
حسن البصري
لم يكن الدكتور أحمد عبد الموجود الميري الأستاذ الجامعي بكلية أسيوط بمصر، يعتقد أن إدراج اسم لاعب كرة القدم المغربي ومهاجم الزمالك المصري أشرف بن شرقي سيكلفه غاليا، وسيصلى من أجله نارا ذات لهب.
بدأت الغارات الأولى على الأستاذ الجامعي، حين تسربت مسودة اختبار لطلاب كلية الحقوق، تتضمن سؤالا يتعلق باللاعب أشرف بن شرقي، حيث تم تقديمه بالاسم والصفة كمثال لشخص أجنبي مقيم في مصر تعرض لإصابة قاتلة بفيروس كورونا وما ترتب عن الوفاة من خلافات بين أفراد عائلته.
توفي اللاعب المغربي بشكل افتراضي ولف جسده في ورق الامتحان الأبيض، لكن أسرة بن شرقي احتجت بقوة على وفاته في الاختبار وتشريحه في قاعة الامتحان وتحويل رفاته إلى نقط تحسب للطلبة في ميزان مسارهم الدراسي. القضية تجاوزت حدود غضب الأسرة إلى احتقان في أوساط جماهير الزمالك المصري، التي طالبت برأس الأستاذ لارتكابه جريمة القتل غير العمد للاعب زملكاوي، وزادت حدة الاحتقان حين دخل على خط المواجهة أنصار الأهلي المصري الذين سخروا من غريمهم وطالبوا بدقيقة صمت ترحما على بن شرقي، كما التمسوا، من باب الدعابة، تفسيرا من الاتحاد المصري لكرة القدم حول لاعب مات في الامتحان ولازال حيا يرزق في ملاعب كرة القدم.
دخل نادي الزمالك على خط النزاع ورفع شكاية ضد الأستاذ الجامعي واضع السؤال الملغوم، ووقف الطلبة الزملكاويون في ساحة جامعة سوهاج وهم يرددون لازمة «بالروح بالدم نفديك يا أشرف» واضطر الحرس لتفريق المتظاهرين باستعمال الغازات المسيلة للدموع. حينها خرج وزير التعليم العالي والبحث العلمي في مصر عن صمته، وقرر فتح تحقيق في النازلة وتوقيف الدكتور أحمد عبد الموجود عن العمل لحين انتهاء التحقيق معه، كل هذا من أجل سؤال.
أما رئيس جامعة سوهاج فحاول التقليل من حجم القضية ووعد جمهور الزمالك بتخفيض معامل التنقيط الخاص بالسؤال، ومنع قتل الأحياء والتنكيل بهم في أسئلة الامتحانات، وتفادي الزج بنجوم الكرة في الاختبارات «مهما يكون»، وحذر الأساتذة من دخول معترك العمليات في الملاعب خوفا من العرقلة.
حاول الأستاذ الميري تبرئة ذمته في مواقع التواصل الاجتماعي، مبرزا الجانب الافتراضي في «السؤال» المثير للاحتقان، مشيدا بنادي الزمالك وباللاعب المغربي، لكن الصراع دخل منعطفا آخر حين طالب فصيل المشجعين بمقاطعة المادة الدراسية، آنذاك تبين أنه لا فرق بين مدرجات الجامعة ومدرجات الملاعب إلا بالشهب النارية.
اخترق التعصب الكروي الجامعة فانعقدت حلقات للنقاش في الموضوع الذي عطل عجلة الامتحانات، وظهرت أعراض الاحتقان في صفوف الطلبة وهيئة التدريس، فلكل موقفه من القضية التي أخرجت الجامعة عن صمتها في قضايا الكرة، وأصبح لإدارتها موقف آخر بعد أن كان الموقف الوحيد للهيئة هو موقف السيارات المحروس.
لتجاوز هذا المأزق لم يجد بعض الطلبة حرجا في التماس تأجيل الامتحانات، ومنهم من ضبط في عملية «واحد اثنين» للتحريض على وقفات احتجاجية، ومنهم من انسحب بداعي الإصابة، خاصة عند فئة يعتبر حضورها في الامتحانات كحضور المنتخبات العربية في نهائيات كأس العالم، حيث لا يتجاوز الدور الإقصائي الأول.
لهذه الاعتبارات يرجى عدم الزج بالحرم الجامعي في متاهات التعصب الكروي، حتى لا يقودنا التعصب والانتماء الرياضي إلى العنف والعنف المضاد، ولأنها «رخيصة بتعليمة» فإن واقعة موت لاعبنا في يوم الامتحان لا تختلف كثيرا عن موت بطل أثناء العرض الافتتاحي لفيلم سينمائي، حيث يسقط الممثل في المعركة بعد مقاومة شرسة تحبس أنفاسنا، وحين تنتهي وقائعه وتتوسط عبارة تبرئة الذمة التي تقول «أي تشابه في الأسماء فهو وليد الصدفة»، يصعد البطل لخشبة السينما ونتأكد بأن السينما خدعة كامتحانات الطلبة واختبارات الحكام والمدربين والسواقين.



