بونيت تالوار مستشار الرؤساء وخبير الشرق الأوسط سفيرا لواشنطن في الرباط
22 مارس، 2022
«سفير أمريكي جديد في الرباط»، هذا العنوان تداولته الصحافة الأمريكية، ثم الدولية، معلنة اسم «بونيت تالوار» سفيرا للرئيس جو بايدن في المغرب.
السيد «تالوار»، الذي ظهر مع باراك أوباما أكثر من بقية مستشاريه، حيث كان يشرف على ملفات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والأمن القومي الأمريكي لدى مجلس النواب الأمريكي، بالإضافة إلى مناصب أخرى راكمها في مساره داخل البيت الأبيض وخارجه، جعله أكثر المستشارين حضورا في مكاتب الرؤساء الديموقراطيين الأمريكيين. نال نصيبه من السهام في الصحافة الأمريكية على يد الجمهوريين، الذين كانوا دائما ينتقدون سياسة «بيل كلينتون» و«باراك أوباما» في الشرق الأوسط، خصوصا في التعامل مع ملف العراق، ثم إيران.
كان يحتجب، ويعود مع الديموقراطيين إلى البيت الأبيض، لكن أمريكا كانت في حاجة إليه بعد أحداث 11 شتنبر، وفعلا كان اسمه حاضرا بقوة، في أثناء تدبير الأمريكيين لتداعيات 11 شتنبر.
«تالوار» اليوم سفير واشنطن بالرباط، حاملا معه خبرة تفوق 30 سنة في التعامل مع قضايا المنطقة.
يونس جنوحي
الجمعة مساء، وأغلب الوكالات والمنابر الدولية تستعد لنهاية الأسبوع الذي ودعناه، كانت كبريات وسائل الإعلام الأمريكية كالعادة تنتظر في الردهة المؤدية إلى القاعة، حيث يعقد مسؤول أمريكي رفيع موعدا مع الصحافة، للإدلاء بلائحة السفراء الجدد الذين عينهم الرئيس الأمريكي «جو بايدن» في عدد من الدول.
من بين هؤلاء السفراء، برز اسم «بونيت تالوار»، الذي يعرفه الصحافيون الأمريكيون جيدا. هذه المرة عُين سفيرا في الرباط.
من يكون إذن هذا الأمريكي الذي كان اسمه يظهر في قصاصات الأنباء المتعلقة بأخبار الشرق الأوسط، منذ تسعينيات القرن الماضي؟ في الولايات المتحدة، يعتبرونه أحد أفضل خبراء ملفات الشرق الأوسط. هاتفه لا يفارق يده، يرد على البريد الإلكتروني، ويجري المحادثات مع الفريق الذي يعمل معه. يدفع باب مكتب الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، بيد واحدة، ويدلف إلى غرفة الاجتماعات لكي يقف أمام مكتب الرئيس، حيث يدلي بدون تحفظ بكل ملاحظاته. كيف لا وهو الذي شغل منصبا استشاريا رفيعا للرئيس أوباما، وخبيرا في الشؤون العسكرية والسياسية.
الطالب الذي كان..
المرور بجامعة «كولومبيا» الأمريكية، ثم جامعة «كورنل»، كان يعني أمرا واحدا: التفوق الأكاديمي. هذه الخلطة بالذات، كان يحتاجها الحزب الديموقراطي الأمريكي، منذ عهد ولاية «بيل كلينتون» في البيت الأبيض. كان الديموقراطيون يحتاجون إلى المنافسة، سيما في ملفات الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، قبل غزو العراق، لكي يكونوا قادرين على العودة إلى البيت الأبيض عندما «احتله» جورج بوش.
شاب نحيل، بشرته تميل إلى السمرة، ولا يرتدي خلال اللقاءات سوى البذلات الرسمية. مواظب على مواعده ولا يتحدث إلا عندما يُطلب منه ذلك. والأهم، أنه كان يتوفر على مفكرة لتدوين الملاحظات، لا يتوقف عن العودة إليها بين الفينة والأخرى. هكذا كان الشاب «بونيت تالوار»، يظهر في أول الاجتماعات والمحاضرات التي شارك فيها، بحكم تخصصه الجامعي في قضايا الشرق الأوسط.
وصل إلى صفحات الجرائد الأمريكية بسهولة، خصوصا عندما كان الإعلام الأمريكي يسلط الضوء على ملفات إيران والعراق والمملكة العربية السعودية، وتطورات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
شاب أمريكي المظهر، لكنه كان مشرقي الاهتمامات. إذ رغم القميص الأزرق والسروال الداكن، وهي الملابس التي ترمز إلى الذوق الأمريكي العام خارج إطار البذلة الرسمية، إلا أن السيد «بونيت تالوار» كان خبيرا بكل ما يتعلق بثقافة الشرق الأوسط وملفاته المتشابكة.
في العام 1995، سوف يتم اختياره لكي يصبح كبير مستشاري الرئيس الأمريكي في قضايا الشرق الأوسط، وتلك كانت انطلاقته لكي يطوف اسمه أرجاء العالم. إذ إن هذا المنصب في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق «بيل كلينتون»، كان يعني الوجود دائما في الطائرة الرئاسية. ففي تلك السنة، كان العالم يعيش على تداعيات الاهتمام الأمريكي بالعراق، بعد الغزو الذي قام به جورج بوش الأب، الرئيس الجمهوري، والعقوبات التي فرضها المنتظم الدولي على العراق، بسبب دخول القوات العراقية إلى الكويت. ومع مجيء الديموقراطيين، كان البيت الأبيض على موعد مع تغييرات كثيرة في التعاطي مع الملف.
لم تكن الصورة الملونة التي تتداولها الصحافة تنقل كواليس ما كان يقع في مكتب الطائرة الرئاسية، ولا في مكتب رئيس البلاد في البيت الأبيض. إذ إن «بونيت تالوار» كان يعيش حرفيا على صفيح ساخن. وسائل الإعلام الأمريكية والدولية كلها موجهة نحوه، سيما أن الأوضاع في الشرق الأوسط خلال منتصف التسعينيات كانت تُنذر بالأسوأ، ولم يلتقط أنفاسه إلا سنة 1999. إذ انتهت مهامه بمغادرة «كلينتون» ومجيء عهد جورج بوش الابن.
وما زاد مهمته تعقيدا، أنه عاد إلى الأضواء سنة 2001، بعد أحداث الحادي عشر من شتنبر. حيث لم يعد للأمريكيين اهتمام آخر غير الهجوم على برج التجارة العالمي، وإعلان تنظيم القاعدة مسؤوليته عن الهجوم، وما تلاه من أحداث أبرزها دخول الجيش الأمريكي إلى أفغانستان والعراق.
مع أوباما..
بدأت ملامح «بونيت تالوار»، الذي كان يعتبره الجمهوريون، خصوصا الجناح اليميني المتطرف، رجلا غير مناسب لكي يشغل منصب كبير مستشاري ملف الشرق الأوسط في المكتب الرئاسي، وهو «ليس أمريكيا مائة بالمائة». إذ إن ملامحه التي لم تكن تشبه ملامح أغلب القادمين من «تكساس» مثل جورج بوش، كانت موضوع انتقاد للمحافظين الأمريكيين الذين كانوا مستعدين لانتقاد أي خطوة للجمهوريين.
لكن الصخب الذي كان يعيشه «تالوار»، كان أعلى من أن يسمع تلك الانتقادات. فهو أمريكي مثل ملايين الأمريكيين الذين جاء أجدادهم إلى الولايات المتحدة، بل إنه أكثر فهما للوضع الأمريكي بحكم تخصصه الأكاديمي.
كانت مكافأته، أنه ترقى مع الرئيس باراك أوباما، إذ كان هذا الأخير يرغب في الاستفادة من تجربة «تالوار» في ملفات السياسة الخارجية التي سطرها مجلس النواب الأمريكي، حيث عمل «تالوار» مستشارا. كما أن مساره في مجلس الأمن القومي، في عز الحرب الأمريكية في العراق، وكواليس محاولات ترتيب الخروج الأمريكي من أفغانستان، كلها جعلته مرشحا فوق العادة لكي يصبح الرجل المفضل لباراك أوباما.
لقبه الأمريكيون في الصحافة، بأنه الرجل الذي يكنس مخلفات الزوبعة التي تلت مغادرة «جورج بوش» للبيت الأبيض. إلا أن مجيء «أوباما»، كان يعني أن الديموقراطيين يعولون عليه لتنزيل رؤيتهم، خصوصا أن أغلب الديموقراطيين كانوا مع تقليص ميزانية الدفاع الأمريكية وتخفيض عدد القوات الأمريكية في كل من العراق وأفغانستان، خصوصا سنة 2014، بالإضافة إلى متابعة الملف النووي الإيراني.
«آور مان»..
عبارة لا يجد الأمريكيون أبدا أبلغ منها، للتعبير عن ثقتهم في مسؤول أمريكي يكلف بقضية خارجية.
Our Man، أو «الرجل الذي يمثلنا». يمكن أيضا ترجمة تلك الجملة القصيرة، إلى معاني بليغة تتعلق بالثقة الكاملة لتمثيل أمة بأكملها في مكان ما.
«بونيت تالوار» كان من هذا النوع الذي وثقت فيه الإدارة الأمريكية، في عهد أكثر من رئيس. قضى حتى الآن، قرابة ثلاثين عاما وهو يتأبط ملفات ثقيلة. يصعد سلم الطائرة الرئاسية، أو المروحيات التي تنقل طاقم الرئيس من ولاية إلى أخرى، لحضور الاجتماعات التي يُعلن عنها في آخر لحظة، كما أنه كان يلتقي بممثلين دبلوماسيين لدول تشهد علاقات متذبذبة مع الولايات المتحدة، ويتعامل معهم بخلفية السياسي الذي راكم خلال تسعينيات القرن الماضي عددا من التجارب.
في عز اهتمام الصحافة الدولية بملف أفغانستان والعراق، صنفت مجلة «فورين بوليسي» الشهيرة «تالوار» في لائحة أكثر الشخصيات تأثيرا في السياسة الخارجية الأمريكية. اللائحة ضمت خمسين اسما من الديموقراطيين الأمريكيين، منهم من قضى أزيد من أربعين سنة في محيط البيت الأبيض، وكان تصنيف «تالوار» وقتها لافتا، إذ كان من بين الشباب الذين ألحقتهم المجلة الشهيرة عالميا في تغطية الملفات الدولية إلى جانب أسماء أخرى قديمة في الحزب.
المهام التي أرسل إليها «بونيت تالوار»، كانت في إطار مهامه من داخل المكتب الاستشاري لرئيس الجمهورية في قضايا الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والأمن القومي، وكلها ملفات حساسة جدا.
والمنصب الاستشاري الذي شغله مع الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، كان الأرفع في مساره المهني، قبل أن يتم استدعاؤه مرة أخرى من طرف الرئيس الأمريكي الحالي «جو بايدن»، ويُعلن عنه نهاية الأسبوع الماضي سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية في الرباط.