
يعتبر العطاء والتضامن من القيم التي رسخها الملك محمد السادس في مساره الوطني والدولي، مما جعله واحدا من أبرز القادة الذين جعلوا من المسؤولية الإنسانية وملامسة معاناة الشعوب، قضية مركزية في حكمهم. تحت هذا الشعار، أطلق الملك عبر سنوات حكمه العديد من المبادرات التضامنية والإنسانية التي طالت ليس فقط المغرب، بل امتدت لتشمل القارة الإفريقية بأكملها، وكذلك قضايا الأمة العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي حظيت باهتمام ملكي مستمر وعميق.
منذ توليه العرش، جعل الملك محمد السادس من قضايا شعوب القارة الإفريقية أولوية استراتيجية ضمن السياسة الخارجية المغربية، حيث اعتبرها جزءا لا يتجزأ من هويته ومسؤولياته كزعيم في المنطقة. ولم تكن هذه الأولوية كلاما على الورق، بل ترجمها عمليا من خلال إرساء أُطر تعاون رائدة، من بينها مبادرة ملكية هامة لمواكبة البلدان الإفريقية في تدبير جائحة فيروس كورونا المستجد، والتي أثبتت جدواها في محاصرة آثار الوباء الصحية والاقتصادية والاجتماعية عبر القارة.
في خضم الأزمة الوبائية التي اجتاحت العالم، حرص الملك على أن يكون المغرب في طليعة الدول التي لا تنظر إلى نفسها بمعزل عن محيطها الإفريقي، بل على العكس، جعل من التضامن مع الأشقاء في القارة السمراء عنوانا لتصرفات سياسية وإنسانية ملموسة. فقد وضع إطارا عملياتيا لتقاسم التجارب الناجحة والممارسات الفضلى بين الدول الإفريقية، ووجه موارد ومساعدات طبية وتقنية عديدة دعمت بلدانا متعددة في مواجهة تفشي الوباء.
هذا الدور الاستباقي لا يعكس فقط حس المسؤولية الإنسانية لجلالة الملك، وإنما يؤكد على رؤية المغرب كشريك دائم ومستمر في دعم استقرار وتنمية القارة، وهو ما دفع مؤسسات دولية، من بينها صندوق النقد الدولي، لوصف المملكة كركيزة أساسية للتنمية والاستقرار في إفريقيا.
وما زاد من تميز المغرب تحت قيادة الملك، هو موقعه الريادي عالميا في تطبيق إجراءات صارمة وحاسمة في مواجهة الجائحة، ما ساهم في تقليل الخسائر البشرية والصحية، ودفع دولا أخرى للاستفادة من نموذج المغرب في إدارة الأزمة، سواء من حيث التنظيم أو توفير الموارد أو توزيع اللقاحات.
على صعيد آخر، لا يمكن الحديث عن المبادرات الإنسانية الملكية دون التوقف عند الدعم الدائم الذي يقدمه جلالة الملك للقضية الفلسطينية، التي تمثل إحدى القضايا المحورية في السياسة المغربية. فقد أطلق الملك، بصفته رئيس لجنة القدس، عدة عمليات إنسانية ومساعدات طبية موجهة إلى سكان غزة والقدس، تجسد استمرار العناية الملكية المباشرة والدائمة بالشعب الفلسطيني، خاصة في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون جراء الحصار والنزاعات.
في عام 2024، أرسل المغرب مساعدات إنسانية طبية متعددة إلى غزة خلال فترات حاسمة، كما تمت توجيه مساعدات إلى القدس خلال شهر رمضان، بالإضافة إلى مبادرات مستمرة تقوم بها وكالة بيت مال القدس التي تنشط تحت إشراف الملك. كما قدم المغرب دعمه في أكتوبر 2023 بتمويل حملات إنسانية طارئة، لتوفير الرعاية الطبية والغذائية للفلسطينيين المحتاجين.
هذه المبادرات تتجاوز الدعم المادي لتصل إلى مستوى رمزي ودبلوماسي، حيث يشكل المغرب منبرا فاعلا للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في المحافل الدولية، ويحرص جلالته على إبراز القضية الفلسطينية كقضية مركزية في سياسته الخارجية.
لا تقتصر المبادرات الملكية على مناطق بعينها، أو أزمات محددة، بل تعكس رؤية إنسانية شاملة تتضمن دعم الفئات الهشة والمتضررة داخل المغرب وخارجه، في إطار قيم التضامن والكرامة الإنسانية. فقد شهد المغرب تحت قيادة جلالة الملك إطلاق برامج اجتماعية وصحية واسعة النطاق تستهدف تحسين ظروف عيش المواطنين، سيما الفئات الأكثر هشاشة.
وجاءت هذه المبادرات في سياق استراتيجي يعزز مكانة المغرب كدولة فاعلة إنسانيا على الصعيدين الإقليمي والدولي، تدعم الاستقرار والتنمية عبر تقديم حلول عملية وفعالة، مع الالتزام بالقيم الإنسانية الراسخة.
تؤكد هذه المبادرات أن اليد الملكية البيضاء لا تقتصر على المهام السياسية أو الاقتصادية، بل تتعداها إلى تعزيز التضامن الإنساني الحقيقي، الذي يبني جسور المحبة والتعاون بين الشعوب. إن رؤية جلالة الملك محمد السادس في جعل قضايا إفريقيا وفلسطين وأزمات العالم جزءا من أولويات المغرب، تعكس روح القيادة التي تفهم أن القوة الحقيقية تكمن في التضامن، وأن الازدهار الحقيقي هو ذاك الذي يشمل الجميع دون استثناء.
بهذا المعنى، تبقى المبادرات الملكية الإنسانية شاهدة على تاريخ من العمل الدؤوب والالتزام الصادق، من أجل جعل المغرب قوة خير وصانع سلام، ينشد العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة في وطنه وقارته والعالم بأسره.





