
أصبح ميزان التبادل التجاري مختلا لصالح تركيا، لأن المغرب كان يسعى فقط في سنة 2004 إلى ترويج منتوجاته وتقوية علاقته بأوروبا ومنافسة الاقتصاد الآسيوي عبر بوابة تركيا، لكن الظروف العامة لم تكن في صالح المغرب، بسبب صرامة القوانين التركية التي تتطلب العديد من الوثائق من أجل ولوج السوق التركية التي لا يؤمن مستهلكها إلا بمنتوج بلده حيث يستهلك 95 في المائة من المواد الغذائية تركية الصنع.
الاقتصاد التركي تحول إلى “غول” يسعى إلى النمو بشكل سريع على حساب الأخلاق العامة في مجال التبادل التجاري، لأن تركيا لا تحترم دائما الشروط المفروضة من طرف منظمة التجارة العالمية في مجال المبادلات التجارية.
ولهذا لجأت وزارة الصناعة والتجارة إلى تفعيل تدابير التقويم الانتقالي المشار إليها في المادة 17 من اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا وفقا للإجراءات المنصوص عليها في المادة 22 من هذه الاتفاقية. وتعد هذه التدابير بمثابة “تدابير الوقاية التفضيلية” المنصوص عليها في المادة 79 من القانون رقم 09-15 المتعلق بتدابير الحماية التجارية، وطبقا للمادة 22 من اتفاقية التبادل الحر بين المغرب وتركيا، تم اللجوء إلى عدة تدابير تقويمية بشكل مؤقت إلى حين الانتهاء من المشاورات مع تركيا في إطار اللجنة المشتركة المنصوص عليها في هذه الاتفاقية، ومن أجل الاحتفاظ بعنصر تفضيلي من المنشأ التركي، فرضت الحكومة رسم الاستيراد على الواردات المعنية في حدود 90 في المائة من نسبة رسم الاستيراد المطبق على الواردات المعنية في إطار الحق العام.
وقد لاقت سلسلة “بيم” التركية، في البدايات الأولى لإعلان الشروع في نشاطها بالمغرب، احتجاجا من قبل تجار الأحياء بالنظر إلى كونها توغلت في الأحياء الشعبية وحصلت على تراخيص افتتاح محلات بأحياء مكتظة، ما اعتبره التجار يشكل منافسة غير مشروعة لهم، على اعتبار أن هذا النوع من المتاجر يفتتح أبوابه في أماكن خارج دائرة الأحياء الشعبية.
غير أن هذا الاحتجاج خمد في ما بعد ليتحول تجار الأحياء أنفسهم إلى زبناء لدى سلسلة “بيم” في مجموعة من المناطق، وأصبحوا يقتنون موادا بأسعار مخفضة ويعيدون بيعها، لينتقل تخوف التجار الصغار وتجار الأحياء إلى هاجس يقض مضجع سلاسل المتاجر المغربية التي أصبحت تعاني من منافسة قوية وغير متكافئة.
ومنذ بدء نشاطها في المغرب في سنة 2009، سجلت سلسلة متاجر “بيم” التركية عجزا ماليا قدر في سنة 2009، بحوالي 40 مليون درهم، وفي سنة 2010 حوالي 56 مليون درهم، لتنتقل في سنة 2011 إلى 68 مليون درهم، وفي سنة 2012 إلى 86 مليون درهم.
وبالرغم من هذا العجز فإن معاملات الشركة واصلت ارتفاعها بحيث انتقلت من 50 مليون درهم في سنة 2009، إلى 189 مليون درهم في سنة 2010 و360 مليون درهم في سنة 2011 ثم 580 مليون درهم في سنة 2012، وهو منحى تصاعدي يعكسه تراجع وعجز في الأرباح.
هذه الوضعية يفسرها متتبعون لقطاع التوزيع بوجود دعم تستفيد منه سلسلة “بيم”، بحيث تربطه بالدعم التركي لمنتجاتها وعلامتها، رغبة منها في انتشار وتعزيز تواجد المنتجات التركية في الأسواق الدولية، وهو ما يفسر استمرار السلسلة في التوسع بالسوق المغربي بالرغم من العجز الذي تراكمه سنة بعد سنة، الأمر الذي يدفع إلى طرح أكثر من علامة استفهام حول استمرار شركة تنهي حساباتها السنوية بالخسائر ومع ذلك تزيد من استثماراتها.
وقد شكل رفع الدعم الكلي عن مواد الصناعات المغربية ضربة قاضية لتنافسية المنتجات المغربية أمام المنتجات التركية، في وقت تستفيد فيه المواد المصنعة بتركيا والمسوقة بالمغرب من دعم من قبل الدولة التركية قصد تسهيل الانتشار في الدول وتشجيع التصدير، كما تستفيد أيضا من اتفاقية التبادل الحر، كما أنها تستفيد من دعم غير مباشر من خلال تكلفة الإنتاج المرتفعة محليا ورفع الدعم عن المواد، وهو ما أثر على تنافسية المواد السلعية والاستهلاكية المغربية أمام المواد التركية.
السؤال المطروح اليوم هو لماذا يشجع حزب العدالة والتنمية التركي على توجيه شركاته بإنجلترا إلى الاستقرار بالمغرب؟
والملاحظ أن الشركات التي تأتي إلى المغرب، مثل شركة التبغ التي تسوق سجارة “نيكست” وشركات الأثواب التي تسوق الحجاب التركي لها علاقات تجارية وثيقة مع البريطانيين.
ولعلنا نستحضر في هذا السياق علاقة الإخوان المسلمين بالإنجليز منذ تأسيس الحركة على يد حسن البنا سنة 1927، وكيف تعامل مع الإنجليز من أجل ضرب إنتاج القطن المصري ومعامل النسيج كمكسب حققه عرابي.
أما في المغرب فهناك قراءة لوثيقة الاستقلال، قراءة الدكتور محمد شفيق مثلا، مفادها أن قطاع النسيج وتجارة الأثواب كانت وراء توقيع وثيقة الاستقلال بزعامة تجار فاس والمدافعين عنهم، لأن تجار فاس شرعوا في استيراد الأثواب الإنجليزية مما أغضب فرنسا التي قررت فرض رسوم جمركية مبالغ فيها على استيراد الأثواب الإنجليزية، وفرضت استيراد أثواب الألزاس وأثواب معامل النسيج الفرنسية، مما دفع بأهل فاس إلى تزعم وثيقة المطالبة بالاستقلال.
فهل توجه العدالة والتنمية المغربي نحو تشجيع استيراد الأثواب التركية من أصل إنجليزي هدفه تهديد الاستقرار الاقتصادي المغربي والاستقرار بشكل عام، بحكم أن المساس بمصالح التجار قد يؤدي إلى حراك يهدد السلم الاجتماعي.
وفي السنوات الأخيرة دفعوا بقياداتهم للاستثمار بالأموال التركية في مدارس التعليم الخاص.
ومجموع مدارس “محمد الفاتح” بالمغرب مثلا سبعة، اثنتان بطنجة وواحدة بكل من فاس ومكناس والجديدة وتطوان والدار البيضاء، والأخطر هو أن هاته المدارس يسيرها قياديون بالبيجيدي أو حركتهم.
جماعة “غولن” التي يتهمها أردوغان بتدبير الانقلاب، استثمرت كذلك في الإعلام والمجلات بالمغرب، ومثال ذلك مجلة “المحجبة” التي تعامل معها أعضاء بحركة التوحيد واﻹصلاح.
لو كانت لقيادات العدالة والتنمية الجرأة والشجاعة لأعادوا الأموال والمشاريع التي تلقوها من جماعة “غولن” قبل أن يخرجوا بتهديد كل من ساند أو شكك في الانقلاب بالقتل وقطع الرأس.
وكل من يعرف جيدا مدرسة الفاتح بمكناس يعرف أن أبناء القيادي بووانو يدرسون بها، شأنهم شأن باقي قياديي الحزب بالمدينة والمتعاطفين معهم، كما أن الإداريين والمدرسين لهم ولاء للحزب والحركة.
وأصدر لحسن الداودي، عندما كان وزيرا للتعليم العالي في الحكومة السابقة، مراسيم وزارية منح بموجبها معادلات للشواهد التي يحصل عليها الطلبة المغاربة الذين يتابعون دراستهم بالجامعات التركية، وإذا ظهر السبب بطل العجب، لأن جل الطلبة الذين يدرسون في تركيا هم أبناء قادة وأعضاء حزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم ابن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، مع استفادتهم من منح دراسية يحصلون عليها بتدخل من طرف قياديين من الحزب لدى الحكومة التركية، وينشطون في إطار جمعية الطلبة المغاربة بتركيا، وهي الجمعية التي كان يترأسها أيمن الشوباني، ابن الحبيب الشوباني، وتقوم باستقطاب في صفوف الطلبة المغاربة الذين يتابعون دراستهم بمختلف الجامعات والمعاهد التركية.

