
مع رفع الأحزاب من إيقاع السباق الانتخابي، تعود ملفات استغلال معدات وآليات الجماعات الترابية وشاحنات وسيارات الدولة والمال العام في الحملات الانتخابية إلى الواجهة، فضلا عن استغلال الدعم الجمعوي والخدمات العمومية وجودتها وسلطة التوقيع والامتيازات وترضية الخواطر والمال العام في توسيع القواعد الانتخابية.
وهناك ملفات استغلال آليات ومعدات الجماعات الترابية في حملات انتخابية، التي تسببت في إسقاط المنصب البرلماني والأمر بانتخابات برلمانية جزئية، كما تمت متابعة الجهات المتورطة أمام القضاء، في انتظار إصدار الأحكام المناسبة طبقا للقوانين الجاري بها العمل، وشروط المحاكمة العادلة والحق في الدفاع.
وفي ظل السعي لتخليق الحياة السياسية بالمغرب، أصبح من الضرورة تحرك السلطات المختصة استباقيا لمنع استغلال المال العام في الحملات الانتخابية، مع الانتباه لتدبير كواليس التطاحنات الحزبية التي لا تحترم أدنى الأخلاقيات والتنافس الشريف بعيدا عن المساس بالسلم الاجتماعي، وتدمير وجه المؤسسات العمومية، وكسر ما تبقى من ثقة بين المواطن والمجالس المنتخبة.
لقد عادت الأحزاب لعادتها القديمة في ركوب مآسي الأحياء العشوائية، وتهييج الاحتجاج على سوء الخدمات وغياب المرافق الضرورية، علما أن المجالس المعنية هي السبب في كل المشاكل لتورط رؤسائها في التشجيع على الفوضى والعشوائية، حيث تلتحق جل القيادات الحزبية في كل مناسبة انتخابية بجوقة المحتجين على سوء الخدمات وترمي بالكرة في مرمى الدولة التي يلقي الكل بثقل فشله عليها ليخادع الرأي العام ويربح الأصوات والتهافت على سباق الأرقام الانتخابية وليس البرامج التنموية.
يجب العمل على ضمان تكافؤ الفرص في التنافس الانتخابي في المرحلة المقبلة، ومحاربة استعمال الأموال السوداء في استمالة الناخبين، بالشكل الذي يغري الشباب بالمشاركة السياسية، واستقطاب الطاقات والكفاءات التي يمكنها إحداث الفارق في تجويد الخدمات العمومية بنكران للذات، عوض إعادة تدوير العاهات السياسية بمبررات واهية، وتجريب المجرب سابقا رغم ثبوت فشله وتورطه في قضايا الفساد.
وعوض تباكي القيادات الحزبية على الوضع السياسي، وتوجيه مدافع المزايدات الانتخابوية نحو الدولة، وجب تحمل الأحزاب السياسية مسؤوليتها الكاملة في التزكيات التي تمنح للمترشحين، وضمان عدم تكرار تزكية الفاسدين أو الذين تمت متابعهم أمام القضاء أو الحكم عليهم بالسجن في قضايا متعددة تتعلق بالتزوير والنصب والاحتيال وملفات لها علاقة بالاتجار في الممنوعات.
إننا في حاجة ماسة لحلبة سباق سياسي نظيفة واحترافية، بروح وطنية عالية وبرامج وأهداف واقعية، وتنافس انتخابي خال من الضربات تحت الحزام واحترام المتنافسين، واحترام القوانين التي تؤطر اللعبة السياسية في كل الأحوال، والقبول بالخسارة والعودة لانتقاد الذات وترتيب البيت الداخلي، وليس الخروج للبحث عن مشجب يعلق عليه الفشل، والحديث عن كائنات غير مرئية تتحكم في الكواليس، مع التزام الصمت عند الفوز بالمنصب وتذوق حلاوة السلطة.





