شوف تشوف

الرأيالرئيسية

تحالفات نظام جديد

 

 

جيمس زغبي

 

تشهد جميع أنحاء العالم عمليات إعادة تنظيم كبيرة، فالتحالفات القديمة تعاني من ضغوط أو تصدعات تامة، فيما تنشأ تحالفات جديدة.

وتعليقات الإعلام على هذه التطورات تتخذ غالبا زاوية رؤية ضيقة، تركز على النزاعات المفردة، أو تغير التحالفات، دون شرح السياق التاريخي. وإذا أخذنا خطوة إلى الوراء، نرى أن القرن الماضي اتسم بتغيرات وتحولات تؤدي إلى الدوار في تكتلات الدول والقوى، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى.

وإعادة التنظيم اليوم ليست إلا إعادة ترتيب أخرى للدول، على أساس الأولويات المتطورة والحقائق المتغيرة. وإلقاء نظرة على القرن الماضي تعلمنا.

وفي مؤتمر سان ريمو عام 1920، قسمت هذه الدول بغطرسة في ما بينها «غنائم» تلك الحرب، وعززت سيطرتها على جزء كبير من آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط.

وكانت الثورة الشيوعية قد بدأت في روسيا، والنمو السريع لليابان الصناعية جعلها تسعى إلى نفوذ أكبر في المحيط الهادئ. وتركت نهاية الحرب العالمية الثانية القوى الأوروبية الغربية السابقة، في حالة ضعف تعتمد على السخاء الأمريكي. وظهرت الولايات المتحدة كزعيم للغرب، بعد انتصاراتها الحاسمة على ألمانيا النازية واليابان. في غضون ذلك، تحركت روسيا السوفياتية بسرعة لتعزيز سيطرتها على بلدان أوروبا الشرقية، التي دمرتها ألمانيا النازية.

ومع انهيار الإمبراطوريات الاستعمارية الغربية، تسارعت وتيرة زوالها، بسبب الدعم السوفياتي لـ«حركات التحرر الوطني»، التي أدت في غضون عقود قليلة إلى استقلال الدول في إفريقيا وآسيا. وبدءا من الخمسينيات وحتى الثمانينيات، هيمن على النظام العالمي قطبان كبيران، هما الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

وحين انهار الاتحاد السوفياتي، ظهرت الولايات المتحدة كقوة مهيمنة في العالم، إلى أن أدت السياسة الأمريكية إلى تفككها.

وبدلا من تحقيق «قرن أمريكي»، وترسيخ دور أمريكا المهيمن في «النظام العالمي الجديد»، تركت الحروب الولايات المتحدة منهكة ومحبطة المعنويات، ومثيرة للاستياء، وغذت الحركات المتطرفة، وشجعت القوى الإقليمية والعالمية على تمديد نطاق نفوذها للدفاع عن مصالحها. وكشف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، والغزو الروسي لأوكرانيا، ملامح جديدة في النظام العالمي المتغير. فقد فرضت الولايات المتحدة وبعض حلفائها عقوبات على روسيا، وردت روسيا بالمطالبة بتداول صادراتها من الوقود والحبوب بالروبل، مما يعزز قيمته.

ولم توافق دول كثيرة، منها بعض حلفاء أمريكا، على فرض عقوبات على روسيا. وفي الوقت الذي تستنفد الولايات المتحدة وروسيا قوتهما وتستنزفان رصيدهما السياسي في حروب لا يمكنهما الفوز بها، يتكشف تطور مهم آخر. فبعد عقود من تصدير الصناعة والوظائف والتكنولوجيا الأمريكية إليها، تحولت الصين تدريجيا إلى عملاق اقتصادي. وتكافح أمريكا لفرض وجودها في المناطق التي يتضاءل نفوذها فيها، بينما تضخ الصين استثمارات كبيرة في هذه المناطق نفسها، في آسيا والمحيط الهادئ وإفريقيا والنصف الغربي من الكرة الأرضية.

وصعدت الصين، التي كانت ذات يوم «عملاقا نائما»، بهدوء ودون مواجهة كقطب مؤثر في النظام العالمي الجديد الذي لا يزال يتشكل. وفي كل مكان نجد تحالفات جديدة تتشكل، بما يوافق حراك القوة المتغيرة بسرعة. والبلدان التي اعتمدت ذات يوم على الولايات المتحدة في الأمن والاستثمار، شكلت تكتلات جديدة، سعيا وراء تحقيق مصالحها الوطنية الخاصة.

فهناك نظام جديد آخذ في الظهور، ولا يمكننا أن نتأكد من الصورة التي سيكون عليها بعد 20 عاما من الآن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى