
حسن البصري
مع اقتراب موعد نهائيات كأس الأمم الإفريقية، المنظمة في المغرب، قررت المملكة فرض تأشيرة إلكترونية موقتة على ثماني دول، بينها الجزائر وتونس. ويشمل القرار، إضافة إلى البلدين المغاربيين، كلا من: بوركينا فاصو والرأس الأخضر والسنغال والغابون والنيجر ثم الطوغو.
قدم المغرب ما يكفي من شروحات لمواطني الدول المعنية بتأشيرة “الكان”، كي لا يسيئوا الظن بنا. قيل لهم إنها تدبير مؤقت للحشود الجماهيرية يراعي سلامة البلد وضيوفه، وقيل إن العمل بها سينتهي بعد نهاية “الكان”، وأن تسليمها سيتم بسلاسة، لكن لا حياة لمن تنادي.
قبل أفارقة جنوب الصحراء القرار السيادي للمملكة المغربية على مضض، وشرعوا في إعداد وثائق “الفيزا” المغربية. لكن التونسيين والجزائريين انفجروا غاضبين واعتبروا التأشيرة ضربا لصرح الاتحاد المغاربي.
نسي التونسيون أن راعيهم الرسمي “الجزائر” هو من جعل للاتحاد المغاربي كرسيا متحركا، ونسي الجزائريون أن رئيسهم سعى لبناء تكتل جديد على أنقاض اتحاد عانى طويلا من شلل نصفي.
التزم “سوء النظام” الجزائري والتونسي الصمت، ولم يصدر أي رد فعل رسمي على تأشيرة “الكان”، لكنهما سيدفعان بزبانيتهما إلى الجبهات الأمامية من معركة “الفيزا”، وهم يشهرون سيوفا استلت من أغمادها.
قال “محلل” تونسي في برنامج إذاعي:
“مطلوب من جامعة الكرة في بلادنا أن تراسل “الفيفا” وتوضح ليها قرار المغرب اللي يضر بمنتخب نسور قرطاج”.
اتصل مستمع من القيروان، وطالب بمقاطعة “الكان”، ودعا المدربين التونسيين، المتعاقدين مع أندية مغربية، وهم يعدون على رؤوس الأصابع، بحزم حقائبهم والعودة إلى تونس في أول رحلة جوية.
كانت مداخلة الدبلوماسي التونسي ووزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس رزينة، متأنية، هادئة كهدوء الرجل.
اسمعوا ما قال لهم: يا ناس هذا إجراء أمني بحت، لا يحمل أي بعد سياسي أو إساءة للتونسيين، هذا تدبير يريد من خلاله إخواننا المغاربة أن يقولوا لنا: ساعدونا على إنجاح البطولة الإفريقية، أعينونا على تثبيت النظام.
أخرس الديبلوماسي الحكيم ألسنة السوء ومحللي زمن التفاهة الإعلامية، فلم يجد منشط البرنامج خلاصا من ورطته، سوى اللجوء لفاصل غنائي اختار له، ويا لمكر الصدف، أغنية “علي جرى من مراسيلك” للمطربة علية ذات الأصول المغربية.
أما الجزائريون فقد نددوا بقرار التأشيرة، وقال كبير صحافييهم، “إن المغرب ضيع فرصة فتح الحدود البرية”.
حين قررت الخارجية الجزائرية “إعادة العمل الفوري بالإجراء الخاص بضرورة الحصول على تأشيرة الدخول إلى التراب الوطني، على جميع المواطنين الأجانب الحاملين لجوازات سفر مغربية”، تبين أن فرض “الفيزا” في ظل قطع العلاقات بين البلدين، هو تحصيل حاصل.
كان مقص الجزائر دوما سباقا إلى قطع الروابط الإنسانية التي تجمع الشعبين، وهو المقص الذي قطع ما تبقى من علاقات دبلوماسية مع المغرب في غشت 2021، وما ترتب عن القرار من منع التحليق فوق أجواء جزائر تمسح كل أعطابها في جارها، فجعلت من الجار مرادفا للدمار.
السؤال المطروح اليوم:
لماذا قبلت تونس والجزائر قرار قطر حين اعتمدت “الفيزا” الإلكترونية، أثناء تنظيمها لكأس العالم 2022؟
لماذا ابتلع التونسيون والجزائريون ألسنتهم، وسكتوا عن الكلام “المتاح” حين تعلق الأمر بقطر، ونظموا قوافي العناد حين سنت مملكتنا ضوابط الاستضافة؟
لم تكتف قطر بتعليق نظام تأشيرات الزوار خلال فترة المونديال، واعتماد بطاقة “هيا” للمشجعين، بل أغلقت حدودها البرية في وجه السيارات والشاحنات، حتى لا تتعرض الدوحة لاختناق مروري، بالرغم من اتفاقيات مجلس التعاون لدول الخليج.
قبل العرب والعجم تدابير دولة قطر، وقالوا إنها قرارات سيادية، وحين وضع المغرب ضوابط الفرجة، انتفض الجيران وتذكروا المأسوف عليه “اتحاد المغرب العربي”، بعد أن أضحى غارقا في سكرات الموت.





