شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسية

الريسوني: كنت أريد أن أصبح شاعرا وفي شبابي لقبني الناس بالفقيه

ترجمة حصرية لمذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس (13)

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

واصل الريسوني حديثه: «عندما كان عمري عشرة أو أحد عشرة عاما كنت طالب علم، وكنت أعرف القراءة والكتابة، وأحفظ أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم. ولهذا السبب كان هناك عالم جاء إلى قريتنا، مهتما جدا بي وكان يخبرني أمورا كثيرة.

كنت أراقب حصانه وأحرسه لكي أبقى معه وقتا أطول وأستمع إلى حكاياته. كانت لديه موهبة الحديث وكان يستطيع إضحاك الرجال إلى أن يسقطوا أرضا. وقررت أن أقلده، فجمعت أصدقائي أيضا، وعدد منهم كانوا أكبر مني سنا، وقمنا بجولة بين القرى ونحن نحمل راية بيضاء لكي نجمع المال للعالِم الذي كان فقيرا جدا شأنه شأن الرجال الحكماء.

أحيانا كان الناس يضحكون علينا ويمتنعون عن منحنا المال. ثم أتعامل معهم بحزم، وأستحضر طريقة مُعلمي في الكلام، فتصبح كلماتي حادة كالسيف، وتخترق قلوبهم فيقولون لنا:

-خذ هذا، خذ ذاك.

ويمنحوننا ما يفوق طاقتهم المادية بكثير.

وبعد أيام من الجولات، كنا نعود أدراجنا إلى القرية، ونصب ما جمعناه في ثوب العالِم، ويباركني ويحثني على السفر أكثر لجمع المزيد من الثروة.

بعد ذلك، بدأت أحس بعدم استقرار روحي. كنت أرتجل الخطابات وأتدرب عليها في الجبال وألقيها على الطير والماعز.

لا زلت إلى اليوم أتذكر ما كنت أقوله وما كان يقوله الناس وأستطيع تكراره حرفيا. هذه هبة من الله، إلا أنها أذهلت أستاذي. وكنت أيضا أحب التاريخ. وأردت معرفة كل ما وقع في الماضي. لذلك أؤمن هذه الأيام بأن الحكمة كلها مستقرة في صفحات الكتب.

في عدد من المواقف لم أكن محقا، لذلك كان علي دائما أن أدرس تاريخ الجيران، لكي أحصل على الحكمة.

ماذا يمكن للكتب أن تُخبرك عما يدور في قلب عدوك؟ إن الأمر هنا لا يتعلق بأصدقائك. كيف يمكنك التغلب عليهم في الحروب إذا لم تكن تعرف خططهم مسبقا؟

عندما انتابتني الشكوك بهذا الشأن، وازداد قلقي أكثر، جمعت الأصدقاء القدامى أنفسهم مرة أخرى، وحزمنا رؤوسنا بالمناديل البيضاء، وحملنا أغصان شجر الزيتون، وارتدينا جلابيبنا بطريقة مقلوبة، وقمنا بجولة مثل رحلة الحج، حول مزارات وأضرحة القرى المجاورة.

كانت تلك المزارات تبدو لنا من بعيد مجموعة من القبب البيضاء اللامعة تحت الشمس، وكانت أشرطة الثوب البيضاء المربوطة إلى الأشجار القريبة منها ترفرف من بعيد.

لم نأخذ معنا أي مؤونة. لا ماء ولا طعام. لكن القرويين أكرمونا وأجزلوا لنا العطاء ولم نكن في حاجة إلى السؤال أو تسول ما نأكل.

بعض هؤلاء القرويين تذكروني فور رؤيتي وقالوا لي:

-هذا هو الرسول الصغير الذي كان يخبرنا الحكايات. يا سيدي! أرجوك ألق علينا خطابا من خطبك، لكي نتأكد أن آذاننا لا تخدعنا. أخبرتهم بكثير من القصص والحكايات، لكنها كانت دائما حكايات عن الحرب.

لقد أنهيت دراستي في تطوان. وفيها عشت إلى أن توفي والدي، حيث دفناه في مقبرة العائلة داخل مسجد سيدي عيسى. خلال تلك الفترة، كنت قد درست القانون والفقه، وعرفتُ رموز الإسلام الأربعة وأصبحت لدي القدرة على تفسيرها وفقا للقرآن الكريم.

بقيت تطوان بالنسبة لي خلف الجبال، ولم أعد أفكر فيها نهائيا. كانت رغبتي أن أصبح مفسرا للشريعة الإسلامية وأديبا. كنت أعيش في عالم مغلق بين دفات الكتب التي أقرؤها.

عندما عدت إلى قرية «زينات»، كان الناس يقولون عندما يرونني:

-هذا فقيه.  

وكانوا يأتون من أماكن بعيدة لكي يستشيرونني ويسمعوا كلامي.

خلال النهار كنت أفسر لهم الشرع وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطيهم الحلول لمشاكلهم. وفي الليل كنت أتمشى إلى الجبل وأتأمل النجوم. هل سبق لكِ أن فكرتِ كيف أن النجوم تلعب دورا في حياتنا؟ وكيف أن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى ليالي في الصحارى لكي يتواصل روحيا معها؟ وكيف أن المسيح، روح الله، وكيف أن نبي الله داوود، أب النبي سليمان، درس النجوم وهو يرعى قطعان الماشية؟

في تلك الليالي كتبت بيوت الشعر، لكن لا قصيدة منها كانت تستحق أن تبقى في الذاكرة».

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى