حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

الهروب إلى الأمام

 

 

أحمد مصطفى

 

يتمتع رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون بمهارات مناورة مثيرة للاهتمام، أفادته كثيرا في الخروج من أزمات متكررة، من فضائح انتهاك القانون إلى شبهات فساد. لكن ما يواجهه الآن، هو وحكومته كلها وحزبه الحاكم، قد يكون القشة التي تقصم ظهر البعير. ربما يتمكن جونسون من تجاوز العاصفة، لكنها بلا شك ستؤثر على مستقبله السياسي.

الأزمة هذه المرة لا تتعلق بخرق القانون ولا بالفساد والمحسوبية، وإنما بعدم فعل ما يريده البريطانيون من مساعدتهم على تحمل الارتفاع الصاروخي في تكاليف المعيشة. وذلك ما يؤثر بقوة في اتجاهات تصويت الناخبين، ليس في بريطانيا فحسب، بل في كل الدول الديموقراطية الرأسمالية. فالمواطنون لا يعبؤون كثيرا بالقضايا الكبرى ولا استراتيجيات السياسة الخارجية، إنما يصوتون على أساس ما يمس جيوبهم: أسعار السلع والخدمات، الأجور، الضرائب .. إلى آخر قائمة ما يتعلق بالحياة اليومية للناس، وقدرتهم المالية على تحمل تكاليفها.

في الانتخابات المحلية الأسبوع قبل الماضي، مني الحزب الحاكم بخسارة هائلة، لم يخفف من وقعها سوى أن حزب العمال المعارض الرئيسي لم يحقق مكاسب قوية تشكل تهديدا للمحافظين، لو أجريت الانتخابات العامة اليوم. رغم أن تحليلا لشبكة «سكاي نيوز» خلص إلى أنه لو طبق مثال نتائج الانتخابات المحلية على الانتخابات العامة، سيفقد حزب المحافظين أغلبيته في البرلمان. مع ذلك، لن يحقق حزب العمال أغلبية تمكنه من تشكيل حكومة. واتجه الناخبون إلى أحزاب أصغر، مثل الليبراليين الديموقراطيين أو حزب الخضر أو المستقلين.

هذا الاحتجاج من قبل الناخبين يعكس غضب الناس العاديين من الحزبين الرئيسيين، والسبب كما ذكر أغلب المرشحين في الانتخابات المحلية، هو ارتفاع تكاليف المعيشة بما يجعل الملايين من البريطانيين غير قادرين على تحملها. وانتظر الناس خطاب الملكة في البرلمان، الذي يعرض المحفظة التشريعية للحكومة في العام أو العامين القادمين. ولم يتضمن الخطاب، الذي تعده الحكومة، أي تغييرات تتعلق بتقديم الدعم للمواطنين لتحمل ارتفاع تكاليف المعيشة. ولا حتى خفض الضرائب، أو تأجيل بعض الاجراءات التقشفية في ميزانية الخزينة.

ومع أن بوريس جونسون ألمح إلى «إعلان» من الحكومة قريبا بشأن تكاليف المعيشة، توقع البعض أن يكون ميزانية تكميلية، إلا أن وزير الخزانة ريشي سوناك، استبعد تماما أي ميزانيات تكميلية، أو تقديم دعم للأسر البريطانية. ويبدو الخلاف بين رئيس الحكومة ووزير الخزانة مفهوما، في سياق أن سوناك كان من الأسماء المرشحة بقوة لخلافة جونسون، إذا استقال بسبب الفضائح، من الفساد في تجديد مسكن رئيس الوزراء، إلى جناية الحفلات وقت الحجر بسبب وباء كورونا.

أما المرشحة الثانية وقتها فهي ليز ترس، التي رقاها جونسون من وزير تجارة إلى وزير الخارجية. والوزيران من أنصار جونسون في الحزب والحكومة، لكنهما ربما ليسا بولاء وزيرة الداخلية بريتي باتيل، أو وزير التعليم (العراقي الأصل) نديم زهاوي. وبدا واضحا من خطاب الملكة أن التي كتبت أغلبه بريتي باتيل، إذ تضمن مشروعات قوانين تستميت لتمريرها من إرسال طالبي اللجوء إلى رواندا، إلى تجريم «التظاهر» المعرقل. أي ببساطة تمزيق كل التشريعات الحقوقية والحافظة للحرية، التي كانت تلتزم بها بريطانيا ضمن الاتحاد الأوروبي قبل بريكست.

الورطة الأخرى التي تواجهها حكومة جونسون هي مشكلة إيرلندا الشمالية، التي حقق حزب شين فين المعارض فوزا كاسحا في انتخابات الأسبوع قبل الماضي. ومع خشية انسلاخ إيرلندا الشمالية عن المملكة المتحدة وانضمامها إلى جمهورية إيرلندا، تدفع ليز ترس بقوة نحو تمزيق بروتوكول إيرلندا الشمالية المتضمن في اتفاقية بريكست.

واكتمل الخناق ببيانات الاقتصاد البريطاني بأنه شهد انكماشا في شهر مارس، أي عرف نموا سلبيا، ما يعني أن احتمالات الركود باتت أعلى بكثير.

في ظل هذه الأزمات، يصعد بوريس جونسون من المواقف بشأن الحرب في أوكرانيا، ويزور السويد وفنلندا لحثهما على الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي «الناتو»، إمعانا في إغاظة روسيا. يهدف جونسون من طريقة الهروب إلى الأمام تلك إلى الايحاء بأنه «يركز على عمله»، ومن ناحية أخرى يسوق لدى أعضاء حزبه من مناصري بريكست أن لندن تتخذ مواقف أكثر تشددا وقوة بعد بريكست، بالمزايدة على بقية أوروبا، وربما حتى الولايات المتحدة التي تقود التحالف الغربي ضد روسيا.

لكن الأهم في استراتيجية الهروب إلى الأمام، هو «لعب» بوريس جونسون على وتر مهم لدى قيادات الحزب الحاكم. ذلك أن بعض تلك القيادات، حتى التي ترى في ممارسات جونسون وحكومته مشاكل يمكن أن تكلف الحزب خسارة الانتخابات القادمة، يرون أنه ليس ملائما إزاحته من الحكم في وسط أزمة كالحرب في أوكرانيا وتداعياتها الاقتصادية الهائلة.

من غير الواضح بعد إن كان ذلك يمكن أن ينقذ حكومة جونسون. وحتى يرى عدد كبير من نواب حزب المحافظين، أن عدم مواجهة مشكلة ارتفاع تكاليف المعيشة يمكن أن تكلفهم خسارة مقاعدهم البرلمانية في الانتخابات القادمة، ستفيد طريقة الهروب إلى الأمام. أما إذا زاد عدد نواب الحزب الحاكم الذين يسحبون الثقة من جونسون، فإن هروبه إلى الأمام سيكون أسرع مما حسب، حتى أخرجه دائما من دائرة الحكم.

 

نافذة:

الأزمة هذه المرة لا تتعلق بخرق القانون ولا بالفساد والمحسوبية وإنما بعدم فعل ما يريده البريطانيون من مساعدتهم على تحمل الارتفاع الصاروخي في تكاليف المعيشة

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى