
محمد اليوبي
أقدم رئيس جماعة مهدية، التابعة لعمالة إقليم القنيطرة، على إصدار قرار أثار الكثير من الجدل، يتعلق بكراء شاطئ المدينة إلى إحدى الشركات التي ستتولى بدورها إعادة كراء مرافقه عن طريق منح 74 رخصة لفتح محلات تجارية، لبيع مختلف السلع.
وأفادت المصادر بأنه في وقت يستثمر فيه المغرب موارد ضخمة لتحسين جاذبية شواطئه وتنمية السياحة الداخلية، تفاجأ الرأي العام المحلي بمدينة مهدية بقرار غريب من رئيس الجماعة، عبد الرحيم بوراس، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، يقضي بتفويت العشرات من رخص استغلال الشاطئ لفائدة شركة خاصة، في غياب الشفافية، ومن دون استشارة السلطة الإقليمية.
وحسب المعطيات المتوفرة، فقد منحت الجماعة 74 رخصة لاستغلال ما يفوق 1600 متر مربع من الشاطئ، دون استشارة قبلية من السلطة المحلية، حيث أقدم رئيس الجماعة على اتخاذ قرار انفرادي بمنح هذه الرخص، دون الرجوع إلى المجلس بكامل أعضائه، أو احترام المساطر القانونية المعتمدة، واعتبر عدد من المتتبعين هذه الخطوة بأنها محاولة مكشوفة لتحويل الملك العمومي البحري إلى «كعكة» لفائدة شركة خاصة محظوظة، يُرتقب أن تنال الصفقة رسميا بعد الإعلان عنها لاحقا، في إطار تغيب فيه معايير الشفافية والمنافسة.
وفي محاولة لامتصاص الغضب، صرح أحد أعضاء المجلس بأن الجماعة ستعلن قريبا عن صفقة رسمية لتأطير هذا الاستغلال، لكن هذا التصريح بدل أن يبعث على الاطمئنان، عمق الشكوك، خصوصا بعد تسرب معلومات حول أن الثمن التقديري الافتتاحي للصفقة سيكون هزيلا جدا، بشكل قد يُفسح المجال لحرمان خزينة الجماعة من مداخيل مالية مهمة، من خلال تفويت احتلال الملك العمومي بثمن رمزي لا يعكس القيمة الفعلية للموقع الاستراتيجي للشاطئ.
وتعتزم فعاليات محلية توجيه مراسلات إلى وزير الداخلية وعامل الإقليم، وكذلك إلى المجلس الجهوي للحسابات، بخصوص حرمان الجماعة من مداخيل مالية مهمة كان بالإمكان تحصيلها لو تم اعتماد مسطرة شفافة، عادلة وتنافسية، وكذلك فتح تحقيق بشأن تفويت الملك العمومي بأثمان رمزية لأطراف بعينها، ما سيضيع على ميزانية الجماعة فرصة تعزيز مواردها الذاتية في موسم يشهد إقبالا كثيفا.
وبالإضافة إلى ذلك، هناك تخوفات بأن يكرس هذا القرار المزيد من الفوضى والعشوائية بهذا الشاطئ، بتحويله إلى سوق شعبي، من خلال إحداث العشرات من الأكشاك الموسمية التي تقدم المأكولات، والقهوة والشاي، والفشار، والحلزون، والعصائر والمعجنات…، في غياب شروط النظافة والسلامة الصحية، علما أن زوار الشاطئ و«الكورنيش» يشتكون طيلة السنة من انتشار الأزبال والكلاب الضالة، فضلا عن غياب الإنارة العموميـة، وكذلك أهم المرافق الضرورية من قبيل المراحيض العمومية.
وأمام هذا الوضع المقلق، يُطرح بإلحاح دور السلطة الإقليمية، حيث يُنتظر من عبد الحميد المزيد، عامل إقليم القنيطرة، التدخل العاجل لوقف هذه «الصفقة»، وإعادة الأمور إلى نصابها، ضمانا لحماية المال العام وصونا لمبدأ الشفافية والمساواة بين الجميع.
وفي السياق ذاته، يطالب مستشارون بالمجلس الجماعي إلى جانب فعاليات مدنية وحقوقية بإيفاد لجنة من المفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، لإجراء افتحاص شامل لمجمل مساطر منح التراخيص، والتحقق من مدى احترام الضوابط القانونية والتنظيمية، مع اتخاذ الإجراءات اللازمة، في حال ثبوت أي تجاوز أو إخلال بمبدأ تدبير الملك العمومي وفقا للقانون.
ومن المرتقب، أن يحل قضاة المجلس الجهوي للحسابات مجددا بمدينة مهدية، وذلك في إطار تتبعهم لسير عدد من الملفات المحلية التي سبق أن أثارت ملاحظاتهم، خاصة بعد زيارة رسمية قاموا بها، قبل بضعة أشهر، ووقفوا خلالها على عدة اختلالات في التسيير والتدبير.
وأكدت المصادر أن ما يحدث اليوم في شاطئ مهدية ليس مجرد استغلال موسمي، بل هو انحراف خطير في تدبير الملك العمومي، يهدد مبدأ تكافؤ الفرص، ويُقصي فئات اجتماعية واسعة من حقها في الاستفادة المشروعة من الفضاءات الاقتصادية الصيفية، ما يستدعي من المسؤولين التدخل لحماية مهدية من السقوط في فخ الريع والفوضى المقننة.
وتسود تخوفات من أن تنضاف هذه الفوضى إلى الظاهرة الخطيرة التي يعرفها الشاطئ في السنوات الأخيرة، تتعلق باحتلال الشاطئ من طرف أشخاص غرباء يفرضون قوانينهم الخاصة بإجبار المواطنين على أداء مبالغ مالية، مقابل السماح لهم بالولوج إلى الشاطئ، والاستمتاع برمال ومياه البحر، والغريب في الأمر أن هذه الممارسات تتم أمام أعين السلطات والجهات المسؤولة، حيث يتم حجز الواجهات الأمامية للشواطئ بالكراسي والمظلات الشمسية المعدة للكراء، ويدعي هؤلاء الأشخاص أنهم يتوفرون على تراخيص من السلطات المختصة ويؤدون مبالغ مالية لفائدة الجماعة.





