حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرئيسيةتقاريرثقافة وفنفسحة الصيف

تأسيس الديموقراطية على مبادئ وقيم مقدسة أخلاقيا

كتاب "الديموقراطية المقدسة" لـ"دومينيك شنابر"

 

“الديموقراطية المقدسة” عند عالمة الاجتماع الفرنسية الشهيرة “دومينيك شنابر” هي مصطلح يشير إلى فكرة أن الديمقراطية لا ينبغي أن تكون مجرد نظام سياسي، بل يجب أن تكون مبنية على قيم ومبادئ مقدسة أو أخلاقية. غالبًا ما يستخدم هذا المصطلح من قبل أولئك الذين يعتقدون أن الديمقراطية يجب أن تستند إلى قيم دينية أو روحية، أو أنها يجب أن تكون مرتبطة بفكرة العدالة الاجتماعية والأخلاق. فالديمقراطية هي نفسها يجب أن تكون مقدسة، أي أنها يجب أن تكون محمية ومحترمة فوق كل اعتبار. هذا الموقف غالبًا ما يرتبط بالدفاع عن المؤسسات الديمقراطية ومكافحة الاستبداد.

 

الديموقراطية والمساواة الفعلية

هذا الكتاب، الذي يقع في 325 صفحة، مُخصص لمطالب الإنسان الديمقراطي والأشكال التي تتخذها الدولة والمواطنة للاستجابة لها. وهو امتداد لمشروع بحثي أُجري على مدى السنوات العشر الماضية، ونُشرت منه أبحاثا مهمة، حيث تسعى كاتبته، إلى تناول مشكلات الفلسفة السياسية، أي من خلال مراعاة التجربة التاريخية.

يتمحور موضوع الكتاب غالبًا عن النزعات التي تدور حول المساواة، أي الوضع الراهن للمواطنة والديمقراطية، حيث يبدو جليًا أن “الديمقراطية تحمل وعدًا ووهمًا بالمساواة للجميع”. إن الطموح إلى جعل ظروف المعيشة أكثر مساواة له أثر موضوعي يتمثل في تغيير منطق عمل الدولة الجمهورية، بما لها من هدف كوني. وفي ظل التوترات والنقاشات الدائرة حول التعددية الثقافية، تُدعى هذه الدولة إلى الاعتراف، ضمنيًا على الأقل، بثقافات معينة. وتطرح دومينيك شنابر سؤالها المحوري: هل ستظل دولة الرفاه في فرنسا قائمة على أسس كونية؟ تحاول الكاتبة، التي لم تُخفِ قط قناعاتها بـ”الجمهورية”، وهي اليوم عضو في المجلس الدستوري، فهم أشكال الرابطة الاجتماعية التي تُسهم الدولة الاجتماعية الديمقراطية في ترسيخها. وترصد الكاتبة تجارب الجمهورية الفرنسية التي تشهد مرحلة جديدة من المجتمعات الحديثة، تتحوّل فيها إلى “ديمقراطية قائمة على العناية الإلهية”، مع تمفصل جديد بين الأسرة والسوق والدولة.

وبينما تُمنح الحقوق السياسية للجميع، فإن مجتمع المواطنين مدعوٌّ إلى مزيد من التوسع والتحول نحو مساواة أكبر. في مواجهة هذه الديناميكية التاريخية، تُواجه المجتمعات الديمقراطية نفاد صبرها واستياءها لأنها لا يُمكنها إلا أن تكون غير وفية للقيم التي تُنادي بها. لذا، يُحلل هذا الكتاب منطق ومعنى “الديمقراطية القائمة على العناية الإلهية”، مُجادلاً بأنها نتاجٌ ضروري للقيم الديمقراطية، ولتطلع الإنسان الديمقراطي إلى المساواة. يميل هذا الإنسان الديمقراطي إلى عدم قبول أي سلطة، ويعتقد أنه لا يمكن تمثيله إلا بنفسه. إنه يمارس سيادته الفردية وحريته في سياق ديمقراطي انفصل عن فكرة المساواة السياسية وتكافؤ الفرص لتطوير مناهج من حيث الإنصاف وتكافؤ النتائج.

من خلال المناقشات المقدمة حول هذه المواضيع، تقدم د. شنابر تأملات جديدة حول التوتر القائم بين السمات الحقيقية أو الشكلية للمساواة والحرية. بإعادة تركيب أزواج التعارض: الحقيقي-الشكلي، المفرد-العالمي، الإنصاف-المساواة، إعادة التوزيع-الضمان، الملموس-المتعالي، الفرد-المواطن، لتقدم المؤلفة تحليلًا جذابًا للمواطنة المعاصرة. تتأرجح المفاهيم الفردية والوطنية حتمًا بين قطب التسامي من خلال السياسة (المواطن، الجمهورية، المدني) وقطب الملموس (الفرد، التاريخي، العرقي). تتناغم الدينامية العامة للفردانية مع دينامية فردانية الدولة الاجتماعية، إذ تميل هذه الأخيرة إلى تخصيص أفعالها وإضفاء طابع “إثني” عليها، أي إلى مراعاة تنوع الحالات الفردية بشكل متزايد. تُعدّ السياسة الحضرية الفرنسية مثالاً على هذا التطور في الانتقال من التأمين إلى إعادة توزيع الثروة، ومن المساواة إلى الإنصاف، ومن الشكلي إلى الفردي، ومن الشامل إلى المفرد. في الواقع، تُثير الدينامية الديمقراطية جدلاً معاصراً حول الاعتراف العلني بـ”الحقوق الثقافية”، تلك التي يتقترح د. شنابر – دون تواضع سياسي زائف – تصنيفها على أنها “إثنية”. إن استخدام مصطلح “إثني” له ميزة مزدوجة، إذ يُزيل غموض “الثقافية” ويُحدد بوضوح أننا نتحدث عن مجتمعات دون وطنية، تتمثل مشكلتها في الاعتراف بها في الفضاء العام الوطني.

 

الديمقراطية المستندة إلى القيم الأخلاقية

ترى شنابر أن الديمقراطية يجب أن تستند إلى قيم أخلاقية راسخة، مثل العدالة والمساواة وحقوق الإنسان. هذه القيم تعتبر مقدسة بمعنى أنها أساسية وضرورية لنجاح الديمقراطية. فالديمقراطية يجب أن تكون وسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة، وأنها يجب أن تستخدم لضمان حصول جميع أفراد المجتمع على حقوقهم الأساسية. هذا الموقف غالبًا ما يرتبط بالديمقراطية التشاركية أو الديمقراطية الاجتماعية. بشكل عام، فإن مصطلح “الديموقراطية المقدسة” يعكس الرغبة في بناء نظام ديمقراطي أكثر استقرارًا وأكثر عدالة، وأن يكون هذا النظام مبنيًا على قيم ومبادئ قوية. ومع ذلك، فإن هذا المصطلح قد يكون عرضة للتفسيرات المختلفة، وقد يثير تساؤلات حول العلاقة بين الديمقراطية والدين، وبين الديمقراطية والأخلاق.

ما استُعيدت إلى الواجهة قبل نهاية القرن.

فقد اعتبرتَ العديد من الدراسات السياسية أن القرن العشرين كان على مستوى نظام الحكم، قرن الازدهار الديمقراطي. وانتقل انتشار النظام الديمقراطي من بضع دول كانت تتبناه مع بداية القرن العشرين، إلى أكثر من 120 مع نهايته، وبداية القرن الواحد والعشرين. ففي 2006 اعتبرت تقارير ترصد الحالة الديمقراطية أن أكثر من 120 دولة حول العالم، تبنت النظام الديمقراطي بشكل أو بآخر. ورغم ما تخلل القرن العشرين من أحداث كبرى فارقة، على غرار الحربين العالميتَين؛ الأولى والثانية، وصعود النازية والفاشية، فضلًا عن الحركات الاستعمارية، فإننا نستطيع أن نقول إن مسيرة الديمقراطية في القرن العشرين كانت قصة نجاح معتبرة، أعطت للشعوب بارقة أمل من أجل التطلع لإقامة نظام حكم يعبّر بشكل أو بآخر عن إرادتهم. وكان نجاح مسيرة العديد من الديمقراطيات في تحقيق الازهار والتنمية والرفاه والتداول السلمي على السلطة، ملهمًا للشعوب من أجل اجتراح مستقبل أفضل.

لكن اللافت أن منحى تبني النظام الديمقراطي والإقبال عليه، حول العالم، بدأ خلال السنوات الماضية في النزول والانكسار بشكل ملحوظ، حتى وصلنا إلى ما يصطلح عليه اليوم بالركود الديمقراطي.

فبالنسبة للباحثة شنابر، مفهوم” دولة الرفاه” معروفٌ جيدًا، أما مفهوم “الديمقراطية المقدسة” فأقل شهرةً بكثير. فقد صاغت هذا المفهوم للإشارة إلى شكلٍ مُحددٍ من أشكال الديمقراطية: تلك التي تتطور اليوم في فرنسا، وكذلك في دولٍ ذات ثقافاتٍ ليبرالية كالولايات المتحدة وبريطانيا العظمى. ما يُميز هذا النوع المثالي من الديمقراطية هو التدخل المُتزايد للدولة، باسم الحماية الاجتماعية، في جميع جوانب الحياة. تتدخل الدولة بشكلٍ مُتزايد، مدفوعةً بديناميكياتٍ ديمقراطية. يُطالب الأفراد، بالإضافة إلى المساواة الشكلية في المواطنة، بضمان مساواةٍ حقيقيةٍ في الظروف الاجتماعية. ومع ذلك، فإنّ المطالبة بالمساواة، بحكم طبيعتها، لا تُشبع. إن استجابات الدولة دائمًا ما تكون متأخرةً عن المطالب التي تواجهها. وهكذا تقع في دوامةٍ من التدخلات غير المحدودة استجابةً لتوقعاتٍ ومطالبٍ غير محدودة. مع ذلك، فإن الموارد، حتى في المجتمعات الغنية، ليست غير محدودة. في ديمقراطيات الرفاه، تُجبر الدولة على إدارة هذه الفجوة الدائمة بين توقعات الأفراد والقدرة على تلبيتها. هل تُمثل ديمقراطية الرفاه مرحلةً جديدةً في تاريخ الديمقراطية الحديثة؟ إننا نشهد حالياً نشر عدد من الإمكانات الكامنة في فكرة المواطنة كما تم تصورها منذ نهاية القرن التاسع عشر.

 

الديموقراطية.. الحق والواجب

إن الديموقراطية كنظام سياسي واجتماعي ليست وليدة اليوم وإنما قديمة قدم النظر الإنساني في قضايا الوجود الاجتماعي، غير أنها ديموقراطية مباشرة، متسمة بغياب فكرة توكيل الغير، لأن المواطن كان يعبر ويمارس حقوقه بشكل مباشر، قد يكون هو الحاكم والمحكوم في نفس الآن، بحيث يحدد طبيعة ونوعية العقاب الذي يجب إنزاله على الآخرين. بل حتى اعلان حقوق الانسان أحدث نوعا من التوازي بين الديموقراطية التمثيلية والنسق السياسي داخل المجتمع. (وأن القانون هو التعبير عن الإرادة العامة. لكل المواطنين الحق في أن يساهموا بشخوصهم أو بمن يمثلونه في صياغته). فالغاية من الديموقراطية التمثيلية تحقيق الانسجام والتوازي بين الحقوق والواجبات داخل المجتمع، شريطة أن تكون القوانين واحدة وتسري على الجميع حماية وعقابا. هذا الانتقال من وضع الفرد- المواطن إلى وضع المؤسسات السياسية، تطلب جملة من التحولات السياسية والاجتماعية، والقانونية بالخصوص، لأن المؤسسة هي التي تسهر على تطبيق القانون وضمان سريانه لتوزيع الحقوق بشكل عادل ومتساو. وتلك هي سمات الحداثة السياسية التي ابتكرت فكرة التفويض والتمثيل، وأصبحت الجمهورية بموجبها نظاما سياسيا.  الديموقراطيون ابتكروا المؤسسات السياسية الضامنة لحق التمثيل كالانتخابات والبرلمان، فأصبح هناك من يمثل المواطنين مؤسساتيا، ولم يعد من المنطقي أن يأخذ الفرد حقه بيده، وإنما عن طريق من فوض له فعل ذلك مؤسساتيا وقانونيا. فالتفويض آلية ديموقراطية تمثيلية تقتضي من الفاعل السياسي عدم الانفصال عن الشعب، وضرورة البقاء على مقربة من الناخبين.

من أجل النقاش حول الصالح العام، هذا النقاش الشعبي هو الذي نقل الأمريكيون خلال عشر سنوات من الديموقراطية المباشرة التي مارسها الإغريق إلى الديموقراطية التمثيلية، وهو في الحقيقة انتقال من فكر العصور القديمة إلى عالم الحداثة السياسية التي هي بنت الأزمنة الحديثة. عكس فرنسا حيث وجدت صعوبات في عملية الانتقال من سيادة الفرد الذي اعتبر منبع الشرعية السياسية إلى تنظيم المؤسسات السياسية التمثيلية.

إن الديموقراطية التمثيلية، آلية سياسية لمأسسة العمل السياسي وعقلنته، رغم الصعوبات التي تعترضها والمتمثلة في عدم استيعاب بعض الثوار للتمييز الحاصل بين الحكومة والمجتمع، تمييز يشكل لبنة أساسية للنظام الديموقراطي الموجب للمواطنة الجماعية، فقد صارت السيادة للشعب وتلك هي قمة المواطنة. بمعنى أن الديموقراطية التمثيلية التي كانت في السابق مجرد فكرة فلسفية تمظهرت حديثا في الإرادة العامة لدى روسو. فقد كان هناك خلط واضح بين عمل الحكومة والمجالس النيابية المنتخبة مباشرة من الشعب، والتي أدت إلى شخصنة السلطة. لكن، دوام الحال من المحال، فقد تبدل ذلك الوضع السياسي وصارت الطاعة والولاء للقوانين، وعدم الانصياع لشخص بعينه. فحوى ذلك، أن ترسيخ المواطنة الحقة يتطلب وجود سلطة تستمد شرعيتها من الشعب كمواطنين قادرين على اختيار من يمثلهم في المجالس النيابية، ووجود قوانين من الواجب على الجميع الالتزام بها، فكل الأنظمة السياسية بما في ذلك الليبرالية عندما تشخصن السلطة تصبح هشة ومعرضة للزوال، وقد عصفت بأكثرها الثورات بسهولة وخير مثال على ذلك الملكية في فرنسا. فالنظام التمثيلي الحقيقي هو الكفيل بتوطيد دعائم المجتمع المؤسساتي في أفق ترسيخ المواطنة، فكرا وممارسة، وفي ذلك تجاوز للمجتمعات القائمة على الحكم الذاتي الفردي، حيث الملك أو من يمثله هو المصدر الوحيد للسلطة.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى