شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الخوف يغزو أوروبا

 

مقالات ذات صلة

 

 

رامي الخليفة العلي

 

 

اشتعال الصراع في غزة واستمراره لأكثر من أربعين يوما لم يترك أثره فقط في الشرق الأوسط، بل تجاوزه إلى الدول الغربية، حتى بتنا نرى قرارات حكومية لم يكن ليتوقعها الكثير من مواطني هذه الدول، قبل أسابيع قليلة، حتى في أسوأ كوابيسهم؛ ولعل من أبرز تلك القرارات هو منع مظاهرات في فرنسا رافضة للحرب الإسرائيلية على غزة، باعتبار أنها قد تهدد السلم الاجتماعي كما أوضحت السلطات الفرنسية، ولكن بالمقابل سمحت وشجعت المظاهرات المؤيدة للجانب الإسرائيلي، وهذا ما دفع المحكمة العليا إلى إصدار حكم يعتبر قرار السلطات باطلا ويسمح بتلك المظاهرات.

في ألمانيا كان الوضع أكثر عنفا عندما تم إلقاء القبض على بعض المتظاهرين المؤيدين للقضية الفلسطينية، وعمدت السلطات إلى التهديد بترحيل أولئك الذين يُظهرون أفعالا يمكن أن يفهم منها معاداة السامية، وهذه التهمة أصبحت فضفاضة بشكل كبير، بحيث أصبحت تشمل أولئك المنتقدين لسياسة الحكومة الإسرائيلية أو المتعاطفين مع الضحايا من الأطفال والنساء والمدنيين الفلسطينيين الذين سقطوا بالآلاف نتيجة القصف الهمجي للجيش الإسرائيلي، بل إن رفع العلم الفلسطيني أصبح تهمة في بعض البلدان الأوروبية تستدعي الاعتقال والتحقيق.

يرافق هذا الجو المشحون بتصاعد خطاب الكراهية بشكل كبير، والذي وجد طريقه إلى الفضاء العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقد لعبت جماعات متطرفة يسارية أو يمينية دورا بارزا في التصعيد من حدة هذا الخطاب، مما دفع اليمين المتطرف إلى ركوب الموجة واستغلال هذا الجو لاكتساب مزيد من الأعضاء والأتباع، والاستعداد للجولات الانتخابية القادمة. ولعل المثال البريطاني هو الأكثر بروزا مع إقالة وزيرة الداخلية البريطانية سويلا برافرمان، التي تبنت خطابا متشنجا ومناهضا بشكل كبير للمهاجرين، مع أنها هي نفسها تنتمي إلى أسرة مهاجرة، ولكن مقولات اليمين الشعبوي أصبحت رافعة لأي طموح سياسي، وهذا ما تطمح إليه السيدة برافرمان مع الصراع المتوقع لتولي صدارة حزب المحافظين.

لكن المرعب هو تحول الرقابة المفروضة في الدول الغربية وعلى وسائل التواصل الاجتماعي إلى حالة غير مسبوقة في التاريخ، حيث يوضع الرقيب على أطراف أصابعك وهي تكتب على الهاتف أو الحاسوب أو حتى على أطراف شفتيك وأنت تتحدث عبر هذه الوسائل، لقد أصبحت كلمة خوارزميات والرعب الإلكتروني صنوان لا يفترقان، فكما كان الكاتب والصحافي في أعتى الدول الشيوعية يواري كلماته ليعبر من خلالها عن أفكاره، تحولت مواقع التواصل الاجتماعي إلى ساحة للتلاعب والتورية والالتفاف حول الخوارزميات.

بغض النظر عن تفاصيل الصراع في غزة، فإن هناك شعورا عميقا بالخوف، وأصبح المستقبل غامضا بالنسبة إلى الكثيرين ممن ألقت بهم تقلبات السياسة ومآسيها على الشواطئ الأوروبية، فدولة القانون والمواطنة وحرية التعبير، التي هي المنجز الأهم للدولة الأوروبية الحديثة، تحولت إلى قشرة رقيقة سرعان ما تلاشت أمام الحدث الفلسطيني.

لقد ثبت بأن محاضرات حقوق الإنسان التي يلقيها الغربيون على مسامع الدول الأخرى، ليست سوى مكياج ومساحيق تخفي وجها أرعب الكثير من اللائذين بتلك الخطابات.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى