شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

اللجنة التي.. 

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

في شهر فبراير 1905 تلقى المغرب لأول مرة في تاريخه عرضا بإقامة مستوصفات ومستشفيات في المغرب.

وهذا العرض لم يكن ماديا، أي أن الجهة التي قدمته لم تقترح مثلا مبلغا من المال أو مشروعا جاهزا ينتظر التنفيذ، بل قدمت سلسلة اقتراحات إصلاحية للدولة المغربية.

قد تكون هناك محاولات إنشاء مستشفيات أو مراكز صحية في المغرب قبل هذا التاريخ، لكن أول مبادرة رسمية لتأسيس مستشفيات مغربية جاءت في هذا السياق.

وهذا الأمر موثق في مراسلة رسمية وقعها مندوب الجمهورية الفرنسية في طنجة الدولية، واسمه «روني تايانديي».

ولأن فرنسا كانت دائما تنظر إلينا من وراء زجاج استعماري لا يعكس الحقيقة كاملة، فقد اقترحت إنشاء المستشفيات، ضمن لائحة من الإصلاحات المقترحة على القصر الملكي في فاس، من بينها إنشاء شرطة مغربية وبنك وطني وبداية إنشاء الأشغال العمومية.

ماذا كان الرد الرسمي للمغرب وقتها؟ كلف السلطان لجنة مكونة من العلماء وبعض وزراء الدولة وأعيان من القبائل المنتشرة في أرجاء المغرب، لكي يدرسوا المقترح الفرنسي.

المثير أن المراسلة الفرنسية توجد نسخة منها في الأرشيف الفرنسي، لكن نظيرتها المغربية سيكون من المستحيل الوصول إليها، وبالتالي فإن معرفة نتائج اجتماع اللجنة المغربية سوف يكون مستحيلا أيضا.

ماذا دار بين هؤلاء الوزراء والأعيان والعلماء؟ لا بد أن علماء القرويين، الذين كان بينهم فقهاء كبار، سوف يُحرمون ظاهرة «الممرضات»، إذ سبق أن أعربوا عن رفضهم القاطع لوجود ممرضات نساء في المستشفيات الفرنسية التي أسست في المغرب ما بعد 1912.

لكن الأرشيف اقتصر على ذكر إبداء موقف إيجابي رسمي من المغرب على المقترح الذي تقدم به الموظف الدبلوماسي الفرنسي، وهو ما اعتبرته الصحافة الفرنسية وقتها انتصارا ميدانيا على ألمانيا التي كانت تنافسها على استعمار المغرب.

«رأوا العشب ولم يروا الحافة». مثال ينطبق على وزارة الخارجية الفرنسية في تلك الأزمنة السحيقة، إذ أن ما اعتبره أولئك الفرنسيون انتصارا لهم لأنهم استطاعوا فرض إصلاحات على المغرب، واجهته القبائل الغاضبة في أنحاء المغرب بمزيد من الحزم، ومنهم من توعد الأجانب بالموت في حالة ما فكروا في إنشاء مستشفى لهم فوق تراب «القْبيلة». وطبعا تلك التهديدات تطورت وصارت واقعا عندما سُجلت اعتداءات على أوروبيين بسبب الإشاعات المنتشرة عن قرب هيمنة فرنسا على المغرب.

المغاربة لم يتقبلوا في البداية حتى تداول العملة الأجنبية في المغرب، واعتبروا أن مجرد إمساك «الفرنك» الفرنسي في اليد يستوجب الطهارة. لكن الذين كانوا يفكرون في المستقبل، أدركوا مبكرا أن اللغة الوحيدة التي سوف تعود على متحدثها بالنفع هي لغة خشخشة المال في الجيب، وليست اللغة الفرنسية.

وطبعا، جاءت الأيام بما لم تكن تنتظره تلك القبائل الغاضبة والعلماء المتعصبون. وفعلا أسست المستشفيات، وتسابق المغاربة إلى طلب العلاج داخلها، وتأسست الشرطة الفرنسية في المغرب ووظفت أعوان مغاربة تباروا في ما بينهم على تعذيب أبناء جِلدتهم والترجمة لصالح الضباط الفرنسيين في الأقبية والمخافر.

أما الأشغال العمومية فقد استغلت المغاربة بدون أجرة في أغلب مناطق المغرب وحفرت بهم الأنفاق وأجبرتهم على العمل الشاق في بناء الإدارات.

فرضت فرنسا في الأخير رؤيتها «الإصلاحية» في المغرب، ولم تعد بحاجة إلى رأي لجنة مغربية من الوزراء ولا العلماء.

واليوم، لا يزال لدينا من يفكرون دائما في جلب أي فكرة إصلاحية من «الخزانة» الفرنسية، رغم أن فرنسا اليوم واحدة من الدول التي لا يجب الاقتداء بها نهائيا. إذ أن الأمر أشبه بالسير بثبات نحو جدار للارتطام به، فقط لأن الآخرين هشموا رؤوسهم عنده.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى