شوف تشوف

الرئيسيةالقانونية

دعوة إلى مأسسة قاضي الإجراءات بالمحاكم لما بعد كورونا 2/2

باستحضار تام للواقع العملي وإكراهاته، يجب أن نعترف بأن المسؤول القضائي اليوم ليس هو المسؤول القضائي نفسه المعهود سالفا في تعاطيه مع جهة واحدة ألا وهي وزارة العدل بمديرياتها، بل إن جسامة مسؤوليته ازدادت في ظل استقلال السلطة القضائية، التي تفرض معه ضرورة التعاطي مع مختلف الجهات الرسمية المتدخلة والمتداخلة في منظومة العدالة، كوزارة العدل أو المصالح الخارجية، ناهيك عن مؤسسة المجلس الأعلى للسلطة القضائية كمؤسسة دستورية أصيلة في تدبير الشأن القضائي، دون إغفال باقي مهامه الإدارية والقضائية والتمثيلية والتأطيرية، تجعله في محك حقيقي لكسب رهان التجسيد الحقيقي للقضاء كسلطة مستقلة، إن لم نقل إنه في معادلة صعبة المنال في بعض الأحيان، بالرغم من وجود مؤسسة نائب الرئيس.
إلا أنه بالرغم من كل ذلك نجد أن الإدارة القضائية بالمغرب، منذ استقلالها، استطاعت أن تفرض نفسها رغم كل الصعاب وأضحت قادرة على التغلب على العقبات التي قد تعتريها بتأمين وجه مشرف للعدالة المغربية، والذي سجلته لحد الآن، والذي ما كان ليتحقق دون مجهودات جبارة في ظل عدم وجود استقلال مالي كوجه من أوجه استقلال القضاء
بالإضافة إلى نهج قنوات عملية فعالة بواسطة حث السادة القضاة على الإشراف المباشر على الإجراءات المأمور بها قضائيا بالشعب المكلفين بها، وضرورة تتبعها لتطويع كل الصعاب التي تواجه جهاز كتابة الضبط في عمليتي التبليغ والتنفيذ، بالتنسيق مع المسؤول القضائي الذي يظل الملجأ الوحيد لحل أي إشكال مرتبط بعدم نفاذ الإجراءات المأمور بها من قبل السادة القضاة بالشعب المسندة إليهم، إلى جانب رئيس مصلحة كتابة الضبط.
مما يدفعنا اليوم إلى الدعوة لمأسسة «قاضي الإجراءات» كمؤسسة متخصصة في الإشراف المباشر على أقسام التبليغ والتنفيذ، والعمل على إخراجها حيز الوجود كجهة قضائية تعمل إلى جانب مؤسسة المسؤول القضائي وتحت إشرافه المباشر، عملها الأول والأخير تيسير سبل النجاعة الإجرائية، وهمها الأول ضمان تنفيذ الإجراءات المأمور بها من قبل قضاة الموضوع في الباب المتعلق بالتبليغ عن طريق سهرها وإشرافها المباشر على أقسام التبليغ والتنفيذ من الناحية الإجرائية، مع تمكينها من كل أدوات الاشتغال اللوجيستيكية أو المادية، وبه قد نكون أمام مؤسسة قضائية إجرائية محضة ضامنة لنجاعة قضائية، تخفف من أعباء المسؤول القضائي من جهة، كما تسهل من مأمورية القاضي للتفرغ في دراسة الملفات والبت في الملفات داخل آجال أكثر من معقولة.
بيد أن من شأن مأسسة «قاضي الإجراءات» تفادي ما يعانيه جهاز كتابة الضبط من إكراهات يومية، بسبب تعطل نفاذ الإجراءات، بالرغم من استيفاء شكلياتها. ومثال على ذلك أنه في أغلب الأحيان إن لم نقل كلها، تأمر المحكمة باستدعاء المطلوب في الدعوى، أو أن تأمر بإنجاز أي إجراء تستكين له المحكمة في باب استيفاء عناصر الدعوى بغض النظر عن طبيعتها، ويتم في حينه تضمين ذلك بمحضر الجلسة، كما يتم إخراج الاستدعاء باليوم نفسه أو ليوم غد، لكن مرجوعه يتعطل، إن لم نقل إن الإجراء ذاته يبقى معلقا دون جواب، أو أن يأتي الجواب بعد انصرام أجله… وغيرها من الأمثلة العديدة.
والتي لا يمكن أن يتحمل مسؤوليتها القاضي أو كاتب الضبط، لأن مسؤوليتهما القانونية والمهنية قد تمت على أكمل وجه، مما يجعلنا قادرين على التمييز بين شكلية الإجراء من جهة، ونفاذ الإجراء ذاته المأمور به.
مما يتطلب ضرورة إيجاد آلية ضامنة لنفاذه، لتفادي تكراره لمرات أخرى، وكذا عدم هدر مجهود القاضي المكلف بالقضية ومؤسسة كتاب الضبط، بالسعي إلى إيجاد حلول بديلة ومنضبطة للقانون.
من هنا يمكن القول إن مؤسسة «قاضي الإجراءات» بتفرغها هذا، ستشكل دون شك خطا ضامنا لنفاذ الإجراءات المأمور بها، وقيمة مضافة للإدارة القضائية في تعاطيها كجهة قضائية موكول إليها بموجب القانون السهر على ذلك، «أي أن يتم تعيينه بموجب الجمعية العمومية»، حفاظا على الزمن القضائي والتقليص من العمر الافتراضي للملفات، بل وحتى تفادي أي تضخم قد يطرأ بزمن ما بعد جائحة كورونا، ولم لا اعتماده بصفة دائمة كأحد تجليات مأسسة التدخل القضائي المباشر، لتنزيل مقتضى دستوري، مرده البت في قضايا المواطنين داخل آجال معقولة، دون إثقال كاهل الإدارة القضائية بأعباء مسطرية يمكن معالجتها بشكل غير مباشر، يستهدف القضاء بشكل نهائي على أحد المعطلات الرئيسية التي تعترض الحكامة القضائية، والتي من شأنها تقويم الأقسام الداخلية للمحكمة بتوحيد البعض منها ضمن قسم أو وحدة إجراءات التبليغ والتنفيذ، منكبة على تسيير وضمان نفاذ تبليغ إجراءات الملفات القضائية الرائجة، أو التي يراد تبليغها، في أفق تعديلات تشريعية لاعتماد وسائل بديلة عن الوسائل الورقية، كالتبليغ بواسطة الاتصال الهاتفي أو البريد الإلكتروني أو الرسائل، النصيحة بكل منهما أو غيرهما من الوسائل الحديثة التي أضحت تفرض نفسها يوما عن يوم، وكأنها تمهد لولادة رقمية لقضاء إلكتروني.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى