الرئيسية

الزواج العرفي أو «الجنس الحلال» بعد فضيحة كوبل النجار وبنحماد

منال البشيري (صحافية متدربة)

عاد موضوع الزواج العرفي في المغرب إلى الواجهة، بعد فضيحة القياديين في حركة التوحيد والإصلاح الإسلامية عمر بن حماد وفاطمة النجار، بعد أن تم القبض عليهما في حالة تلبس داخل سيارة بالقرب من شاطئ المنصورية قبل أن يتم اقتيادهما من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية والتحقيق معهما حول ممارسة مخلة بالحياء وبالآداب العامة في مكان عمومي وذلك داخل السيارة نفسها، قبل أن يعترفا خلال استجوابهما بأنهما متزوجان عرفيا لتتم متابعتهما بتهمة الخيانة الزوجية والفساد.
الزواج العرفي أو السري هو ارتباط بين رجل وامرأة في علاقة زواج يغلفها طابع السرية ويلفها التكتم، ويكون بوثيقة غير شرعية يوقع عليها الطرفان أو قد يكون الأمر شفهياً، ويقر الطرفان بأنهما متزوجان، ويقوم اثنان بالشهادة عليها وتكون الوثيقة من نسختين واحدة للرجل والأخرى للمرأة، لكن الارتباط لا يحمل طابع الشرعية لأنه لا يتم توثيقه ولا الإعلان عنه فيبقى في الظل وفي إطار السرية، ويحمل هذا الزواج عدة مسميات، منها زواج المتعة، زواج الدم، «فريلاند».. وتختلف التسميات حسب الإيديولوجيا والمستوى الاجتماعي والثقافي للمتزوجين.
المعطيات التي تظهر بين الفينة والأخرى تؤكد أن الزواج العرفي في المغرب انتشر وأصبح يشكل خطراً اجتماعياً، خاصة داخل الجامعات المغربية وتحديداً في صفوف الطلبة الإسلاميين. وفي هذا الصدد، طالبت نائبة برلمانية عن حزب الاتحاد الاشتراكي سنة 2012، داخل قبة البرلمان، بضرورة التدخل في موضوع أصبح يشكل خطراً حقيقياً، خاصة مع إقبال طلبة الجامعات على خوض هذه التجربة والدخول في زواج غير شرعي عبر التحايل وتحت مسمى «زوجتك نفسي» الذي انتشر بشكل واسع خلال السنوات الأخيرة.

«زنا» يستوطن الحرم الجامعي
ينتشر الزواج العرفي في المغرب داخل الجامعات، خاصة وسط الطلبة الإسلاميين، حيث يبقى هذا الزواج هو الحل الأنجع، في نظرهم، من أجل الهروب من ممارسة الزنا، لكنه يبقى في نظر الكثيرين مجرد زنا اتخذ له قناع، لأن الرابط الذي يجمع المتزوجين عرفيا هو وثيقة غير شرعية ولا قانونية، أو رابط شفهي غالباً ما يتم التخلص منه شفهيا وتهضم جميع حقوق الزوجة وفي بعض الأحيان يصبح الأبناء كبش فداء.
عادة ما ينتهي الزواج العرفي داخل الحرم الجامعي مع نهاية السنة الدراسية، وتجد الفتاة أو الزوجة الافتراضية نفسها داخل دوامة من المشاكل، تتجرع مرارة الحياة وتتفرس حالها بعد أن كانت فريسة لذئب بشري، حولها إلى كائن فاقد للحياة.
لم تكن (سعاد)، 25 سنة، تتصور يوماً أنها ستصبح زوجة في انتظار الإثبات، جسد نحيف وسط زي طويل وبملامح وجه جميلة أتعبها التفكير وتجرعت مرارة ما أقدمت عليه يوما، ظنا منها آنذاك أنها لم تقم بشيء يدخل في دائرة الحرام معتقدة أن كل ما في الأمر أنها أقدمت على الزواج دون علم أفراد عائلتها.
وتروي (سعاد)، التي كان وجهها يصفر حيناً ويحمر حيناً آخر، لـ «الأخبار»، أن الزوج كانت تربطه بها علاقة عاطفية دامت سنة داخل الجامعة، ليقترح عليها في ما بعد فكرة الزواج العرفي، فسعدت كثيراً لاعتقادها أنه يريد التقدم للزواج بها وطلب يدها من أفراد أسرتها، لكن سرعان ما تبخرت سعادتها بتدخله ليشرح لها في ما بعد أنه سيكون مجرد زواج بينهما، وسيتقدم لها حين تسمح الفرصة بذلك.
لم تكن (سعاد)، في بادئ الأمر، مقتنعة بالموضوع، لكن مع إلحاح رفيقها اقتنعت بالفكرة، ظناً منها أن الأمر عادي، ليستمر الحال على المنوال نفسه، وظلا يلتقيان داخل منزل صغير كان يكتريه رفقة صديق له في الجامعة، تذهب إليه (سعاد) بعد مغادرة أسوار الجامعة، وفي بعض الأحيان تتغيب عن المحاضرات..
ظل الحال على ما هو عليه، وعاشت (سعاد) في حلم، لكن سرعان ما استفاقت منه يوماً على إيقاع كابوس الحمل. واجهت الزوج بأنها حامل ولم يتقبل الأمر، بل اتهمها بأنها تخونه وهددها بالفضيحة و»الشوهة» في حال فكرت في اللقاء به مرة أخرى، أو حتى في أن تروي لأحد قصتهما.
لم تستوعب (سعاد) الأمر وكأنها تظن أنها في كابوس ستستفيق منه صباحا، لكن ذلك كان الحقيقة المرة التي أصحبت تدور في دوامتها رفقة جنينها. لم تدر ماذا تفعل لتقرر في ما بعد إخبار ابنة عمها بالأمر، خوفاً من إخبار أسرتها وإخوانها الكبار الذين قد يقدموا على ارتكاب جريمة القتل في حقها.
واضطرت (سعاد) الى الرضوخ للأمر الواقع، فهي اليوم أم لطفلة عمرها سنتان لم يثبت نسبها بعد، اسمها «أمل»، هي الأمل الذي تنتظره (سعاد) بعد ما عاشته من ألم تسبب فيه الشاب أو الزوج الذي رحل إلى وجهة مجهولة بعدما انتقل من المدينة التي جمعتهما، لتجد نفسها أمام واقع مر تتكبد مشاكله بمفردها بعدما تخلى عنها الكل.
تكتري (سعاد) الآن بيتاً بـ500 درهم للشهر وتعمل في البيوت، تاركة ابنتها «أمل» مع إحدى جاراتها في الحي. لم ترد التخلي عنها رغم الضغوط التي تخضع لها من طرف عائلتها بالتخلي عن ابنتها والعودة إلى المنزل، فبعد أن كانت طالبة جامعية وتأمل في أن تكون أستاذة، أصبحت (سعاد) خادمة في البيوت من أجل إعالة وتربية ابنتها أملها الوحيد في الحياة، بحسب تعبيرها لـ«الأخبار».

معطيات صادمة
ما إن تطأ قدماك المحكمة، حتى تكتشف أن عددا هائلا من الفتيات كن ضحايا الزواج العرفي أو «زواج الفاتحة» غير الموثق. فالمحاكم تعج بقضايا إثبات الزوجية وإثبات النسب، بالرغم من عدم وجود إحصاءات رسمية لأن الأمر يتم التستر عليه في كثير من الأحيان، إلا أن بعض الجمعيات غير الحكومية قامت بجرد عدد الحالات التي في المحاكم المغربية من أجل إثبات الزواج وبلغت 2000 حالة، 70 في المائة من الفتيات تتراوح أعمارهن بين 18 و25 سنة، وتختلف مستوياتهن الثقافية، الاجتماعية والاقتصادية، مع نسبة 30 في المائة من النساء أغلبهن مطلقات أو أرامل وقعن في الزواج العرفي خوفاً من القانون وهروباً من أحكام المجتمع.
وفي ما يخص قضايا إثبات النّسب المعروضة على المحاكم الشرعية، فإن ثمة أكثر من 500 حالة إثبات النسب من الزواج العرفي، لكن في أغلب الأوقات تقرر بعض العائلات في هذه الحالة تسجيل الطفل باسم أحد أقاربه، في حال قررت المرأة الاحتفاظ بمولودها بدل التخلي عنه، وفي غياب معطيات رسمية فإن الأرقام يمكن أن تكون ارتفعت.
القانون المغربي لا يعترف بالزواج العرفي أو السري، ويصنفه في خانة الفساد الذي يعاقب عليه القانون. فالمشرع المغربي وضع شروطا من أجل تشريع الزواج، وحسب المادة 16 من مدونة الأسرة، فإن وثيقة الزواج تعد الوسيلة المقبولة لإثبات الزواج، أما إذا حالت الأسباب أو الظروف دون توثيق الزواج، فهنا وضع المشرع المغربي الاستثناء، حيث تعمل المحكمة على سماع دعوى الزوجة من أجل إثبات الزواج، مع الأخذ بعين الاعتبار وجود أطفال أو حمل ناتج عن علاقة زوجية، فيتم التسريع بتوثيق الزواج.

زواج وإنجاب في السر
ليست (سعاد) الوحيدة التي كانت ضحية الزواج العرفي، فـ(أمينة)، المنحدرة من مدينة الرشيدية، بعد أن كانت متزوجة بـ»الفاتحة» والكل يعلم بزواجها، أصبحت الآن أما لأطفال غير معترف بهم ومجهولي النسب.
وتروي (أمينة) ذات الوجه البيضاوي والملامح الصحراوية، لـ«الأخبار»، تفاصيل قصتها قائلة: جاءت من مدينتها لتعيل أسرتها بعد وفاة الوالد، فلم يكن لها خيار آخر سوى مغادرة قريتها الجنوبية في اتجاه مدينة تمارة من أجل العمل في أحد المنازل، ولم يمر وقت طويل حتى أصبحت (أمينة) على علاقة عاطفية بأحد شباب الحي الذي تسكنه، حيث صدقت الفتاة القروية الكلام المعسول والألفاظ التي أثارت مكامن قلبها، الذي اشتد خفقانه وتناست كل شيء. وبعد أن قدم جارها إلى عائلته على أساس أنها ستكون زوجته المستقبلية، سعدت (أمينة) بذلك وسافرت إلى الرشيدية من أجل الإعداد لخطبتها الرسمية من أهلها وإشهار زواجهما وتحقيق ذلك الحلم الذي راودها منذ مدة طويلة، خاصة أنها شارفت على الأربعين من عمرها.
ومن أجل التملص من عقد قران الزواج بينهما، برر الزوج لأمينة أنه وجب أخذ الوقت الكافي من أجل ادخار المال للزواج. وبحكم أنها زوجته أمام العائلة ظلت أمينة تتردد على منزل الزوج الذي كان يقطن رفقة عائلته، لينتقلا في ما بعد للعيش معاً في شقة للكراء. بعد سنة أنجبت أمينة مولودها الأول ثم الثاني فالثالث، وظلت على مدى خمس سنوات تلح على الزوج من أجل إثبات زواجهما لكي لا تضيع حقوق أطفالها، لكن لا جدوى من ذلك، فالزوج كان عاطلا عن العمل ويعاقر الخمر، وكان همه الوحيد هو أن تعطيه أمينة ما كانت توفره من مال في عملها بالبيوت.
وبعد مخاض عسير، استطاعت أمينة إقناع الزوج بضرورة إثبات زواجهما وتوثيقه من أجل إثبات نسب أطفالها الثلاثة، لكي لا تضيع حقوقهم، ويصبحوا أطفالا شرعيين وفي الحلال بعيداً عن الحرام.

غطاء لممارسة «الجنس الحلال»
يعتبر الزواج العرفي لدى الكثيرين الملاذ الوحيد للهروب من المسؤولية وإضفاء الشرعية على ممارسة «الجنس الحلال»، أي ممارسة علاقة جنسية خارج الإطار الشرعي، في الوقت الذي لا يسمح مجتمعنا بالعلاقات غير الشرعية المحرمة دينياً ومجتمعياً ويعاقب عليها القانون، لكن عادة ما يتم تغليف الزنا بالزواج العرفي والتحايل على القوانين والأعراف، لممارسة علاقات جنسية محرمة ويعاقب عليها القانون والمجتمع. لكن كثيرا من الحالات تسقط في فخ العدالة أو تلجأ إليها للتخلص من ورطتها الكبيرة بعدما تكون قد وقعت في المحظور.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى