الرأي

الثقب الأسود السوري

أول من تحدث عن ظاهرة الثقب الأسود كان العالم الفلكي (سيمون لابلاس) الذي رافق نابليون في حملته على مصر عام 1798 كما أشار إلى ذلك الفيزيائي (ستيفن هوكينج) (الرجل مشلول رباعي لم يبق منه إلا دماغ وحنجرة تنطق من خلال كمبيوتر).
انتبه (لابلاس) لهذه الظاهرة التي تخالف مسلمات العلم يومها، مما دفعه إلى شطب الفكرة من الطبعة الثانية لكتابه!
غرابة هذه الظاهرة تأتي من اصطدامها بكل معقول في عالم الفيزياء، كما هو الآن في الظاهرة السورية التي تحولت إلى ثقب أسود. ولكن لماذا أخذت هذه الظاهرة هذا الاسم؟ الجواب هو في طبيعة الصفة المرعبة له كما كشف العلم عنه وأثبت أخيرا.
يقول علماء الفيزياء إنه انضغاط مخيف للمادة بارتفاع قوة الجاذبية إلى ما لا يفر منه إنس ولا جان. هذا يترافق مع انهيار قوانين الفيزياء فيتحول الثقب إلى قوة امتصاص لا ينفلت منها شيء بما فيه الضوء؛ فيتحول إلى وحش مخيف في ظلمات الكون، أي شيء يقترب منه يشفطه لينسحق تحت أثر امتصاصه المخيف.
إنه وحش شارد في الكون الموحش مثل القطة السوداء في الليل البهيم، لا يشعر أي كوكب أو شمس بالاقتراب منه إلا بالغياب في لجته مبتلعا مهشما.
هكذا هي الثورة السورية، وحش على شاكلة ثقب أسود سياسي جغرافي، يمتص القوى من كل جانب فتنسحق بين جوانبه. بدأت من قوى أجهزة المخابرات البعثية العبثية وهي تقتل في البشر فامتصت في بطنها عشرات الآلاف من القتلى. لم يشبع هذا الثقب فامتص قوى طائفية مجنونة من التكفيريين (حسب مصطلحات إيران) والقبوريين (من يكتشف قبور آل البيت المنسية زينب، رقية، سكينة، أم كلثوم.. والحبل على الجرار). وقد انسحقت قوى كبيرة في بطن هذا الثقب الأسود وهو لا يشبع!
إنه يذكر بالآية القرآنية من سورة (ق) يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد (الآية 30).
لم يكتف الثقب بل ازدادت قوة شفطه، فاستدعى قوى جديدة للدخول في ضغط الانسحاق من المغفلين من شيشان وأكراد وعرب وعجم وهزارة وباكستان وداعش وفاحش وحزب احتكر اسم ذي العزة والجلال فتسمى باسمه ورفع رايته.
إنه يذكر بنفس الخديعة التاريخية يوم رفع القرآن على رؤوس الرماح في أكبر خدعة تاريخية باسم الله وكتابه المنزل.
ازدادت قوة الشفط فسحبت بعد ذلك فوضويين ومقاتلين من ثمانين جنسية وطائفيين يعيشون في الزمن قبل ألف عام ويزيد. الكل يقرع صدره مثل الغوريلات ويقول الموت في سبيل الله أسمى أمانينا. والكل يصلي بنفس اتجاه الكعبة.
وهذه المرة شفط الثقب الأسود جنود القوزاق من سيبريا يقودهم رجل مخابرات عتيد مدرب على مسح المدن من الخريطة، وباني مجده على أنقاض مدن وضحايا لا يضمهم كتاب ويحصيهم عدد. امتصه الثقب الأسود في عتوه وقوة سحبه التي لا تقاوم.
الثقب الأسود السوري مع كتابة هذه الأسطر يمتص قوى إقليمية جديدة فنسمع عن عملية (الرعد) التي تهيئ لدخولها ثلاثون دولة عربية وإسلامية، في قوة تقترب من نصف مليون جندي في حرب برية يعلن عنها.
قرأت لكاتب في السياسية الأخلاقية من قطر (الشنقيطي) قال عن سوريا إنها مفازة أو مهلكة، حكمها التردد ومازال، فحين قتل بشار البراميلي أرقاما مخيفة من المتظاهرين دخل على الخط الإيرانيون فتعقدت المشكلة أكثر، وحين كان التردد قائما مع دخول بني فارس دخل على الخط القوزاق من سيبيريا ومنسك وخاركوف، والآن يزحف الأكراد المتحالفون مع البراميلي ليعبروا الفرات من الشرق إلى الغرب، في محاولة مد دولة كردية خرافية على طول الحدود التركية، لعزل تركيا وتطويق الثورة السورية التي يخاف منها مستكبرو الأرض جميعا، كما يزحف القوزاق الروس من الغرب، في محاولة رسم خطوط دويلة علوية خرافية بالدم والجماجم.
(داوود أوغلو) التركي الاستراتيجي يقول كلمات خطيرة عن التاريخ: إن اليوم يذكر بمواجهة ألب أصلان مع بيزنطة وصلاح الدين في وجه الصليبيين وسليم والتلبيسي في وجه الصفويين (يذكر المؤرخ البريطاني جون آرنولد توينبي أن الحرب استمرت مائة عام مما أخر زحف العثمانيين إلى أوربا وطعنهم في الظهر بالتعاون مع قوى غربية).
شراهية الثقب الأسود السورية لم تتوقف، وفي حال دخول السعوديين ومن معهم وهم لم ينتهوا بعد من الجبهة اليمنية؛ فأقول ما يقوله قانون الثقب الأسود: هل من مزيد؟ كل من دخل غرق وانسحق؛ فهذه هي طبيعته. لا أحد يقترب منه إلا شفطه، وكل من شفطه انسحق في أحشائه فلم يرجع.
حاليا يزعق رئيس وزراء روسيا ميدفيديف أنها بدايات الحرب العالمية الثالثة! ويبدأ وصول الطائرات المقاتلة السعودية إلى أنجرليك في تركيا، ويهدد البراميلي الأردن بمغبة استخدام أراضيه في أي حرب برية، ويهدد بليد المعلك عفوا المعلم وزير خارجية الأسد من يدخل أنه سيرجع في تابوت. وتضرب تركيا مقاتلي حزب الاتحاد الكردي قرب إعزاز معتبرة إياها خطا أحمر. وتبدي الإمارات استعدادها للمشاركة في الحرب البرية، وتغلي المنطقة ببركان يتلظى اقترب من إرسال اللافا في حمم، تنطلق في ثلاث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب، إنها ترسل بشرر بحجم القصور وكأنها مناظر سيريالية من جمال صفر، مذكرة بسورة المرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا، عذرا أو نذرا، ويل يومئذ للمكذبين. انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون. هل سنكون شهود نهاية دول وإمبراطوريات، بعد مرور قرن على حادثة عصابة الكف الأسود، حين كانوا السبب في أعظم حريق في القارة الأوربية عام 1914 م، أخذ إلى الموت عشرة ملايين من الأنام؟
اللعب بالنار لا يجعل النار لعبة، كما يقول (النيهوم) والحرب يمكن بدؤها بسهولة، ولكن نهايتها لا يعلمها إلا هو، ثقلت في السموات والأرض، فترسم خرائط ويتحدث التاريخ عن جنون البشر، ويتذكر البشر مآسي لم يكن ثمة حاجة لها.
خلد الشعر العربي مأساة الحرب بأبيات جميلة حين قال:
أول ما تبدأ الحرب فتية
تسعى بزينتها لكل جهول
حتى إذا حميت واشتد ضرامها
غدت عجوزا غير ذات حليل
شمطاء جزت شعرها وتنكرت
مكروهة للشم والتقبيل.
في مدينة الجديدة في المغرب حيث أنوار التوقف الحمراء، اجتمعت نسوة مع أطفالهن مددن أيديهن بالتسول، فبشار البراميلي حول الشعب السوري إلى جموع من الفارين الهائمين على وجوههم يتكففون الناس لقمة العيش.
تذكرت الآية القرآنية من سورة سبأ: فمزقناهم كل ممزق وجعلناهم أحاديث.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى