
ما هي أهم محطات 26 سنة من المبادرات والأوراش الملكية للنهوض بوضعية المرأة؟
حقيقة لا يمكن الحديث عن النهوض بوضعية المرأة وفسح آفاق الارتقاء أمامها، دون التوقف عند التحول النوعي الذي شهدته قضية تمكين المرأة وتعزيز أدوارها، منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش المجيد، فقد حرص جلالته على تمكين المرأة من موقع ريادي في صلب عملية بناء مجتمع مغربي متكامل، يقوم على المساواة وتكافؤ الفرص، ويرسخ مساهمتها كشريك محوري في تحقيق التنمية المستدامة وبناء المغرب الحديث. وانعكست هذه العناية الملكية السامية في مجموعة من الإصلاحات والمبادرات التي كرست مكانة المرأة في مختلف القطاعات، ورسخت دورها الفاعل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
فعلى المستوى السياسي والاجتماعي، شهدت قضية تمكين المرأة تطورا متواصلا تمثل في تعزيز حضورها ضمن آليات صنع القرار والتدبير العمومي، وهو ما تجسد في عدد من القرارات الوطنية الرائدة التي شكلت مكاسب مهمة في مختلف المجالات السياسية والاجتماعية. وتم هذا المسار في إطار رؤية ملكية متبصرة تقوم على ترسيخ مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص، كما عبر عنها جلالته في خطاب العرش لسنة 2022، حيث أكد أن بناء مغرب التقدم والكرامة لن يتم إلا بمشاركة جميع المغاربة، رجالا ونساء، في عملية التنمية التي تستلزم ضرورة المشاركة الكاملة للمرأة المغربية، في كل المجالات.
يُلاحظ أن حضور المرأة في مختلف الأوراش والمشاريع الاجتماعية أصبح يشكل إحدى أولويات السياسات العمومية،. فقد منحت تصورات النموذج التنموي الجديد للمرأة المغربية آفاقا أوسع للمساهمة الفعلية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، سواء من خلال خلق الثروات، أو تأسيس المقاولات المنتجة والمحفزة على فرص الشغل. كما أسهم هذا النموذج في تعزيز حضور المرأة الريادي في مختلف القطاعات، وجعل من تمكينها ركيزة أساسية في التنمية بالأقاليم الجنوبية، وفاعلا محوريا في الأوراش الاجتماعية، والمبادرة الوطنية للتنمية البشرية. ومن خلال هذه الأوراش الاستراتيجية، ضُمنت للمرأة المغربية أعلى درجات المشاركة الميدانية في مختلف مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية، بفضل جهود جلالة الملك الرامية الى تمكين المرأة في إطار ترسيخ حقوقها القانونية والشرعية، ضمن مغرب حديث يضمن للمرأة التمتع الكامل بحقوقها ومكانتها المستحقة في المجتمع.
- ماذا بخصوص المبادرات الملكية في مجال الإدماج الاقتصادي والاجتماعي لفئة الشباب، وتحفيز جيل جديد في خدمة التميز والابتكار؟
يعد الإدماج الاقتصادي لفئة الشباب أولوية استراتيجية لدى جلالة الملك محمد السادس، الذي ما فتئ منذ اعتلائه العرش المجيد يُشرف على إطلاق سلسلة من المبادرات والإصلاحات، التي ساهمت بشكل فعلي في تحقيق الازدهار الاقتصادي والاجتماعي لهذه الفئة الحيوية. ويندرج هذا الاهتمام في إطار رؤية ملكية متكاملة تروم تمكين الشباب من الوسائل الكفيلة بتعزيز أدوارهم التنموية، سيما وأنهم يُمثلون ما يقارب ثلث سكان المملكة، ويشغلون موقعا مركزيا في صلب عملية التنمية المستدامة التي تنتهجها البلاد. وتجسد هذه الرؤية الملكية، المبنية على سياسة القرب والعدالة المجالية، مقاربة تنموية شاملة تستهدف تحقيق تنمية بشرية مندمجة ومستدامة.
وفي السياق ذاته، نستحضر إطلاق جلالة الملك محمد السادس لورش مدن المهن والكفاءات، وهو برنامج وطني متكامل يهدف إلى إحداث 12 مدينة موزعة على مختلف جهات المملكة، يعكس هذا المشروع الرؤية الملكية السامية والعناية الخاصة التي يوليها جلالته لقطاع التكوين المهني، باعتباره رافعة استراتيجية لتحسين تنافسية الاقتصاد الوطني، ومسارا واعدا للإدماج المهني والاجتماعي للشباب. ويندرج هذا الورش في إطار تفعيل خارطة الطريق الجديدة لتطوير التكوين المهني، التي أطلقها جلالته، والتي تقوم على معايير حديثة في مجال الحكامة المالية والبيداغوجية، وتهدف إلى تحقيق التقائية بين التكوينات وحاجيات سوق الشغل، بما يعزز فرص التشغيل ويرسخ مقومات تنمية مستدامة وشاملة.
وجسد هذا الورش العناية الملكية السامية التي يوليها جلالة الملك محمد السادس لقطاع التكوين المهني، باعتباره رافعة استراتيجية للتنمية، ومسارا واعدا لإعداد الشباب وتأهيلهم لولوج سوق الشغل والاندماج المهني. ويعد هذا القطاع لبنة أساسية في صرح البناء التنموي والاقتصادي للمملكة، وإحدى الركائز المحورية والآليات الفعالة الكفيلة بإفراز جيل جديد من الكفاءات الوطنية والإفريقية، القادرة على الانخراط النوعي والمباشر في النسيج المجتمعي، بما يعزز دينامية الرخاء الاقتصادي للمجتمع برمته.
لقد حرص جلالة الملك محمد السادس بعناية مولوية على إطلاق ورش مدن المهن والكفاءات، برؤية ابتكارية رائدة، مكنت المغرب من ترسيخ مسار التحديث المؤسساتي المتواصل، والذي يتجلى اليوم في تطوير عرض التكوين المهني وتحديثه، من خلال اعتماد معايير جديدة للجودة والنجاعة. ويهدف هذا التحديث إلى تحفيز الإقلاع الفعلي لهذا القطاع الاستراتيجي ومواكبته، ليضطلع بدوره الكامل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية. خطوة هادفة نحو تأهيل هذه الفئة اجتماعيا واقتصاديا، من خلال فتح آفاق أوسع للاندماج المهني، وتحقيق دخل كريم يضمن الاستقرار الاجتماعي والكرامة.
- ما هي الإنجازات التي حققها المغرب في مجال تشيد البنيات التحتية وتطورها بالمعايير الدولية؟
تعد البنيات التحتية أحد أبرز مظاهر الإصلاح والتطور الذي وقف عليه جلالة الملك محمد السادس، بشكل مستمر. وقد تجلت هذه الرؤية الثاقبة في إطلاق العديد من الأوراش الكبرى غير المسبوقة التي تواكب المعايير العالمية، بالإضافة إلى مشاريع جديدة على المستوى الإقليمي والقاري، مما جعل المغرب يتفرد بإنجازات تعتبر رائدة في القارة الإفريقية. وشملت هذه المشاريع تطوير شبكة السكك الحديدية، بما في ذلك القطار فائق السرعة، إلى جانب توسيع شبكة الطرق السيارة والموانئ الكبرى الدولية. كما حقق المغرب تقدما لافتا في مجالات الطاقات المتجددة وصناعة السيارات والطيران واللوجستيك.
إنجازات تعكس رؤية ملكية حكيمة تهدف إلى تحقيق استدامة في البنى التحتية، كان لها تأثير تحفيزي كبير على النسيج الاقتصادي الوطني والإقليمي. كما أسهمت في تفعيل الاستراتيجيات القطاعية واللامركزية، بحيث إن تطوير البنى التحتية شكل أولوية استراتيجية لدفع عجلة التنمية الشاملة، وضمان استمرارية تقدم المملكة، لتظل أمة ناهضة ومتحركة نحو المستقبل.
بفضل الجهود المستمرة والقيادة الحكيمة لجلالة الملك محمد السادس، حقق المغرب نقلة نوعية في تأهيل المدن والمجال الحضري، من خلال إطلاق العديد من المشاريع الهيكلية الكبرى. وأسهم هذا التوجه في تعزيز التقدم الذي تم تحقيقه في الورش الملكي للجهوية المتقدمة، حيث تم الانتقال إلى مرحلة جديدة من التطور للمجال الترابي، وقد شمل هذا التطور مجال الربط الداخلي والخارجي بين جميع جهات المملكة، مما ساهم في تحويل هذه الجهات إلى أقطاب اقتصادية وتجارية وصناعية وسياحية وثقافية.
في هذا السياق، عمل جلالة الملك على إنشاء جيل جديد من المطارات وتطوير النقل الجوي، فضلا عن توفير شبكة واسعة من الخطوط الجوية الوطنية والدولية. ونتيجة لهذه الإنجازات الكبيرة، أصبحت جهات المغرب بمثابة عواصم استثمارية بامتياز، تجذب الاستثمارات الوطنية والدولية، كما قدمت نموذجا يحتذى به في تطبيق نظام اللامركزية وحكامة الجهات، واليوم بلادنا تحظى بثقة المنتظم الدولي في احتضان العديد من التظاهرات العامية، بما يؤكد المسار المتطور الذي بلغته في بنياتها التحتية.
جلالة الملك محمد السادس عمل على النهوض بالعالم القروي، وجعله عمادا للتنمية الفلاحية وركيزة محورية في استراتيجيات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، سيما ضمن إطار الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. ومنذ 26 سنة، قاد جلالته مسارا تنمويا حثيثا، حيث حظي العالم القروي، والفلاحون الصغار بشكل خاص، بعناية ملكية خاصة تجسدت في وضعهم في صلب التنمية البشرية والقروية. هذه العناية السامية تترجم في تحسين وضعية هذه الفئة. وقد تجسد هذا الالتزام في إطلاق برنامج التنمية الموجه إلى سكان العالم القروي، خاصة الفئات الأكثر فقرا وهشاشة، في خطوة رائدة تهدف إلى تحسين حياتهم وتوفير فرص العيش الكريم.
- ماذا بخصوص انتصارات الدبلوماسية الملكية وتأسيسها لدينامية دولية للاعتراف بعدالة القضية الوطنية؟
منذ اعتلاء جلالة الملك محمد السادس نصره الله عرش المملكة، حققت الدبلوماسية الملكية انتصارات كبرى لصالح القضية الوطنية، تُرجمت بشكل فعلي وواقعي من خلال اعتراف عدد كبير من الدول بعدالة الموقف المغربي، وإيمانها العميق بمبادرة الحكم الذاتي كحل جاد وذي مصداقية، وأسهمت هذه الدبلوماسية الحكيمة التي يقودها جلالة الملك في تعزيز إشعاع المملكة على المستويين الإقليمي والدولي في مختلف المجالات.
وعند تناول العلاقات الخارجية للمملكة، يلاحظ المتتبع للشأن الدولي أن المغرب، بفضل الجهود الحثيثة لجلالة الملك، استطاع تحقيق نجاحات دبلوماسية متوالية حظيت بإشادة دولية واسعة، بحيث مكن هذا المسار الدبلوماسي المتزن والمتبصر من توطيد علاقات استراتيجية مع عدد كبير من الدول، انخرطت بدورها في دينامية افتتاح قنصليات عامة لها بالأقاليم الجنوبية، تأكيدا لموقفها الداعم للوحدة الترابية للمملكة.
لقد استطاعت الدبلوماسية الملكية تحفيز العديد من دول العالم على افتتاح قنصليات عامة في الأقاليم الجنوبية للمملكة، في خطوة تمثل تأكيدا واقعيا لانتصار دبلوماسية ناجعة وفعالة فقد انتقلت هذه الدبلوماسية من مرحلة تحصين المكتسبات المرتبطة بالقضية الوطنية، إلى مرحلة جديدة تقوم على فرض واقع دبلوماسي متقدم، محوره اعتراف دولي متزايد بمشروعية مبادرة الحكم الذاتي، باعتبارها حلا واقعيا وذا مصداقية ومستداما لهذا النزاع المفتعل.
تجسد الدبلوماسية الملكية نموذجا فريدا في تحقيق النجاحات المتتالية والاعترافات الدولية بعدالة القضية الوطنية، حيث تمكنت، في وقت قياسي يحمل دلالات عميقة، من تحقيق مكاسب استراتيجية وانتصارات دبلوماسية ملموسة لصالح قضايا المملكة، سيما ما يتعلق بوحدتها الترابية. وتُرجم هذا النجاح من خلال الارتفاع اللافت في عدد القنصليات التي تم افتتاحها في الأقاليم الجنوبية للمملكة، واعتراف الولايات المتحدة الأمريكية التاريخي بعدالة القضية ودعمها لمقترح الحكم الذاتي، التوجه نفسه نهجته فرنسا وإسبانيا والبرتغال والعديد من الدول الكبرى ذات التأثير الوازن في الأمم المتحدة والساحة الدولية بشكل عام.
*أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة القاضي عياض مراكش- محلل سياسي





