شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

جيران السكة «المُعدمون»

يونس جنوحي

مداخل المدن الكبرى في المغرب لم تعد تحتاج إلى علامات تشوير بقدر ما أصبحت تحتاج إلى بشر يرون تلك العلامات ويعرفون معانيها، والأهم أن يلتزموا بها!

إذا كان هذا حال المُدن الكبرى، فكيف سيكون وضع المدن الصغيرة التي لا توجد بها مشاريع ولا أحياء صناعية في مدخلها؟ لا بد وأن الشباب، الذين يقطنون في المدن المنسية التي لا يتذكرها أحد، ملوا من لوائح المشاريع المعلقة عند مداخل ومخارج مدنهم، والتي تكشف بالأرقام تكاليف إنجاز بعض المشاريع المتعلقة أساسا بالبنيات التحتية، مثل إعداد الطرق.

الغريب أن بعض المشاريع لا تكاد تنتهي ويتم تسليمها، حتى تعرف عمليات حفر جديدة، وهو ما يجعل بعض هذه المدن مسرحا لأشغال لا تنتهي أبدا.

هناك حملة واسعة لتحرير الملك العمومي في أكثر من مدينة. النتيجة محمودة ويستحسنها الجميع، لكن لا أحد يرغب في أن تكون أشغال استعادة الملك العمومي أمام باب ملكه الخاص.

أرباب المقاهي الآن هم الأكثر تضررا، خصوصا في المناطق الساحلية أو المجاورة للحدائق والمناطق المخصصة لإقامات الفيلات. إذ إن بعض المشاريع من هذا النوع تُضطر للإغلاق إلى أن تنتهي الأشغال، وهو ما يجعل الزبائن يهاجرون عنها صوب وجهات أخرى أكثر هدوءا. وهذا بالضبط ما وقع في شارع محمد الخامس بقلب الدار البيضاء. لا أحد من المسؤولين في المدينة التفت إلى حال أصحاب المشاريع التجارية وملاك المحلات الواقعة على «ضفتي» هذا الشارع الذي طالما اعتُبر قلب الدار البيضاء وواجهتها.

في سنة 2012، في عز أشغال إقامة سكة «الطرام واي»، كانت أغلب هذه المحلات التجارية إما مغلقة نهائيا وإما مفتوحة، يكسو الغبار جنباتها، لكن بدون زبائن. والسبب هو أشغال الحفر وضجيج الآلات الثقيلة وحجم الركام.

ماذا وقع بعد أن انتهت أشغال الطرام واي؟ بعض المحلات التي كانت تراهن على حركية الشارع وانفتاحه مثل شريان نابض، حُكم عليها بالإعدام وانتهت سنوات الرواج لديها وولت إلى غير رجعة.

للأسف، وهذا ما يعترف به الكثير من المهنيين، لم تتم دراسة مآل بعض المحلات التي تدخل في إطار ذاكرة الدار البيضاء، بعد إنشاء الطرام واي. الآن لا أحد ينكر الإضافة التي قدمها الطرام في حياة البيضاويين، لكن شارع محمد الخامس، الذي اخترقته السكة، ماتت بعض واجهاته التي تشكل جزءا من رونقه، وفقدت بريقها إلى غير رجعة.

بعض الحرفيين وأشهر باعة الملابس الذين كان لهم شأن كبير قبل أربعين سنة تقريبا، صاروا اليوم في حكم المتسولين، ولم يعد ممكنا أن يُعيدوا الألق إلى محلاتهم بعد أن فقدوه بسبب الأشغال التي قلبت حياتهم رأسا على عقب.

كان الأجدر بالذين وضعوا دراسة هذا المشروع الحيوي، أن يضيفوا إلى قائمة تكلفة الحديد والإسمنت، تكلفة التغيير الذي سيدخل على شارع تاريخي بحجم شارع محمد الخامس. ولأنهم لم يفكروا في هذا الأمر، ها نحن نرى كيف أن محلات لخياطين كان يتردد عليهم مشاهير من مختلف الجنسيات، من سياسيين ورجال أعمال ودبلوماسيين، لم يعد أحد يلج محلاتهم أو يلتفت إليها، ووحده قطار الطرام يُحييهم ببوقه كلما مر بمحاذاة واجهة المحلات التي لم يعد يلتفت إليها أحد، ولا يُفهم  من صوت البوق ما إن كان تحية فعلا أم تشفيا مما آل إليه الوضع.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى