شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

المغرب.. فرنسا والمستقبل

عبد الكريم غيلان

 

تعد فرنسا شريكا اقتصاديا أساسيا للمغرب، فوارداتها منه زادت بنسبة 5.70 في المائة، وصادراتها إليه بنسبة 3.18 في المائة. وتحافظ على تصدر قائمة المستثمرين الأجانب بالمغرب، سيما في قطاع الخدمات. وبلغت حصة فرنسا 35 في المائة، أي 8.10 ملايير أورو من مجموع الاستثمارات الأجنبية المباشرة بالمغرب في عام 2019. ويتصدر المغرب قائمة وجهات الاستثمارات الفرنسية في القارة الإفريقية، إذ هناك أزيد من 950 فرعا للمنشآت الفرنسية بالمغرب.

وعلاوة على ذلك، يتصدر السياح الفرنسيون عادة قائمة السياح الأجانب بالمغرب، إذ يمثلون 33 في المائة من إجمالي السياح الوافدين إلى المغرب.

بالمقابل، وحسب تقرير صادر عن وكالة «بزنس فرانس» الحكومية الفرنسية، فإن المغرب يعتبر المستثمر الأول بفرنسا من بين الدول المغاربية، إذ إن المستثمرين المغاربة كانوا وراء 15 من مجموع 37 مشروعا استثماريا بشمال إفريقيا عام 2021 (40 في المائة من المشاريع). وقد مكنت الاستثمارات المغربية المنجزة في فرنسا من خلق حوالي ألف فرصة عمل، ما بين عامي 2014 و2021.

من جهة أخرى، يحتل المهاجرون المغاربة بفرنسا الرتبة الأولى ضمن عدد المهاجرين المغاربة في العالم، إذ بلغ عددهم أزيد من مليون و300 ألف نسمة

لكل ذلك، فإن الانتخابات الرئاسية الفرنسية تشكل حدثا مهما بالنسبة إلينا كمغاربة، وعلينا تحليلها على ضوء المعطيات الجيوسياسية والاستراتيجية، للحفاظ على مكانة ومصالح بلادنا.

وأول سؤال يطرح نفسه، في هذا الصدد، هو: هل ينبغي الفرح بعد الانتصار الملحوظ ليوم الأحد 24 أبريل؟ الجواب مباشرة ودون تردد هو: لا! لعدة أسباب، أولها أن اليمين المتطرف كان قاب قوسين أو أدنى من انتزاع فوز تاريخي، وتحقيق زلزال سياسي سيؤثر سلبا على مهاجرينا. ولذلك، يمكن القول إن نجاح ماكرون يترك طعم الرماد في الفم.

فرنسا، اليوم، منقسمة بشدة، واليمين المتطرف يتنامى، إذ لم يفز قط، منذ تأسيس الجمهورية الخامسة، بهذا العدد المهول من الأصوات، الذي تجاوز، لأول مرة، سقف 40 في المائة.

لا جدال أنه تمت إعادة انتخاب إيمانويل ماكرون لمدة خمس سنوات كرئيس للدولة، بفارق مهم، أو كما قالت صحيفة «لوتون» إن ماكرون حقق «نجاحا سياسيا لا يمكن إنكاره، في بلد هزته رياح احتجاجات قوية ترفض النخبة السياسية ««dégagisme. لكن فوزه لا يستحق تلك النشوة بالانتصار، التي أعلنها أنصاره على مقربة من برج إيفل، إذ هناك معطيات قادرة على منع الرئيس ماكرون من الشعور بالرضا عن النتائج. وهنا نسجل ما يلي:

 مقارنة نتائج ماكرون ولوبان في 2017 و2022 تُظهر أن الفجوة ماضية في التقلص بين المرشحين، فضلا عن حجمها الخطير إذا عدنا بالمقارنة إلى اقتراع 2002.

لنلاحظ حدود الفجوة في الجولة الثانية، بين جان ماري لوبان ثم مارين لوبان، وبين الرئيس المنتخب:

2002 –  شيراك / لوبان 82.21 في المائة – 17.79 في المائة.

2017 –  ماكرون / لوبان 66.10 في المائة – 33.90 في المائة.

2022 –  ماكرون / لوبان 58.80 في المائة – 41.20 في المائة.

إن فوز ماكرون في عام 2017، حيث هزم لوبان بشكل مريح بنسبة 66 في المائة من الأصوات، أصبح اليوم فوزا بهامش أصغر بكثير، وهو يعكس حقيقة سياسية وديموغرافية خطيرة جدا تتمثل في أن ما يقرب من 42 في المائة من الناخبين الفرنسيين، يدعمون شخصية سياسية ترمز إلى قيم تناهض الكثير من القيم والمبادئ التي يؤيدها قادة باقي دول الاتحاد الأوروبي

 – ماكرون انتصر في انتخابات قاطعها الفرنسيون أكثر من الانتخابات السابقة، إذ إن معدل الامتناع عن التصويت ليوم الأحد 24 أبريل 2022، الذي بلغ حوالي 28 في المائة، هو ثاني أعلى معدل في تاريخ الجمهورية الخامسة، بعد انتخابات 1969.

 المشروع الانتخابي الذي قدمه الرئيس المنتهية ولايته، بالكاد يثير حماس الفرنسيين. لقد صوت له العديد من الناخبين، في كثير من الأحيان، لأسباب أخرى غير التي يقترحها في برنامجه، وغالبا لقطع الطريق على لوبان، وهذا ما لمسه ماكرون نفسه وأكده في كلمة الفوز أمام أنصاره، قرب برج إيفل في باريس.

في تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، بعنوان «بالنسبة لمسلمي فرنسا، الاختيار بين أقل الشرور في التصويت الرئاسي»، ذكرت أن الرئيس الفرنسي ماكرون، وزعيمة اليمين المتطرف لوبان تقاتلا، عقب انتهاء الجولة الأولى من الانتخابات، على 7.7 ملايين ناخب دعموا جان لوك ميلونشون، الزعيم اليساري الراديكالي، الذي حصل على المركز الثالث في الجولة الأولى من الانتخابات، والذين أغلبهم من المسلمين، إذ صوتوا له، لأنه المرشح الرئيسي الوحيد الذي أدان باستمرار التمييز ضد المسلمين، وضد المهاجرين

على ضوء هذه العناصر، يتبين أنه، في غضون خمس سنوات، زادت الأصوات التي صوتت لصالح لوبان في الجولة الثانية بنحو 8 في المائة، وأن فرملتها كانت بأصوات الفرنسيين غير المقتنعين بماكرون، ما يعني أن المعركة ستكون محتدمة جدا في يونيو المقبل، خلال الانتخابات التشريعية، التي يسميها الفرنسيون «الجولة الثالثة»، وأن ماكرون لن يهنأ بانتصار الأحد، إذ لن يجد أمامه فقط معارضة يمينية متطرفة وعنصرية، بل هناك معارضة يسارية راديكالية وقوية، مما سيجعل من السنوات الخمس الرئاسية المقبلة «لن تكون نزهة في الحديقة»، كما عبر عن ذلك العديد من الفرنسيين والأوروبيين.

نافذة:

فرنسا اليوم منقسمة بشدة واليمين المتطرف يتنامى إذ لم يفز قط منذ تأسيس الجمهورية الخامسة بهذا العدد المهول من الأصوات الذي تجاوز لأول مرة سقف 40 في المائة

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى