
منذ إقرار القانون الإطار لمسألة ربط ترقية موظفي وزارة التربية الوطنية بالمردودية، كبديل للنظام المعتاد، لم تتوقف مناقشات هؤلاء، وخاصة داخل هيئة التدريس، حول الجهة التي ستقوم بتقويم أدائهم وكذا المعايير التي سيتم اعتمادها في تقويم الأداء. وتجددت هذه المناقشات بمناسبة عزم وزارة التربية الوطنية إصدار نظام أساسي جديد يطوي صفحة التقويمات المعتادة، وعلى رأسها التقويمات التي يقوم بها الرؤساء المباشرون في المؤسسات التعليمية، والمفتشون التربويون والمديرون الإقليميون. وانصبت المناقشات حول إمكانية تحول صلاحيات التقويم إلى مناسبة لتكريس سلوكيات موجودة في القطاع، من قبيل المحسوبية والزبونية أو تحويل النقط إلى أداء للابتزاز والانتقام.
تقويم منصف وعادل
تخوفات الأساتذة من تحول سلط جهات التقويم، التربوية والإدارية، إلى جبروت وطغيان، عملت النقابات التعليمية على التعبير عنها أمام مسؤولي الوزارة المكلفين بصياغة النظام الأساسي المزمع إصداره في يوليوز القادم.
فمن جهتها، تتشبث الوزارة الوصية بضرورة وضع نظام لتقويم الأداء ينصف الطاقات التي تبدي في عملها تضحيات واجتهادات مهنية يستفيد منها التلاميذ بشكل أساسي، مستندة إلى وثيقتي الرؤية الاستراتيجية والنموذج التنموي، وهما وثيقتان تحظيان بتوافق مجتمعي واسع، فضلا عن القانون الإطار، وتحديدا في الباب المخصص للموارد البشرية.
لكن من جهة النقابات خصوصا والأساتذة عموما، فإن هناك اتفاقا من حيث المبدأ على ضرورة إنصاف المجتهدين، لكن الاختلاف مع الوزارة ينصب حول الجهة أو الجهات التي ستقوم بتقويم أداء الأساتذة، وكذا المعايير التي سيتم اعتمادها في التقويم لتجنب دخول اعتبارات شخصية لا علاقة لها بالأداء في تحديد النقط المحصل عليها سنويا من طرف الأساتذة.
ففي العرف الإداري الذي تم العمل به طيلة عقود، أن التقويم تقوم به ثلاث جهات هي مدير المؤسسة التعليمية والمفتش التربوي والمدير الإقليمي، وفي تفاصيل هذا التقويم، نجد الرئيس المباشر، والمتمثل في المدير التربوي، يكتفي بمعايير قد لا تعني بالضرورة جودة الأداء التربوي، من قبيل احترام استعمال الزمن وعدم الغياب والانضباط للقانون الداخلي للمؤسسة واحترام الزملاء، وهي معايير تبقى مهمة، لكن من الناحية التربوية تعتبر غير كافية، لكونها لا تعني وجود مردودية. لذلك يعتمد المديرون الإقليميون على نقط الرؤساء المباشرين، وهي غالبا 20/20، وتتحول إلى مكسب لا يمكن للمديرين تغييره إلا في حالات استثنائية من قبيل عرض الأستاذ على مجلس تأديبي.
أما من الناحية التربوية، فإن الجهة التي تقوم بالتقويم تتمثل في المفتشين، وبسبب عدم تناسب أعداد المفتشين مع أعداد الأساتذة، فإن آلاف الأساتذة المقبلين على الترقيات يضطرون لانتظار المفتشين لسنوات قبل وصول دورهم في الزيارة، وأحيانا يستعين هؤلاء بوسطاء شخصيين أو نقابيين أو إداريين لتعجيل زيارتهم وبالتالي رفع النقط الممنوحة لهم.
كل هذه الأعراف أضحت جزءا من الماضي الآن، لكونها تكرس سلوكيات غير شفافة. وهذا ما تسعى الوزارة لتجاوزه، خصوصا وأن النقط المحصل عليها، وإن تم الاستناد فيها إلى شبكات مضبوطة فإن تعبئة هذه الشبكات تبقى أمرا ذاتيا، بحسب تكوين أو تجربة المفتشين، وأحايين كثيرة بحسب «كيمياء» العلاقة بين الموظف/الأستاذ ورؤسائه.
تجارب دولية للاستئناس
هذه المعضلة، التي ينتظر أن تتطلب وقتا طويلا للحسم فيها بين النقابات والوزارة، دفعت وزارة بنموسى إلى تقديم تجارب دولية مختلفة تنتمي لخمس قارات بغية بلورة نموذج مغربي يأخذ بعين الاعتبار ما تسميه النقابات المكتسبات التي حققها نساء ورجال التعليم، وفي الوقت نفسه تأخذ ما تسميه الوزارة بإنصاف المجتهدين.
ففي اللقاء الأخير الذي جمع الوزارة مع النقابات التعليمية الأكثر تمثيلية، والذي انصب حول مشروع النظام الأساسي لموظفي وزارة التربية الوطنية، حظيت نقطة الجهة التي ستقوم بالتقييم بحيز مهم في التدخلات. لذلك مدت الوزارة النقابات الأربع الممثلة في الحوار بتجارب تعليمية دولية للاستئناس بها في مجال تقييم الأداء المهني. ويتعلق الأمر بتجارب تعليمية تخص 8 دول هي: كندا، سنغافورة، الإمارات، أمريكا، فرنسا، الشيلي، الأردن وأستراليا، مبرزة أن هذا الموضوع سيتم استكمال مناقشته في الاجتماعات المقبلة.
وتسعى الوزارة، من وراء هذا المشروع، إلى جعل مهنة التدريس أكثر جاذبية واستقطابا للكفاءات، ورد الاعتبار إلى هيئة التدريس ولكافة العاملين بالقطاع، وفقا لمبادئ الشمولية والاستحقاق وتكافؤ الفرص وتوحيد الصورة المهنية لكل الأطر.
الحيرة كانت السمة الغالبة على ردود أفعال نساء ورجال التعليم في تعليقهم على خطوة الوزارة الوصية، حيث أكد الأستاذ «سعد» في تعليقه أن «ربط الترقية بالمردودية هو محاولة لكبح ترقية الأساتذة. كيف سيتم تقييم هذه المردودية أصلا؟ هل من يدرس أقساما مشتركة في منطقة نائية لا يتحدث أهلها العربية كمن يدرس في وسط حضري؟ هل من يدرس أقسام العلوم رياضية كمن يدرس أقسام العلوم الإنسانية؟ أليست ترقية الأساتذة مرتبطة أصلا بنقطة المدير، المفتش والمدير الإقليمي؟ إذن ما الذي سيتغير؟ من سيقوم بتقييم أداء الأساتذة؟ هناك مفتش تربوي لخمسمئة أستاذ أو أكثر ولا تكون هناك زيارة إلا مرة كل أربع أو خمس سنوات، إذن من سيقوم بتقييم الأداء؟ هل نقط التلاميذ معيار؟ إذن سيتم نفخ النقط ليقال إن الأداء جيد؟ بدل التركيز على تجديد المقررات والقضاء على الاكتظاظ، يتم التركيز على الأساتذة وترقياتهم كمدخل لتقليص كتلة الأجور».
لكن، في المقابل، أكد الأستاذ «سليمان»: «كرجل تعليم أنا مع ترقية الأساتذة بالمردودية ..لأنه لا يعقل الترقي بالأقدمية أو بامتحان النقل، وهناك من يقضي معظم وقته في التغيبات والتهريج في الشوارع تحت كذبة الإضراب، لابد من الحزم وتطبيق معيار الترقية مقابل المردودية لغربلة الميدان من الكسالى والمتطفلين على المهنة».
////////////////////////////////////////////////////////////////////
متفرقات:
المجلس الوطني لحقوق الإنسان يشخص أعطاب التعليم
سجل تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان لسنة 2021 استمرار التحديات التي تحبط الإعمال الفعلي للحق في التعليم، حتى يستفيد منه الجميع على قدم المساواة. وأورد التقرير، الذي قدمته رئيسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، أمينة بوعياش، يوم الجمعة، أن «الأزمة الوبائية فاقمت مشاكل التعليم بالمغرب، خاصة في ما يتعلق بالجودة». واعتبر التقرير المرفوع إلى الملك محمد السادس أن «شرائح واسعة من المجتمع تعتقد أن التعليم الخاص هو الذي يوفر الجودة»، وزاد: «كما لم تستطع أسر عديدة توفير شروط الدراسة عن بعد». وتأسف المجلس الوطني لحقوق الإنسان من استمرار الهدر المدرسي بالمغرب، «حيث انتقل عدد المنقطعين من 304.545 تلميذا برسم الموسم الدراسي 2019.2020 إلى 331.558 برسم 2021-2020».
ترويج المخدرات بمحيط المدارس يقود لإيقاف منحرفين
قال وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، إن عدد القضايا المنجزة لمكافحة الاتجار غير المشروع في المخدرات بمحيط المؤسسات التعليمية، بلغ 1200 قضية. وأضاف الوزير، في جلسة الأسئلة الشفوية بمجلس النواب الاثنين، أنه تم إيقاف 1270 شخصا منهم 53 قاصراً.
وذكر بنموسى أن الوزارة اعتمدت على إدماج مفاهيم محاربة الظاهرة في المناهج الدراسية، والتحسيس والتوعية من خلال تنظيم أنشطة، مشيرا إلى أن عدد المستفيدين من الحملات التحسيسية المنجزة بتعاون مع المصالح الأمنية، بلغ أزيد من 243 ألف تلميذ، وأكثر من 960 جمعية.





