
يونس جنوحي
مشكلة الإسلاموفوبيا تزداد اتساعا في فرنسا. الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قبل أسبوع فقط، استفز حفيظة مسلمي فرنسا، ومنهم نسبة كبيرة من الفرنسيين الأصليين، وخلق أزمة داخلية لا شك أنها سوف تؤثر مستقبلا على الاختيارات الانتخابية للفرنسيين، خصوصا الليبراليين الذين يعادون اليمين الفرنسي المتطرف. هذا الأخير لا يتوفر أعضاؤه على أي برنامج انتخابي آخر غير محاربة الإسلام. وكلما ظهرت أزمة داخلية في فرنسا، أثاروا في البرلمان مشكل الحجاب ومظاهر تدين المسلمين في فرنسا.
الجيل الأول للمسلمين في فرنسا لم يقطعوا البحر سرا إلى مارسيليا، وإنما جاء بهم الحكوميون والمقاولون الفرنسيون لبناء اقتصاد بلادهم الحديث. وسمحوا لهم بلم شمل أسرهم وتأسيس تجمعاتهم الخاصة، بما فيها النقابية.
واليوم، انتبه السياسيون الفرنسيون إلى أن هؤلاء الذين جاؤوا بهم قبل أكثر من نصف قرن، لديهم جذور ومعتقدات ومظاهر تدين أصبحوا يُحاربَون بها.
المغربية لطيفة بن زياتن، والدة عماد بن زياتن، الأمني الفرنسي الذي كان أول ضحية للعملية الإرهابية التي نفذها محمد مراح في 11 مارس 2012.
هذه السيدة المُحجبة التي دافعت عن حقوق المسلمات في فرنسا، وحاولت، من خلال أنشطة جمعوية، تصحيح صورة المسلمات في بلاد الأنوار، كتبت في «تويتر»، أول أمس السبت، تُدين مقتل أستاذ التاريخ الفرنسي على خلفية عرضه للرسومات المُسيئة للرسول الكريم والتي سبق لـ«شارلي إيبدو» نشرها في السابق. وقالت إنها مصدومة لهذا الفعل البربري، وأعربت عن تضامنها مع أسرته وأقاربه ومع أسرة التعليم في فرنسا.
مقتل الأستاذ الفرنسي قضية إنسانية أولا، مُدانة وبشدة ولا يمكن تبريرها بنشره أو عرضه لتلك الرسومات. لكن المتطرفين الفرنسيين هم أول من يستغل مثل هذه الحوادث لشن حرب جديدة على الإسلام، بعد أقل من أسبوعين فقط على تصريح الرئيس الفرنسي الذي لقي استهجانا في العالم أجمع.
فرنسا التي تضم ملايين المسلمين منهم مُجنسون وفرنسيون من السكان الأصليين للبلاد، اعتنقوا الإسلام ويمارسون شعائرهم الدينية داخل بلادهم ويشاركون في المؤسسات ويدبرون إدارات عمومية ومنهم من يضحون بأرواحهم في سبيل مبادئ الجمهورية الفرنسية مثل عماد ابن الناشطة الفرنسية لطيفة بن زياتن. ثم يأتي رئيس الجمهورية ليقول إن الإسلام يمر بمرحلة صعبة، دون أن تكون لديه أي معطيات أو أرقام لتبرير هجومه على الإسلام. علما أن الدين الإسلامي مرشح لكي يصبح الديانة الأولى في فرنسا خلال العقود القليلة المقبلة.
استفزاز مشاعر الأقليات، أو حتى مكونات الأغلبية، يشبه كثيرا رجّ طنجرة ضغط فوق النار. يمكن أن تنفجر في أية لحظة مخلفة بقعا كثيرة في السقف.
وعلى الذين يحركون مشاعر المسلمين ويشجعونهم على الانتقام كلما رسم معتوه ما رسما كاريكاتوريا أو أحرق أحد ما في مكان ما في العالم، نسخة من القرآن الكريم، أن يتوقفوا عن تجييش مشاعر المسلمين في العالم. لأن حروبا من هذا النوع لا يمكن أن تتوقف، ولا أحد ينتبه إليها في الحقيقة لولا أن تجييش الجماهير أصبح مهمة رسمية لبعض الشيوخ وقادة الجماعات المتطرفة.
بعد هذه الواقعة المؤلمة لمقتل أستاذ التاريخ الفرنسي، لا يمكن إلا توقع الأسوأ من مكونات اليمين المتطرف الفرنسي، لأنهم دائما ما يعلنون حربا على المسلمين في فرنسا، تمتد إلى خارج صناديق الاقتراع.



