
نعيمة لحروري
في بلاد تقدس “التقارير” وتهمش الواقع، يقال إن المرأة وصلت إلى مراكز القرار.
تكتب الجملة بخط عريض، وتلحق بها أرقام ونسب، تقدَّم في المحافل الدولية كبطاقة عضوية في نادي المساواة.
لكن حين تطرق المرأة باب السياسة، غالبا ما تجد خلفه ليس مشروعا جماعيا، بل صالونا ذكوريا واسعا، فيه كرسي صغير ينتظرها.. مشروطا بأن تبتسم، أن لا تزعج، وأن تقول في النهاية: شكرا على التمكين.
المرأة السياسية ليست واحدة.
في الغالب، لدينا ثلاث نساء:
الأولى، تزيينية، تأتي عبر لائحة حزبية حسمت مسبقا في جلسة شبه سرية، لا تشارك في النقاش، لكنها تدرج في الصور الرسمية، وتستعمل كدليل على أن الحزب “متقدم في قضايا المرأة”.
الثانية، متحمسة، تؤمن حقا أنها ستغير شيئا، فتتكلم، تحتج، تعد مقترحا، ثم تهمش، يسخر منها، وتنقل إلى لجنة “غير فعالة”.
الثالثة، قديمة وحذرة، تعرف أن النجاة في الصمت، وأن الحديث الجريء يقصر العهدة… ويفتح الأبواب الخلفية للمؤامرات.
وهناك الرابعة، إن وجدت، فهي إما قد انسحبت، أو لم تُرشح أصلا.. وربما وجدت مكانا آخر تحارب فيه، حيث الميكروفون ليس مربوطا ب”كابل” سياسي.
السؤال ليس: هل دخلت المرأة السياسة؟
بل: ماذا فُعِل بها حين دخلت؟
هل استُعملت لتزيين الحملة؟
هل وُضعت في اللائحة لأن “القانون يفرضها”؟
هل سُمِح لها بالكلام بشرط أن لا تقول شيئا؟
في كل دورة انتخابية، تستدعى النساء للمنصة، يصفق لهن، يعطين وردة وكلمة شكر، ثم يسحب منهن الميكروفون الرمزي ويعاد إلى جيب الهيئة السياسية الأم.
الرسالة واضحة:
تحدثي.. بشرط ألا تقولي شيئا.
وإذا خرجت عن النص، فهناك من يذكرك أن الصمت فضيلة، خاصة حين يكون مكافأته مقعدا مريحا.
المرأة في السياسة لا تُمنع بالقانون، بل تُفرَّغ بالممارسة.
يفتح لها الباب، ثم يغلق بالحضور الرمزي، بالدسائس الناعمة، بالتهميش الصامت، أو بالأخوات اللواتي يبتسمن في وجهك ويدفعنك تحت الطاولة.
لا يقال لك “اصمتي” صراحة، بل يقال: “خلي الوقت يدير خدمتو”، أو “غادي يجي وقتك، دابا غير تفرجي.”
ومع ذلك، هناك من لا تزال تكتب، من تترشح بلا خلفية نافذة، من تتحدث رغم أن الميكروفون لا يُنقل إليها، من تخرج من القاعة، وتبدأ العمل الحقيقي في “الزنقة”، في الجمعية، في الجلسات العائلية، في “جروبات” الفايسبوك، حيث لا ميزانية ولا بروتوكول.. فقط وجع حقيقي وصوت واضح.
هؤلاء هن السياسيات الحقيقيات.
لأن السياسة، في جوهرها، ليست عدد الأصوات، بل عدد الضمائر التي لم تُخن.
فالمرأة التي لا تجد لنفسها مكانا في لائحة حزبية، قد تجد مكانا في قلوب من خدمتهم.
والكرسي الذي ترفض أن تجلس عليه إذا فُرض عليها أن تصمت، أكرم من مئة مقعد برلماني على مسرح لا تُعرض فيه إلا مشاهد متكررة.. تنتهي دائما بالتصفيق.





