التي فقدت 80 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار في السنوات الخمس المنصرمة.
وسيضمن التحالف استقلالية البنك المركزي وسيتراجع عن إجراءات مثل السماح لمجلس الوزراء باختيار محافظه.
وسيعد تشريعا يسمح للبرلمان بإقرار قوانين بشأن مهمة البنك المركزي واستقلاله التشغيلي وتعييناته رفيعة المستوى.
وستنتهي السياسات التي تتدخل في سعر الصرف المتغير بما في ذلك مخطط حكومي يحمي الودائع بالليرة من انخفاض قيمة العملة.
وتعهد التحالف بخفض الإنفاق الحكومي عن طريق تقليص عدد الطائرات التي تستخدمها الرئاسة وعدد السيارات التي يستخدمها الموظفون وبيع بعض المباني الحكومية.
وستتم إعادة النظر في جميع مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وسيراجع التحالف مشروع محطة أكويو النووية التي تملكها كيانات حكومية روسية وسيعيد التفاوض على عقود الغاز الطبيعي مما يقلل من مخاطر الاعتماد على دول معينة لواردات الغاز.
ويتبنى التحالف شعار “سلام في الوطن، سلام في العالم” كحجر زاوية لسياسة تركيا الخارجية.
وفي حين وعد التحالف بأنه سيعمل على استكمال عملية الحصول على العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي، فإنه تعهد بمراجعة اتفاق اللاجئين لعام 2016 بيان تركيا والاتحاد الأوروبي.
وسيقيم علاقات مع الولايات المتحدة تستند إلى الثقة المتبادلة وعودة تركيا إلى برنامج الطائرات المقاتلة إف-35.
وستحافظ تركيا على العلاقات مع روسيا “على أساس أن كلا الطرفين متساويان وسيجري تعزيزها من خلال الحوار المتوازن والبناء”.
كما تعهدت أحزاب المعارضة الستة بضمان استقلال القضاء الذي يقول منتقدون إن أردوغان وحلفاءه يستخدمونه لقمع المعارضة وهو اتهام نفته الحكومة.
وسيؤخذ في الاعتبار استعداد القضاة للالتزام بأحكام المحكمة الدستورية والمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان عند تقييم الترقيات.
وسيتم إلزام القضاة وممثلي الادعاء العام الذين يتسببون في انتهاكات حقوقية تؤدي إلى تغريم تركيا في المحكمتين بدفع الغرامة. وستتخذ تدابير لضمان سرعة تنفيذ المحاكم للأحكام الصادرة عن المحكمتين.
وسيتم إصلاح مجلس القضاة وممثلي الادعاء العام وتقسيمه إلى كيانين لمزيد من المحاسبة والشفافية.
كما سيتم إصلاح البنية والعمليات الانتخابية في المحاكم العليا مثل المحكمة الدستورية ومحكمة النقض ومجلس الدولة.
وسيضمن التحالف أن يكون الاحتجاز لحين المحاكمة هو الاستثناء. ويقول منتقدون إن السلطات في عهد أردوغان تسيء استخدام هذا الإجراء. وتعهد التحالف بترسيخ حرية التعبير والحق في تنظيم المظاهرات.

تهديد الديمقراطية
منذ تولي رجب طيب أردوغان زمام الأمور في البلاد، تحولت دفة تركيا من الغرب إلى الشرق، إذ ربطت نفسها بشكل أكبر بالقيم الإسلامية وإنشاء تحالفات مع بلدان العالم العربي بالتزامن مع تعزيز انخراطها العسكري خارج البلاد بما في ذلك نشر قوات في الصومال وقطر .
بيد أن هذه التطورات لم تلق قبولا لدى جميع الأتراك وسط مخاوف من أن يمهد ذلك الطريق لحكم استبدادي. من جانبها، تعتقد سينم أدار، المتخصصة في الشأن التركي في “مركز دراسات تركيا التطبيقية” ومقره برلين، أن المسار الذي سلكته تركيا في عهد أردوغان كان سلبيا. وتقول: “تعد تركيا اليوم مثالا ساطعا على تزايد الممارسات الاستبدادية، حيث ابتعدت البلاد منذ أواخر العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بشكل مطرد عن سيادة القانون والفصل الحقيقي بين السلطات”.
ويشعر الخبراء ومن بينهم أدار بالإحباط إزاء مستقبل الديمقراطية في تركيا، مضيفة “بعد سبعة عقود من تراكم الخبرات في إجراء انتخابات تنافسية متعددة الأحزاب ودمجها في هيكل مؤسسي غربي، يمكن القول بأن أحد أكثر الأمثلة المخيبة للآمال يتمثل في تلاشي الديمقراطية في تركيا”.

تخوف الحلفاء الغربيين
تمكن حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان من ترويض الجيش التركي الذي أطاح بأربع حكومات منذ عام 1960 وفي عام 2005 بدأ محادثات لتحقيق طموح استمر عقودا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي -وهي خطوة تعطلت لاحقا بشكل كبير.
ونظر الحلفاء الغربيون في البداية إلى تركيا بقيادة أردوغان على أنها مزيج حيوي من الإسلام والديمقراطية يمكن أن يكون نموذجا لدول تكابد للتخلص من الاستبداد والركود، لكن مساعيه لفرض سيطرة أكبر سببت حالة استقطاب في البلاد وأثارت قلق الشركاء الدوليين. واعتبر المؤيدون المتحمسون ذلك مجرد مكافأة لزعيم أعاد التعاليم الإسلامية إلى صميم الحياة العامة ودافع عن الطبقات العاملة المتدينة، غير أن المعارضين رأوا أن ذلك هو إمعان في الاستبداد من جانب زعيم أدمن السلطة.
وبعد محاولة الانقلاب، أطلقت السلطات حملة إجراءات صارمة، إذ احتجزت أكثر من 77 ألفا في انتظار المحاكمة وتم فصل 150 ألف موظف حكومي أو وقفهم عن العمل. وتقول منظمات معنية بحقوق الإعلاميين إن تركيا صارت أكبر دولة تسجن الصحافيين في العالم لبعض الوقت. وقالت حكومة أردوغان إن الحملة كانت نتيجة للتهديدات من أنصار الانقلاب وكذلك تنظيم “داعش” وحزب العمال الكردستاني.
وعلى الصعيد الداخلي، يقف مجمع القصر الرئاسي الجديد مترامي الأطراف المُقام على مشارف أنقرة كعلامة بارزة على سلطات أردوغان الجديدة، أما على الصعيد الخارجي فقد صارت تركيا أكثر حزما إذ تدخلت في سوريا والعراق وليبيا وغالبا ما تنشر طائرات مسيرة عسكرية تركية الصنع بقوة حاسمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى