
محمد اليوبي:
كشف التقرير السنوي للمجلس الأعلى للحسابات وجود اختلالات بقطاع السياحة، مسجلا فشل مخطط تشجيع السياحة الداخلية الذي رصدت له الدولة مبالغ مالية كبيرة. وأوصى المجلس بإحداث مديرية مركزية مخصصة للسياحة الداخلية، مكلفة بالقيادة الاستراتيجية والتنسيق بين المؤسسات المعنية بتنفيذ استراتيجية الوزارة في مجال تطوير السياحة الداخلية.
وأوضح المجلس، في تقريره، تعثر مخطط بلادي، الذي يندرج ضمن رؤية 2020، ويهدف لإنشاء ثماني محطات سياحية بسعة إجمالية تبلغ 39.788 سريرا، وذلك من أجل إنعاش السياحة الداخلية وتقديم عرض سياحي يستجيب لتطلعات السياح المحليين، غير أنه، وإلى متم 2022، تم إنجاز ثلاث محطات فقط، وهي محطات إفران (5.772 سريرا)، وإيمي وادار- أكادير (6.844 سريرا) والمهدية (4.360 سريرا) بسعة إجمالية تبلغ 16.976 سريرا، أي ما يشكل 39% فقط من الأهداف المسطرة.
وحسب الوزارة، حالت مجموعة من الإكراهات دون إنجاز المحطات الأخرى، من بينها، على وجه الخصوص، الصعوبات المتعلقة بتصفية العقارات، والحصول على تراخيص التجزئة والبناء (محطات راس الماء بالناظور وسيدي العابد بالجديدة وسد واد المالح ببنسليمان)، وعدم ملاءمة العقار لنوعية بعض المشاريع (محطات الحوز والمضيق).
وأشار التقرير إلى أن الإجراء الرابع من عقد البرنامج الوطني، الذي تم توقيعه تنزيلا لرؤية 2020، ينص على أنه يجب على السلطات المختصة العمل على تعبئة الأوعية العقارية اللازمة لتطوير منتجعات بلادي في المناطق الأكثر إقبالا من طرف السياح المغاربة وبأسعار معقولة، كما أنه سبق للتقييم نصف المرحلي الذي قامت به الوزارة، سنة 2016، أن أشار إلى التأخير الحاصل في تنفيذ مخطط بلادي. ومع ذلك، لم يتم تفعيل أي إجراء لتجاوز الإكراهات التي عاقت تنفيذ المشاريع المسطرة، سيما في ما يخص تعبئة العقارات، وذلك من خلال تعزيز دور الأجهزة العمومية اللاممركزة وتفويت إدارة مشاريع بلادي إلى الفاعلين المحليين. ونظرا للعوامل سالفة الذكر، فإن الاستمرار في تنزيل هذا المخطط لم يعد ضمن التوجهات الاستراتيجية للوزارة.
وسجل التقرير أنه، من أجل تطوير وتسيير المنتجعات السياحية المنجزة في إطار مخطط بلادي، تم إبرام اتفاقيات بين الوزارة والأجهزة العمومية الترابية (الولاية والجهة) من جهة، والأطراف المكلفة بتطوير وتسيير المنتجعات السياحية، من جهة أخرى. وحددت هذه الاتفاقيات برنامج الاستثمار الذي يجب تنفيذه والآجال الواجب الالتزام بها، كما تم وضع شروط محددة لضمان استفادة السائحين الداخليين من هذا العرض السياحي، حيث تنص الاتفاقية الخاصة بمحطة «امي وادار» بأكادير، مثلا، على أنه يجب تسويق 70% من ليالي المبيت المخصصة للتوزيع الوطني عن طريق منظمي الرحلات ووكالات الأسفار المغربية، وحددت هذه النسبة في 30% لمحطة إفران و60% لمحطة المهدية. كما تم التنصيص على تسقيف أسعار بيع ليالي المبيت في وجه السياح الداخليين حسب نوعية العرض (مساكن فندقية عمودية بسعر يتراوح بين 200 و400 درهم، ومساكن فندقية أفقية بسعر يتراوح بين 300 و500 درهم، والمخيمات بسعر يتراوح بين 100 و150 درهما).
وسجل التقرير أن الزيارات التي تقوم بها اللجنة المحلية للتتبع المعنية بمراقبة مدى الامتثال للالتزامات التعاقدية تقتصر على تتبع تنفيذ المشاريع ولا تشمل مراقبة مختلف الالتزامات التعاقدية، سيما في ما يخص احترام أسعار تسويق ليالي المبيت للسياح الداخليين، مما يشكل خطرا على تحقيق الهدف المتمثل في تخصيص جزء من العرض السياحي «بلادي» للسياح الداخليين وبأسعار تناسب قدرتهم الشرائية.
وأبرز التقرير أن الإقامات العقارية المخصصة للإنعاش السياحي تخضع لأحكام القانون رقم 01.07 القاضي بسن إجراءات خاصة تتعلق بالإقامات العقارية للإنعاش السياحي، وهي وحدات سكنية يملكها مالك واحد أو عدد من الملاك يُعهد بتسييرها لشركة للتدبير تضمن تناسق الإقامة واستمرارية استغلالها. ورغم التحفيزات التي يوفرها القانون من أجل تشجيع الاستثمار في هذا النوع من المشاريع السياحية، فإن عدد إقامات الإنعاش السياحي لم يشهد نموا كبيرا يتماشى مع الطلب المتزايد على هذا النوع من العرض السياحي من طرف السياح المحليين، حيث إن الإنجازات خلال الفترة 2011-2020 لم ترق لتحقيق هدف 40.000 سرير المخطط له في أفق 2020، حيث ارتفع عدد هاته الإقامات من إقامة واحدة إلى 11 إقامة فقط بسعة استيعابية انتقلت من 1.200 إلى 3.566 سريرا (أقل من 9 % من الهدف).
وتعزى هذه الوضعية، حسب عدد من الفاعلين في القطاع، إلى بعض الشروط التي حددها القانون، خصوصا مدة العقد المحددة في تسع سنوات والتي تعتبر طويلة وغير مشجعة للملاك الذين يفضلون استغلال مساكنهم على المدى القصير وتأجيرها بشكل غير رسمي في ظل غياب مقتضيات تؤطر هذا النوع من الإيواء السياحي، إلى جانب المنافسة الناجمة عن الإيواء السياحي غير المهيكل.
وسجل التقرير أن أحد التدابير الرئيسية لدعم السياحة الداخلية يتمثل في تخصيص شيكات السياحة، حيث تعتبر هذه الشيكات وسيلة دفع متاحة للموظفين والمستخدمين مقابل الخدمات السياحية المختلفة، وبالفعل، يضيف التقرير، فقد تم، في إطار قانون المالية المعدل لسنة 2020، اعتماد إعفاء من الضريبة على الدخل على المكافآت والمزايا الممنوحة للموظفين في إطار شيكات السياحة من أجل تعزيز دينامية النشاط السياحي الداخلي. وأكد التقرير أنه، بالرغم من مباشرة العمل ما بين مختلف الإدارات المعنية لوضع النصوص التنظيمية الخاصة باعتماد شيكات السياحة، إلا أن هذه الآلية لم تفعل إلى حد الآن، ويعزى ذلك، حسب الوزارة المكلفة بالسياحة، للصعوبات التي تعتري عملية إعداد قاعدة المستفيدين ومسطرة الاستفادة.





